صراع «طالبان» ـ «داعش» أحدث حلقات العنف في أفغانستان

بين التهم المتبادلة والسعي إلى استراتيجيات مشتركة

صراع «طالبان» ـ «داعش» أحدث حلقات العنف في أفغانستان
TT

صراع «طالبان» ـ «داعش» أحدث حلقات العنف في أفغانستان

صراع «طالبان» ـ «داعش» أحدث حلقات العنف في أفغانستان

تشهد الأيام الماضية، وقد تشهد الأيام والأسابيع المقبلة، صعود تنظيم «داعش» باعتباره التهديد الأقوى أمام بقاء نظام جماعة «طالبان» في العاصمة الأفغانية كابُل. ويرى خبراء إقليميون أن «داعش» أثبت قدرته على تنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف مدنية وعسكرية داخل أفغانستان، وقد يكون هذا أكبر عامل يتسبب في زعزعة استقرار نظام «طالبان»، خلال السنوات المقبلة.
أيضاً، يمكن أن يلقي هذا العامل بظلال من الشك على تقديرات القوى الإقليمية، التي ظلَّت تدعم نظام «طالبان» حتى هذه اللحظة، بخصوص فرص بقاء نظام «طالبان». اللافت هنا أن نظام «طالبان» لا يواجه أي تهديد سياسي أو عسكري داخل كابل من جانب الجماعات المسلحة المنافسة، مثل «التحالف الشمالي» الأفغاني السابق، بقيادة نجل «زعيم حرب» الطاجيكي الراحل أحمد شاه مسعود.

يمكن للهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم «داعش» ضد أهداف مدنية وعسكرية أن تزعزع استقرار الحكومة الأفغانية بقيادة «طالبان». وما يزيد مشكلات نظام «طالبان» حقيقة أنه لا يملك القدرة على إدارة مؤسسات الدولة الحديثة بما يخدم أمن الدولة والمجتمع.
الملاحَظ أن مسألة تصميم جماعة «طالبان» الأفغانية الشديد على مطاردة «داعش» خارج أفغانستان يجعلها القوة المفضَّلَة لدى القوى الإقليمية، بما في ذلك روسيا والصين وإيران وباكستان. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن قادة استخبارات الدول المعنيّة اجتمعوا في إسلام آباد خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، ووافقوا على تزويد نظام «طالبان» الأفغاني بكل المعلومات الاستخباراتية والتقنية الممكنة على نحو فوري لتمكينه من التعامل مع تهديد «داعش».
ومن جانبه، يتسم «داعش» بقوة لافتة، تحديداً، في شرق وشمال أفغانستان، وهما المنطقتان القريبتان من الحدود مع دول آسيا الوسطى، التي لا تزال روسيا تعتبرها جزءاً من نطاقها الأمني.
بين عامي 2016 و2018، تعرّض الهيكل التنظيمي لـ«داعش» في أفغانستان لضغوط هائلة، في ظل إصرار الأميركيين و«طالبان» على طرد التنظيم المتطرف من شرق أفغانستان، المنطقة التي شهدت صعوده خلال عامي 2014 و2016.

