قد لا يكون السيناتور الديمقراطي الأميركي جوزيف مانشين، أحد أشهر السياسيين في حزبه، إلا أن نتائج انتخابات عام 2020 التي مكّنت الديمقراطيين من الحصول على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، ليمنحهم صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس الصوت المرجّح، في أي تصويت أساسي، حوّلت هذا السيناتور المغمور سابقاً إلى واحد من أكبر اللاعبين في حلبة الصراع السياسي والحزبي المفتوحة على مصراعيها اليوم في الولايات المتحدة.
الرجل الذي يمثل ولاية ويست فيرجينيا هو أحد أبرز «المحافظين» الديمقراطيين. كيف لا، وولايته اليوم هي إحدى أكثر الولايات الأميركية ولاء للجمهوريين، وللمحافظين المتشددين منهم على وجه الخصوص. وكما يطلق على جمهوريّي ولاية كاليفورنيا بأنهم «جمهوريون في الاسم فقط»، لليبراليتهم المتماشية مع مزاج ناخبي أكبر ولاية أميركية، يطلق على مانشين أنه «ديمقراطي في الاسم أيضاً» لمواقفه المحافظة المتشددة في كثير من القضايا. وهو حقاً تحول اليوم إلى العقبة الكأداء أمام تمرير أجندة الرئيس جو بايدن نفسه، وليس فقط أجندة الليبراليين التقدميين في الحزب الديمقراطي، اقتصادياً واجتماعياً، على الرغم من إشادته به، معتبراً «أن انتخابه كان خياراً ضرورياً لأميركا في هذه الفترة».
في المناوشات الشرسة بين السيناتور جو مانشين، وليبراليّي الحزب الديمقراطي و«تقدميّيه»، حول حجم أجندتهم وشكلها، نراه يحذّر من أن «اليسار سيقود الأمة إلى الاعتماد على الحكومة، بشكل يؤدي إلى تعطيل تقدم البلاد». وفي تعليقات أخيرة له، قال مانشين: «لقد كنت واضحاً جداً عندما يتعلق الأمر بمن نحن كمجتمع، ومن نحن كأمة... لا أعتقد أنه يجب علينا تحويل مجتمعنا إلى مجتمع نفعي أو استحقاقي». قوله هذا، تحوّل إلى صرخة يستخدمها الجمهوريون أيضاً، للترويج لاعتراضهم على دور الحكومة وحجمها ومسؤولياتها، إبّان «معركتهم» لتقليص حزمة الإنفاق الداخلي (3.5 تريليون دولار) التي قدمها الديمقراطيون، إلى أقل من نصف حجمها. وهي الحزمة التي تمثل أفضل فرصة أمام الرئيس جو بايدن لسنّ تشريعات أساسية قبل منتصف عهده عام 2022. وتابع مانشين، إنه بينما تتحمل الحكومة «مسؤولية أخلاقية لرعاية أولئك الذين لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم... يجب أن تكون شريكتهم، وليس مقدِّم الخدمة». وأضاف: «عندما تكون الصناعة الخاصة مستعدة وقادرة على التدخل، يجب على الحكومة أن تتراجع، علينا فقط موازنة الأمور». وفي حين استمرت الأسئلة المحيطة بالفاتورة النهائية للحزمة، وعمّا إذا كانت إدارة بايدن ستنجح في التوصل إلى اتفاق قبل مغادرته إلى قمتي المناخ ومجموعة العشرين في إيطاليا وغلاسكو في المملكة المتحدة، أكد مانشين أنه يريد أن تكون في حدود 1.5 تريليون دولار، مشيعاً أجواء إيجابية عن قرب الاتفاق مع أعضاء حزبه، بعد اجتماعه ببايدن وبرئيس الغالبية في مجلس الشيوخ السيناتور تشارلز (تشاك) شومر. وفي المقابل، يواصل القادة الديمقراطيون الضغط لجعلها بقيمة تريليوني دولار، بعدما قبلوا بخفضها بالفعل من 3.5 تريليون دولار. وللعلم، نجحت اعتراضات مانشين بالفعل في حذف البنود المتعلقة بإطار عمل الغرامات لمرفق الطاقة، المعروف باسم برنامج أداء الكهرباء النظيفة، فضلاً عن أحكام مناخية أخرى، بما في ذلك الضريبة على غاز الميثان. واستبعد فوائد الرعاية الطبية الموسعة، وهي إحدى أولويات السيناتور اليساري بيرني ساندرز، رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ، محذراً من أنها تقوض ملاءة برنامج الصحة لكبار السن، المعروف باسم «ميديكير».
- ديمقراطي في ولاية محافظة
جوزيف مانشين الثالث - وهذا هو اسمه الكامل - سياسي في الحزب الديمقراطي، ورجل أعمال شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ويست فرجينيا منذ 2010، وقبلها شغل منصب الحاكم الـ34 للولاية من عام 2005 إلى 2010، وأمينها الـ27 من 2001 إلى 2005. وكان قد أسس شركة سمسرة لإنتاج الفحم، يمتلك فيها 1.5 مليون دولار من الأسهم الخاصة.
