السيناتور جو مانشين... أبرز وجوه «المحافظين» الديمقراطيين

معارضته لحزمة إعادة البناء تهدد بإفشال بايدن وأجندة حزبه

السيناتور جو مانشين... أبرز وجوه «المحافظين» الديمقراطيين
TT

السيناتور جو مانشين... أبرز وجوه «المحافظين» الديمقراطيين

السيناتور جو مانشين... أبرز وجوه «المحافظين» الديمقراطيين

قد لا يكون السيناتور الديمقراطي الأميركي جوزيف مانشين، أحد أشهر السياسيين في حزبه، إلا أن نتائج انتخابات عام 2020 التي مكّنت الديمقراطيين من الحصول على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، ليمنحهم صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس الصوت المرجّح، في أي تصويت أساسي، حوّلت هذا السيناتور المغمور سابقاً إلى واحد من أكبر اللاعبين في حلبة الصراع السياسي والحزبي المفتوحة على مصراعيها اليوم في الولايات المتحدة.
الرجل الذي يمثل ولاية ويست فيرجينيا هو أحد أبرز «المحافظين» الديمقراطيين. كيف لا، وولايته اليوم هي إحدى أكثر الولايات الأميركية ولاء للجمهوريين، وللمحافظين المتشددين منهم على وجه الخصوص. وكما يطلق على جمهوريّي ولاية كاليفورنيا بأنهم «جمهوريون في الاسم فقط»، لليبراليتهم المتماشية مع مزاج ناخبي أكبر ولاية أميركية، يطلق على مانشين أنه «ديمقراطي في الاسم أيضاً» لمواقفه المحافظة المتشددة في كثير من القضايا. وهو حقاً تحول اليوم إلى العقبة الكأداء أمام تمرير أجندة الرئيس جو بايدن نفسه، وليس فقط أجندة الليبراليين التقدميين في الحزب الديمقراطي، اقتصادياً واجتماعياً، على الرغم من إشادته به، معتبراً «أن انتخابه كان خياراً ضرورياً لأميركا في هذه الفترة».

في المناوشات الشرسة بين السيناتور جو مانشين، وليبراليّي الحزب الديمقراطي و«تقدميّيه»، حول حجم أجندتهم وشكلها، نراه يحذّر من أن «اليسار سيقود الأمة إلى الاعتماد على الحكومة، بشكل يؤدي إلى تعطيل تقدم البلاد». وفي تعليقات أخيرة له، قال مانشين: «لقد كنت واضحاً جداً عندما يتعلق الأمر بمن نحن كمجتمع، ومن نحن كأمة... لا أعتقد أنه يجب علينا تحويل مجتمعنا إلى مجتمع نفعي أو استحقاقي». قوله هذا، تحوّل إلى صرخة يستخدمها الجمهوريون أيضاً، للترويج لاعتراضهم على دور الحكومة وحجمها ومسؤولياتها، إبّان «معركتهم» لتقليص حزمة الإنفاق الداخلي (3.5 تريليون دولار) التي قدمها الديمقراطيون، إلى أقل من نصف حجمها. وهي الحزمة التي تمثل أفضل فرصة أمام الرئيس جو بايدن لسنّ تشريعات أساسية قبل منتصف عهده عام 2022. وتابع مانشين، إنه بينما تتحمل الحكومة «مسؤولية أخلاقية لرعاية أولئك الذين لا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم... يجب أن تكون شريكتهم، وليس مقدِّم الخدمة». وأضاف: «عندما تكون الصناعة الخاصة مستعدة وقادرة على التدخل، يجب على الحكومة أن تتراجع، علينا فقط موازنة الأمور». وفي حين استمرت الأسئلة المحيطة بالفاتورة النهائية للحزمة، وعمّا إذا كانت إدارة بايدن ستنجح في التوصل إلى اتفاق قبل مغادرته إلى قمتي المناخ ومجموعة العشرين في إيطاليا وغلاسكو في المملكة المتحدة، أكد مانشين أنه يريد أن تكون في حدود 1.5 تريليون دولار، مشيعاً أجواء إيجابية عن قرب الاتفاق مع أعضاء حزبه، بعد اجتماعه ببايدن وبرئيس الغالبية في مجلس الشيوخ السيناتور تشارلز (تشاك) شومر. وفي المقابل، يواصل القادة الديمقراطيون الضغط لجعلها بقيمة تريليوني دولار، بعدما قبلوا بخفضها بالفعل من 3.5 تريليون دولار. وللعلم، نجحت اعتراضات مانشين بالفعل في حذف البنود المتعلقة بإطار عمل الغرامات لمرفق الطاقة، المعروف باسم برنامج أداء الكهرباء النظيفة، فضلاً عن أحكام مناخية أخرى، بما في ذلك الضريبة على غاز الميثان. واستبعد فوائد الرعاية الطبية الموسعة، وهي إحدى أولويات السيناتور اليساري بيرني ساندرز، رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ، محذراً من أنها تقوض ملاءة برنامج الصحة لكبار السن، المعروف باسم «ميديكير».