- «داعش» في أفغانستان
تتمحور قصة «داعش» داخل أفغانستان حول التراجع المستمر، وذلك بعد الصعود الهائل الذي حققته هناك بين عامي 2014 و2016، بارتفاع عدد أعضاء التنظيم إلى الآلاف.
ولكن على مدى العامين الماضيين، عانى «داعش» من خسائر متتالية بسبب العمليات العسكرية الأميركية والحكومية الأفغانية في ولايتي كونر وننغرهار الشرقيتين. وتفاقمت هذه الخسائر مع الحملة العسكرية المنفصلة التي تشنها حركة «طالبان» الأفغانية ضد «داعش». ووفق تقرير قائم على آراء خبراء غربيين، يضم «داعش» نحو 2200 مقاتل، إلا أن مساره العام شابه انشقاقات بين القادة والجنود، بجانب خسارة التنظيم بعض الأراضي التي كان يسيطر عليها، وكذلك تشرذم الحلفاء في ساحات المعارك.
اليوم، لا يبدو «داعش» في أفغانستان سوى مجرد ظل لما كان عليه في السابق، بيد أن عدداً من الخبراء الغربيين عبّروا عن مخاوفهم من أن مقاتليه المتبقين يمكن استغلالهم من قبل وكالات الاستخبارات الإقليمية لإلحاق الضرر بالدول المنافسة لها، في إطار ما يُطلَق عليه «عنف المفسد».
في الوقت الحالي، ثمة خلاف بين «داعش» وطالبان أفغانستان، ومع ذلك يبقى الأول على علاقة ودية مع جماعة «طالبان» الباكستانية. والملاحَظ أن «طالبان» الأفغانية اقتربت من إيران خلال السنوات الأخيرة، في حين تتشارك «طالبان» الباكستانية مع «داعش» العداء تجاه المجتمع الشيعي المحلي.
من ناحية أخرى، يرى عدد من الخبراء والمحللين الأمنيين أن «طالبان» ليست متطورة بما يكفي للتعامل مع مشكلة «عنف المفسد»، التي يمكن أن تتجلى في عدة أشكال مختلفة في أفغانستان، وأن تؤثر أيضاً على دول المنطقة. ويمكن أن يتخذ «عنف المفسد» شكل هجمات إرهابية داخل الأراضي الباكستانية.
أيضاً، يعتقد خبراء على صلة بوكالات استخباراتية غربية أن الاستخبارات الهندية يمكن أن تكون مفيدة في استخدام فلول الجماعات الإرهابية ضد باكستان. ولا يبدو هذا بعيد المنال عند رؤيته في ضوء المزاعم الباكستانية بأن الاستخبارات الهندية قد اخترقت «طالبان» الباكستانية، ولعبت دوراً فاعلاً في تحريض الجماعة المسلحة على تنفيذ هجمات داخل باكستان. وثمة تقارير لا حصر لها تزعم وجود شبكات تربط بين «طالبان» الباكستانية، وجماعات إرهابية، مثل «القاعدة» و«داعش».
ورغم أن «داعش» يكاد تكون قد اختفى، فإن شبكة الجماعات التابعة له لا ينطبق عليها هذا القول. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مقر «داعش» كان في ولاية ننغرهار الأفغانية قرب الحدود الباكستانية وجذب المتطرفين من جميع أنحاء المنطقة، وكذلك من مناطق بعيدة في الخارج.

- تقرير الأمم المتحدة
ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) 2021، أدَّى العمل العسكري الذي نفَّذته قوات أمنية أميركية وأفغانية عام 2018 إلى خفض القوة الفعلية لـ«داعش» إلى 1500 - 2000 مقاتل، ما اضطره للعمل في خلايا لا مركزية تعمل على نحو شبه ذاتي.
ومع ذلك، فإن الهجوم الوحشي على مدرسة للبنات في كابل يوم 8 مايو (أيار) 2021، وأسفر عن مقتل أكثر عن 80 شخصاً (معظمهم من الأطفال)، والهجوم الأخير على مطار كابل يشيران إلى أن «داعش خراسان» ربما عاود الصعود خلال السنوات الثلاث الماضية، حسبما ذكر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة.
لقد حمل الهجوم على المطار هدفين اثنين: الأول أن «داعش خراسان» سعى بالتأكيد لقتل أميركيين وإذلال واشنطن، التي تضرّرت مصداقيتها بالفعل بسبب الانهيار السريع للحكومة الأفغانية. وتمثل الثاني في تقويض شرعية حكم «طالبان». وراهناً، تتعاون «طالبان» مع الجيش الأميركي لتسريع جلاء القوات الأميركية. وبالنظر إلى تولي «طالبان» مسؤولية حفظ الأمن خارج المطار، فهذا الهجوم يصوّروهم ضعفاء.