يُعرّف مانشين نفسه بأنه «ديمقراطي محافظ معتدل»، وغالباً ما يوصف أنه أكثر الديمقراطيين «يمينية» في مجلس الشيوخ. ورغم تحول ويست فيرجينيا إلى واحدة من أكثر الولايات «جمهورية» في البلاد، حافظ مانشين على موقعه فيها، وفاز في انتخابات حاكم الولاية عام 2004 بهامش كبير، وأعيد انتخابه بهامش أكبر عام 2008، مع أن المرشحين الجمهوريين الرئاسيين في كلا العامين، جورج بوش الابن وجون ماكين، فازا في الولاية بهامش مريح أيضاً على آل غور وباراك أوباما. وفي الانتخابات الخاصة التي أجريت عام 2010 لملء مقعد مجلس الشيوخ الذي شغر بوفاة السيناتور الديمقراطي المخضرم روبرت بيرد، فاز مانشين بنسبة 54 في المائة من الأصوات، ليعاد انتخابه لفترة ولاية كاملة عام 2012 بنسبة 61 في المائة من الأصوات. وأعيد انتخابه عام 2018 بأقل من 50 في المائة من الأصوات، حين تحوّلت ولاية ويست فيرجينيا إلى «ولاية متحزبة» بشكل متزايد. وعند تقاعد السيناتور الديمقراطي جاي روكفلر عام 2015، أصبح مانشين السيناتور الأقدم في الولاية.
على صعيد آخر، منذ انتخابه يُعرف مانشين بدعمه لتعاون الحزبين أو التصويت والعمل مع الجمهوريين في قضايا، مثل الإجهاض وملكية الأسلحة. وفي مقابلة له مع صحيفة «النيويورك تايمز» عام 2014، قال مانشين إن علاقته بالرئيس (آنذاك) باراك أوباما «غير موجودة إلى حد ما»، وكان من أشد المعارضين لسياساته في الطاقة، بما في ذلك التخفيضات والقيود المفروضة على تعدين الفحم. وأدى قَسمه الأول في مجلس الشيوخ الأميركي أمام نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، خلفاً للسيناتور المؤقت كارت غودوين، وصوّت ضد قانون «لا تسأل، لا تخبر» الخاص بالمثليين في القوات الأميركية، عام 2010، وصوّت على إزالة دعم التمويل الفيدرالي لتنظيم الأسرة في عام 2015.
- داعم لترمب ومعارض له
وفقاً لموقع «فايف ثيرتي آيت»، الذي يتتبع أصوات أعضاء الكونغرس، صوّت مانشين لصالح ترمب بنسبة 50.4 في المائة من الوقت إبان فترة رئاسته. وأيّد سياساته في الهجرة كما صوّت لتثبيت معظم أعضاء إدارته والقضاة الذين عينهم في المحكمة العليا، بما في ذلك القاضي بريت كافانوه. ولقد رحب مانشين في البداية برئاسة ترمب، قائلاً: «سيصحح سياسات التداول، وانعدام التوازن في سياساتنا التجارية، الذي هو أمر فظيع». كذلك أيّد فكرة ترمب «لدعوة الشركات ومنعها من نقل المصانع إلى الخارج». وكان الديمقراطي الوحيد الذي صوّت لتثبيت تعيين وزير العدل جيف سيشنز ووزير الخزانة ستيفن منوشين، وواحداً من اثنين من الديمقراطيين صوّتا لتثبيت سكوت برويت مديراً لوكالة حماية البيئة، المعارض لسياسات المناخ الديمقراطية، وواحداً من 3 ديمقراطيين صوّتوا لتأكيد ريكس تيلرسون، الآتي من شركة «إكسون موبيل»، كأول وزير خارجية في عهد ترمب. لكنه في المقابل صوّت مراراً ضد محاولات إلغاء قانون الرعاية الميسرة «أوباما كير»، وصوّت للحفاظ على تمويل تنظيم الأسرة في عام 2017، وضد التخفيضات الضريبية وقانون الوظائف لعام 2017. ورغم تعيين المحافظة إيمي باريت قاضية في المحكمة العليا في نهاية المطاف، فإن مانشين صوت ضدها، بسبب قرب موعد الانتخابات الرئاسية قبل أقل من شهر، وهي الحجة نفسها التي استخدمها الجمهوريون إبان سيطرتهم على مجلس الشيوخ، مانعين أوباما من تعيين قاضٍ قبل أكثر من 8 أشهر على موعد الانتخابات. كما أنه صوت لإدانة ترمب في محاولتي عزله، وأدان تحريضه لمناصريه في أحداث 6 يناير (كانون الثاني) واقتحام مبنى الكابيتول. ووفقاً للموقع نفسه، صوّت مانشين لصالح بايدن بنسبة 100 في المائة اعتباراً من مايو (أيار) 2021. ولكن بعد انتخابات 2020، أصبح تصويته في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بنسبة 50 - 50 متأرجحاً. وجعلته هذه الغالبية الهامشية للحزب الديمقراطي في الكونغرس الحالي أحد أكثر أعضائه تأثيراً.