- ديمقراطي في ولاية محافظة
جوزيف مانشين الثالث - وهذا هو اسمه الكامل - سياسي في الحزب الديمقراطي، ورجل أعمال شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ويست فرجينيا منذ 2010، وقبلها شغل منصب الحاكم الـ34 للولاية من عام 2005 إلى 2010، وأمينها الـ27 من 2001 إلى 2005. وكان قد أسس شركة سمسرة لإنتاج الفحم، يمتلك فيها 1.5 مليون دولار من الأسهم الخاصة.
يُعرّف مانشين نفسه بأنه «ديمقراطي محافظ معتدل»، وغالباً ما يوصف أنه أكثر الديمقراطيين «يمينية» في مجلس الشيوخ. ورغم تحول ويست فيرجينيا إلى واحدة من أكثر الولايات «جمهورية» في البلاد، حافظ مانشين على موقعه فيها، وفاز في انتخابات حاكم الولاية عام 2004 بهامش كبير، وأعيد انتخابه بهامش أكبر عام 2008، مع أن المرشحين الجمهوريين الرئاسيين في كلا العامين، جورج بوش الابن وجون ماكين، فازا في الولاية بهامش مريح أيضاً على آل غور وباراك أوباما. وفي الانتخابات الخاصة التي أجريت عام 2010 لملء مقعد مجلس الشيوخ الذي شغر بوفاة السيناتور الديمقراطي المخضرم روبرت بيرد، فاز مانشين بنسبة 54 في المائة من الأصوات، ليعاد انتخابه لفترة ولاية كاملة عام 2012 بنسبة 61 في المائة من الأصوات. وأعيد انتخابه عام 2018 بأقل من 50 في المائة من الأصوات، حين تحوّلت ولاية ويست فيرجينيا إلى «ولاية متحزبة» بشكل متزايد. وعند تقاعد السيناتور الديمقراطي جاي روكفلر عام 2015، أصبح مانشين السيناتور الأقدم في الولاية.
على صعيد آخر، منذ انتخابه يُعرف مانشين بدعمه لتعاون الحزبين أو التصويت والعمل مع الجمهوريين في قضايا، مثل الإجهاض وملكية الأسلحة. وفي مقابلة له مع صحيفة «النيويورك تايمز» عام 2014، قال مانشين إن علاقته بالرئيس (آنذاك) باراك أوباما «غير موجودة إلى حد ما»، وكان من أشد المعارضين لسياساته في الطاقة، بما في ذلك التخفيضات والقيود المفروضة على تعدين الفحم. وأدى قَسمه الأول في مجلس الشيوخ الأميركي أمام نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، خلفاً للسيناتور المؤقت كارت غودوين، وصوّت ضد قانون «لا تسأل، لا تخبر» الخاص بالمثليين في القوات الأميركية، عام 2010، وصوّت على إزالة دعم التمويل الفيدرالي لتنظيم الأسرة في عام 2015.

- داعم لترمب ومعارض له
وفقاً لموقع «فايف ثيرتي آيت»، الذي يتتبع أصوات أعضاء الكونغرس، صوّت مانشين لصالح ترمب بنسبة 50.4 في المائة من الوقت إبان فترة رئاسته. وأيّد سياساته في الهجرة كما صوّت لتثبيت معظم أعضاء إدارته والقضاة الذين عينهم في المحكمة العليا، بما في ذلك القاضي بريت كافانوه. ولقد رحب مانشين في البداية برئاسة ترمب، قائلاً: «سيصحح سياسات التداول، وانعدام التوازن في سياساتنا التجارية، الذي هو أمر فظيع». كذلك أيّد فكرة ترمب «لدعوة الشركات ومنعها من نقل المصانع إلى الخارج». وكان الديمقراطي الوحيد الذي صوّت لتثبيت تعيين وزير العدل جيف سيشنز ووزير الخزانة ستيفن منوشين، وواحداً من اثنين من الديمقراطيين صوّتا لتثبيت سكوت برويت مديراً لوكالة حماية البيئة، المعارض لسياسات المناخ الديمقراطية، وواحداً من 3 ديمقراطيين صوّتوا لتأكيد ريكس تيلرسون، الآتي من شركة «إكسون موبيل»، كأول وزير خارجية في عهد ترمب. لكنه في المقابل صوّت مراراً ضد محاولات إلغاء قانون الرعاية الميسرة «أوباما كير»، وصوّت للحفاظ على تمويل تنظيم الأسرة في عام 2017، وضد التخفيضات الضريبية وقانون الوظائف لعام 2017. ورغم تعيين المحافظة إيمي باريت قاضية في المحكمة العليا في نهاية المطاف، فإن مانشين صوت ضدها، بسبب قرب موعد الانتخابات الرئاسية قبل أقل من شهر، وهي الحجة نفسها التي استخدمها الجمهوريون إبان سيطرتهم على مجلس الشيوخ، مانعين أوباما من تعيين قاضٍ قبل أكثر من 8 أشهر على موعد الانتخابات. كما أنه صوت لإدانة ترمب في محاولتي عزله، وأدان تحريضه لمناصريه في أحداث 6 يناير (كانون الثاني) واقتحام مبنى الكابيتول. ووفقاً للموقع نفسه، صوّت مانشين لصالح بايدن بنسبة 100 في المائة اعتباراً من مايو (أيار) 2021. ولكن بعد انتخابات 2020، أصبح تصويته في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بنسبة 50 - 50 متأرجحاً. وجعلته هذه الغالبية الهامشية للحزب الديمقراطي في الكونغرس الحالي أحد أكثر أعضائه تأثيراً.

- عدو «التقدميين» اللدود
يعتبر جو مانشين أحد أبرز المعارضين للسياسات الداخلية للجناح التقدمي في حزبه، بما في ذلك الرعاية الطبية للجميع، وإلغاء التعطيل (الفيليباستر) في مجلس الشيوخ، وزيادة عدد القضاة في المحكمة العليا، وزيادة الحد الأدنى للأجور الفيدرالية إلى 15 دولاراً في الساعة، ومحاولات إلغاء تمويل الشرطة. ويُعدّ مانشين أيضاً من بين أكثر الأعضاء الديمقراطيين تأييداً لسياسة الانعزال، إذ كان من أكثر الداعين لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، وعارض معظم التدخلات العسكرية في سوريا. وفي يونيو (حزيران) 2011 ألقى خطاباً في مجلس الشيوخ دعا فيه إلى «خفض كبير ومسؤول للوجود العسكري للولايات المتحدة في أفغانستان». وقال: «لم نعد قادرين على إعادة بناء أفغانستان وأميركا. يجب أن نختار. وأنا أخترت أميركا». وفي بداية عام 2014 أدلى بتصريحات مماثلة، قائلاً إن «كل المال وكل القوة العسكرية في العالم لن تغيّر ذلك الجزء من العالم».