- الاجتماع الاستخباراتي
وحول الاجتماع الاستخباراتي - المشار إليه سابقاً - فإن الاستخبارات الباكستانية استضافت أخيراً اجتماعاً لقادة عدد من الوكالات الاستخباراتية في إسلام آباد، تركَّز النقاش حول التهديد الذي يمثله وجود «داعش» في الولايات الشمالية والشرقية من أفغانستان. واتفق قادة الاستخبارات في إيران والصين وروسيا وباكستان ودول آسيا الوسطى على «تنسيق جهودهم» ضد نشاطات «داعش» في أفغانستان، ومساعدة نظام «طالبان» على التعامل مع التهديد الذي يشكله التنظيم.
وفي لقاءات مع «الشرق الأوسط» قال مسؤولون باكستانيون إن الروس قلقون، بشكل خاص، من صعود «داعش» في شمال أفغانستان على تخوم دول آسيا الوسطى، التي تعتبرها موسكو ضمن نطاقها الأمني.
كذلك يساور القلق الباكستانيين أنفسهم إزاء صعود «داعش» في أفغانستان، ويتركز قلقهم الرئيسي حول «الشراكة» التي دخل فيها مع عدد من التنظيمات الطائفية الباكستانية، وتنفيذه خلال الفترة الأخيرة عدداً من الهجمات الإرهابية ضد المجتمعات الشيعية في باكستان. وهذا، بينما تواصل قوات «طالبان» الأمنية في أفغانستان عملياتها ضد «داعش» في كابُل والمدن الكبرى الأخرى. ولكن الخبراء يشيرون إلى أن نقص الخبراء الفنيين وغياب أي قوات أمنية محترفة حال دون نجاح «طالبان» في هذه العمليات. وفي هذا الصدد، قال مسؤول أمني بارز في إسلام آباد: «لقد اعتقلوا بعض أعضاء (داعش) في ننغرهار، الذي كان معقلاً لـ(داعش) خراسان، وأفادت تقارير بأنهم اعتقلوا ما لا يقل عن80 من المقاتلين في ننغرهار».
وزعمت حركة «طالبان» في وقت قريب أنها قتلت ضياء الحق، المعروف كذلك باسم «أبو عمر الخراساني» داخل سجن بول الشارخي في كابل. كذلك واجهت «طالبان» اتهامات بقتل فاروق بنغالزاي، زعيم «داعش» في باكستان الذي أفادت أنباء بأنه تعرض للقتل أثناء سفره إلى جنوب غربي أفغانستان. وفي 28 أغسطس (آب)، تعرضت «طالبان» لاتهامات باعتقال أبو عبيد الله متوكل، العالم الديني المتهم بصلة بالتنظيم داخل كابل. وبعد أسبوع، عُثر عليه ميتاً.

- التحدي الأكبر أمام «طالبان»
يتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه «طالبان» اليوم في حقيقة أن معظم أفراد «داعش» كانوا ينتمون سابقاً إلى «طالبان» قبل انشقاقهم عن تنظيمهم الأم. ويعتقد خبراء أنه نظراً لأنه سيتعين على «طالبان» تقديم تنازلات لكونهم في الحكومة في كابل، فإن الأفراد الأكثر تطرّفاً داخل «طالبان» قد يواصلون مسيرة الانشقاق وينضمون إلى «داعش» ما قد يعزز صفوفه.
وتميل الدول الإقليمية التي تشعر بعدم الارتياح تجاه نمو التشدد السنّي الراديكالي في أفغانستان، على وجه الخصوص، إلى دعم حركة «طالبان» الأفغانية كحصن ضد «داعش» والمنظمات المتطرفة الأخرى. ولا يستبعد الخبراء الباكستانيون إمكانية مساعدة الأميركيين لـ«طالبان» في عملياتهم ضد «داعش»، لكن الخشية من أن هذا قد يسرّع وتيرة الانشقاق في صفوف «طالبان» أفغانستان.

- باكستان تخشى تهديداً أمنياًتشكّله جماعات تابعة لـ {داعش}
عام 2018، استعرض كبار القادة المدنيين والعسكريين الباكستانيين الوضع الأمني الإقليمي الذي تطوّر في أعقاب موجة العنف المتزامنة في العاصمة الأفغانية كابُل ومدينة كويتا قاعدة إقليم بلوشستان الباكستاني، في مايو (أيار) 2018. وكان من شأن التورط المحتمل لـ«داعش» في هجمات كابل وكويتا خلق بُعد أمني جديد على الوضع الأمني الإقليمي.
في حينه، أسفرت الهجمات الإرهابية في كابُل وكويتا عن مقتل العشرات من المواطنين العاديين وإصابة كثيرين، وخلفت الهجمات شعوراً بانعدام الأمن داخل المراكز الحضرية بباكستان وأفغانستان. وعلاوة على ذلك، ولّدت الهجمات في المدينتين انطباعاً بأنها ربما تكون متصلة بطريقة ما.
وبمرور الوقت، أصبح هذا أمراً معتاداً، بينما أجرت السلطات الأمنية الباكستانية مراجعة أمنية لمراقبة أعمال العنف التي يقودها تنظيم «داعش» في أفغانستان، وتوقع أي تداعيات محتملة على أمن باكستان. وفي معظم الحالات، كان للعنف الطائفي في أفغانستان تأثير سلبي على الوضع الطائفي في البلدات والمدن الحدودية الباكستانية.
من ناحيتهم، صرح مسