إدانة «مشروطة» من الفصائل المسلحة لاستهداف رئيس الوزراء العراقي

TT

إدانة «مشروطة» من الفصائل المسلحة لاستهداف رئيس الوزراء العراقي

بعد تغريدات وردود فعل مشروطة لعدد من قادة الفصائل المسلحة والقوى الخاسرة في الانتخابات العراقية بشأن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فإن ردود الفعل الواسعة في الداخل والخارج أجبرتها بعد ساعات على تغيير مواقفها باتجاه التنديد بالمحاولة.
ما يسمى بـ«تنسيقية فصائل المقاومة العراقية» عدت استهداف رئيس الوزراء بمثابة استهداف للمنجز الأهم الذي حصلت عليه الأغلبية (في إشارة إلى المكون الشيعي في العراق) بعد عام 2003، وقالت في بيان لها أمس الأحد: «نُدينُ عملية استهداف منزل رئيس مجلس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، ونعده استهدافا للدولة العراقية التي بنيناها بدمائنا، كون هذا الموقع حصراً من أهم مؤسسات الدولة ونعتبره المنجز الأهم الذي حصلت عليه الأغلبية بعد سقوط الديكتاتورية». وأضاف البيان «نؤكد أن هذا العملَ لا يتسقُ مع حرصنا في بناء الدولة العراقية منذُ سقوط الديكتاتورية منذ عام 2003 إلى الآن». وعدت أن «من قامَ بهذا العملِ يحاولُ خلطَ الأوراقِ ولا سيما ونحن نطالبُ وبقوة بإجراء تحقيق عادل يدفع لنا قتلة شهدائنا الذين تظاهروا سلمياً يومَ الجمعة، وأن صناعة حادثة كهذه لن تمنعَنا من إصرارنا على معاقبة الجناة ولا سيما المتورطون الكبار في إراقة دماء الأبرياء من المتظاهرين السلميين».
كما دعت إلى «تشكيل لجنة فنية متخصصة بمشاركة المختصين من الحشد الشعبي للتحقيق بهذا الحادث وإعلان نتائجه». ورأت أن «اتباع الطرق السلمية والقانونية المكفولة دستوريا في استرداد الحقوق المنهوبة هو سبيلنا الذي نراه يتلاءم وحرصنا في الحفاظ على استقرار العراق وأمنه».
وبينما بدت تغريدات زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم تحالف قوى الدولة عمار الحكيم وائتلاف النصر حيدر العبادي منددة منذ البداية بقوة بشأن محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فإن اللافت في الأمر يتمثل في مواقف قوى تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري التي تغيرت من التشكيك إلى شبه اليقين بما حصل.
وبينما أدان زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، بشكل مشروط ما حصل للكاظمي وذلك بالدعوة إلى تشكيل لجنة محايدة للتحقيق فإن القيادي في «العصائب» حسن سالم اتهم أميركا بالوقوف وراء عملية استهداف منزل الكاظمي الذي وصفه بأنه مجرد منزل مهجور.
كذلك اتهم العامري طرفا ثالثا في الضلوع بالعملية، وطالب الجهات المختصة بالتحقيق في الموضوع، مبينا أن من يقف خلف هذا العمل يريد خلط الأوراق وخلق الفتنة. أما رئيس تجمع سند الوطني وأحد قيادات الحشد الشعبي البارزين أحمد الأسدي فقد أدان العملية متهما أجندات خارجية بالعمل على زعزعة استقرار العراق.
اللافت أنه لم يصدر حتى ساعة إعداد هذا التقرير موقف من «كتائب سيد الشهداء» التي توعد أمينها العام أبو آلاء الولائي أول من أمس الكاظمي وخاطبه قائلا: «أقول لك؛ عليك أن تنسى أمرين، الأول تكرار مهزلة تجديد رئاستك (للوزراء)، والثاني لن تعاد حتى إلى منصبك السابق (رئاسة جهاز المخابرات)».
اللافت أيضا أن هذه الإدانات المشروطة من جانب الفصائل الموالية لإيران جاءت بعد تصريحات لمسؤولين إيرانيين سعوا إلى اتهام «أطراف خارجية» بالمحاولة. فقد ربط الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني المحاولة بـ«مراكز فكر خارجية» قال إنها «دعمت الجماعات الإرهابية واحتلال العراق»، واصفا محاولة الاغتيال بـ«فتنة جديدة».  



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.