- مواقفه من سوريا
وفي أعقاب الهجوم الكيماوي على منطقة الغوطة في ضواحي دمشق في أغسطس (آب) 2013، قال مانشين: «لا شك في وقوع هجوم، وليس هناك شك في أنه تم تدبيره من نظام الأسد، لكن ليس من الواضح ما إذا كان الأسد قد أصدر الأمر بنفسه. لم يثبت ذلك». وعارض أي ضربات على الحكومة السورية انتقاماً منها. وبدلاً من ذلك، قدّم مشروع قرار مع السيناتورة الديمقراطية هايدي هايتكامب، يطالب أوباما بوضع استراتيجية طويلة الأمد بشأن سوريا والعمل دبلوماسياً لضمان تدمير الأسلحة الكيميائية السورية.
وفي سبتمبر (أيلول) 2014 أعلن مانشين أنه سيصوّت ضد قرار محتمل في مجلس الشيوخ لتسليح مقاتلي المعارضة السورية. وأشار إلى الخطط التي تدعو إلى نشر قوات برّية في سوريا، والتي اقترحها بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بما في ذلك ليندسي غراهام، على أنها «جنون». غير أنه أيد الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات عام 2017 التي نفّذت بأمر من ترمب رداً على هجوم كيميائي. وقال إن الضربة «كانت رسالة مهمة إلى النظام السوري وداعميه الروس أنه لا تسامح مع هذه الأعمال المروّعة».

- مانشين... بطاقة هوية
وُلد مانشين عام 1947 في عائلة كاثوليكية في فارمينغتون، وهي بلدة صغيرة بولاية ويست فيرجينيا، معروفة بتعدين الفحم الحجري. وهو الثاني من بين 5 إخوة من والديه؛ ماري، وجون مانشين.
اسم «مانشين» مشتقّ من اسم العائلة الإيطالي الأصلي «مانشيني»، فوالده إيطالي الأصل، وأجداده لأمه من المهاجرين التشيكوسلوفاكيين. ولقد امتلك والد مانشين متجراً للسجاد والأثاث، وكان جده جوزيف يمتلك محل بقالة. بل شغل والده وجده منصب عمدة فارمينغتون، وكان عمّه أنطونيو عضواً في مجلس مندوبي ويست فيرجينيا، ولاحقاً أميناً لخزانتها.
تخرّج في مدرسة فارمينغتون الثانوية عام 1965، والتحق بجامعة ويست فيرجينيا بفضل منحة دراسية لكرة القدم في ذلك العام، لكنه أصيب أثناء التدريب ما أنهى مسيرته الكروية، وتخرج عام 1970 بدرجة في إدارة الأعمال، وعمل في شركة عائلته.
عائلياً، تزوّج عام 1967 من غايل هيذر كونيل وأنجبا 3 أولاد؛ هيذر مانشين بريش (التي كانت الرئيسة التنفيذية لشركة الأدوية الهولندية «ميلان» ومقرّها هولندا) وجوزيف وبروك، وهو عضو في الجمعية الوطنية للبنادق (التي هي أكبر لوبي للسلاح الفردي) كما أنه طيار مرخّص.
أسس مانشين شركة سمسرة للفحم عام 1988، وساعد في إدارتها قبل أن يصبح سياسياً متفرغاً في أعقاب انتخابه أميناً للولاية عام 2000، ويومذاك سلّم إدارة شركته «إينيرجي سيستمس» لابنه جوزيف، ولدى إفصاحه عن ثروته عام 2020، أفاد أن أسهمه غير العامة في الشركة، كانت تتراوح بين مليون و5 ملايين دولار. مع العلم أن له استثمارات أخرى في مشروعات عقارية وفنادق في الولاية. واعتباراً من عام 2018، كان صافي ثروته أكثر من 7.6 مليون دولار، وفقاً لموقع «أوبن سيكريتس دوت أورغ».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».