- عدو «التقدميين» اللدود
يعتبر جو مانشين أحد أبرز المعارضين للسياسات الداخلية للجناح التقدمي في حزبه، بما في ذلك الرعاية الطبية للجميع، وإلغاء التعطيل (الفيليباستر) في مجلس الشيوخ، وزيادة عدد القضاة في المحكمة العليا، وزيادة الحد الأدنى للأجور الفيدرالية إلى 15 دولاراً في الساعة، ومحاولات إلغاء تمويل الشرطة. ويُعدّ مانشين أيضاً من بين أكثر الأعضاء الديمقراطيين تأييداً لسياسة الانعزال، إذ كان من أكثر الداعين لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، وعارض معظم التدخلات العسكرية في سوريا. وفي يونيو (حزيران) 2011 ألقى خطاباً في مجلس الشيوخ دعا فيه إلى «خفض كبير ومسؤول للوجود العسكري للولايات المتحدة في أفغانستان». وقال: «لم نعد قادرين على إعادة بناء أفغانستان وأميركا. يجب أن نختار. وأنا أخترت أميركا». وفي بداية عام 2014 أدلى بتصريحات مماثلة، قائلاً إن «كل المال وكل القوة العسكرية في العالم لن تغيّر ذلك الجزء من العالم».
- مواقفه من سوريا
وفي أعقاب الهجوم الكيماوي على منطقة الغوطة في ضواحي دمشق في أغسطس (آب) 2013، قال مانشين: «لا شك في وقوع هجوم، وليس هناك شك في أنه تم تدبيره من نظام الأسد، لكن ليس من الواضح ما إذا كان الأسد قد أصدر الأمر بنفسه. لم يثبت ذلك». وعارض أي ضربات على الحكومة السورية انتقاماً منها. وبدلاً من ذلك، قدّم مشروع قرار مع السيناتورة الديمقراطية هايدي هايتكامب، يطالب أوباما بوضع استراتيجية طويلة الأمد بشأن سوريا والعمل دبلوماسياً لضمان تدمير الأسلحة الكيميائية السورية.
وفي سبتمبر (أيلول) 2014 أعلن مانشين أنه سيصوّت ضد قرار محتمل في مجلس الشيوخ لتسليح مقاتلي المعارضة السورية. وأشار إلى الخطط التي تدعو إلى نشر قوات برّية في سوريا، والتي اقترحها بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بما في ذلك ليندسي غراهام، على أنها «جنون». غير أنه أيد الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات عام 2017 التي نفّذت بأمر من ترمب رداً على هجوم كيميائي. وقال إن الضربة «كانت رسالة مهمة إلى النظام السوري وداعميه الروس أنه لا تسامح مع هذه الأعمال المروّعة».
- مانشين... بطاقة هوية
وُلد مانشين عام 1947 في عائلة كاثوليكية في فارمينغتون، وهي بلدة صغيرة بولاية ويست فيرجينيا، معروفة بتعدين الفحم الحجري. وهو الثاني من بين 5 إخوة من والديه؛ ماري، وجون مانشين.
اسم «مانشين» مشتقّ من اسم العائلة الإيطالي الأصلي «مانشيني»، فوالده إيطالي الأصل، وأجداده لأمه من المهاجرين التشيكوسلوفاكيين. ولقد امتلك والد مانشين متجراً للسجاد والأثاث، وكان جده جوزيف يمتلك محل بقالة. بل شغل والده وجده منصب عمدة فارمينغتون، وكان عمّه أنطونيو عضواً في مجلس مندوبي ويست فيرجينيا، ولاحقاً أميناً لخزانتها.
تخرّج في مدرسة فارمينغتون الثانوية عام 1965، والتحق بجامعة ويست فيرجينيا بفضل منحة دراسية لكرة القدم في ذلك العام، لكنه أصيب أثناء التدريب ما أنهى مسيرته الكروية، وتخرج عام 1970 بدرجة في إدارة الأعمال، وعمل في شركة عائلته.
عائلياً، تزوّج عام 1967 من غايل هيذر كونيل وأنجبا 3 أولاد؛ هيذر مانشين بريش (التي كانت الرئيسة التنفيذية لشركة الأدوية الهولندية «ميلان» ومقرّها هولندا) وجوزيف وبروك، وهو عضو في الجمعية الوطنية للبنادق (التي هي أكبر لوبي للسلاح الفردي) كما أنه طيار مرخّص.
أسس مانشين شركة سمسرة للفحم عام 1988، وساعد في إدارتها قبل أن يصبح سياسياً متفرغاً في أعقاب انتخابه أميناً للولاية عام 2000، ويومذاك سلّم إدارة شركته «إينيرجي سيستمس» لابنه جوزيف، ولدى إفصاحه عن ثروته عام 2020، أفاد أن أسهمه غير العامة في الشركة، كانت تتراوح بين مليون و5 ملايين دولار. مع العلم أن له استثمارات أخرى في مشروعات عقارية وفنادق في الولاية. واعتباراً من عام 2018، كان صافي ثروته أكثر من 7.6 مليون دولار، وفقاً لموقع «أوبن سيكريتس دوت أورغ».