«حلم جميل»... تبرز التناقضات الطبقية في إطار كوميدي

في عام 1931، فاجأ الفنان شارلي شابلن (1889 - 1977) جمهوره بالعودة إلى السينما الصامتة التي صنعت أسطورته كممثل ومخرج ومؤلف موسيقي أيضاً، حيث قدم فيلمه الجديد «أضواء المدينة» بعد سنوات من اكتشاف السينما الناطقة. يحكي الفيلم قصة صعلوك متشرد يقع في حب فتاة عمياء تبيع الزهور، لكنها لا تملك المال الكافي لكي تجري عملية جراحية تعيد إليها بصرها. بالصدفة يشاهد البطل الصعلوك أحد الأشخاص وهو يهم بالانتحار فينقذه، ويعيد إليه بعضاً من الأمل وسط ظلام اليأس فيصبح الرجل ممتناً له. يتضح أن بطل محاولة الانتحار هو ثري عجوز تنتابه موجات عاتية من الاكتئاب رغم حياة الرفاهية التي ينعم بها. يصطحبه الثري إلى قصره ويمنحه بعض المال والملابس فيتقبلها الصعلوك سعيداً ويسرع إلى بائعة الزهور ليشتري منها بضاعتها الكاسدة، وعندما يعود للقصر مجدداً، ينساه الثري العجوز ويطرده موظفوه فيضطر للعمل في مهن عديدة متواضعة عبر سلسلة من الأحداث والمصادفات تنتهي باستعادة الفتاة لبصرها ونجاحها في عملها دون أن تعرف حقيقة من كان يساعدها ويحبها إلا في مشهد النهاية المفعم بالمشاعر والانفعالات.
وبعد مرور 90 عاماً، تتم استعادة أحداث الفيلم الذي تم تصنيفه رسمياً في المركز الحادي عشر في تاريخ هوليوود من جانب «المعهد الأميركي للسينما»، عبر المسرحية المصرية «حلم جميل» التي تُعرض يومياً طوال نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على خشبة «المسرح العائم» بحي المنيل بالقاهرة ضمن إنتاج «المسرح الكوميدي».
يلتزم صناع العمل الذي عالجه درامياً طارق رمضان وأخرجه إسلام إمام، بالرؤية الأساسية للعمل الأصلي التي تنطلق من عدة تساؤلات جوهرية يبدو أنها ستظل دون إجابات شافية على مر الزمان: هل السعادة لا تتحقق إلا بالمال؟ ولماذا نجد أثرياء يلتهمهم الاكتئاب رغم إمكاناتهم المادية الهائلة؟ وهل ممكن فعلاً أن يكون الحب بديلاً للأرصدة المصرفية؟ ولماذا نجد كثيراً من قصص العشق مهددة بالتحطم على صخرة الفقر والإمكانات الضعيفة حتى قال بعضهم: إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك؟
وبينما يركز الفيلم على تطورات الحدث بمفاجآته ومصادفاته المتوالية في إيقاع سريع لاهث، ينحاز العرض المسرحي للطابع الغنائي الموسيقي عبر توظيف الكثير من «المجاميع» في أداء حركي راقص يتخذ من حقبة الملكية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، لا سيما فترة الملك فاروق، إطاراً مرجعياً على مستوى الزمن.
اختيار بطل العرض النجم سامح حسين بدا موفقاً للغاية، حيث منحته مواصفاته الجسدية من حيث ضآلة الحجم وملامح وجهه القريبة من البسطاء التي تدخل القلب سريعاً مصداقية تجسيد حياة المشرد الحائر بين لحظات في قرب الأثرياء ثم عنف في طرده من جنة الدعة والرفاهية دون منطق مفهوم. وفي المقابل، جاء أداء سارة درزاوي لشخصية بائعة الورد بسيطاً هادئاً يناسب شخصية بريئة حالمة تعيش مأساتها الخاصة في صمت. فيما تضافرت عناصر الديكور «حازم شبل» والأزياء «نعيمة عجمي»، والاستعراضات «ضياء شفيق» لتصنع لوحات موسيقية ساخرة وهزلية رغم ما يتخلل العرض من مفارقات مأساوية.
بدوره، يؤكد مخرج العرض إسلام إمام أن العمل في نسخته المصرية يتسم بأفق واسع يأخذ من العمل الأصلي خطوطه العريضة لكنه يذهب به في بيئة مصرية خالصة لنصبح في النهاية بإزاء كوميديا شعبية رومانسية غنائية تنطلق من كوميديا الموقف، والمفارقات الناتجة عن الفوارق الطبقية الهائلة.
ويضيف إمام، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العمل أعتبره على المستوى الشخصي من الأعمال التي تمسّ القلب بما يمتلكه من قدرة خاصة على إثارة المشاعر والانفعالات، فضلاً عن محاولتنا القوية لتجسيد عالم البسطاء بأحلامهم المشروعة التي تبدو شديدة التواضع مقارنة بما يحيطهم من قصور وعوالم أخرى مختلفة».
وعن تعاونه المتكرر مع سامح حسين، يؤكد مخرج العرض: «هذا العمل ربما يكون التعاون رقم 15 مع سامح حسين، حيث تجمعنا كيمياء النجاح والتفاهم والقدرة على الاستمتاع بالفن».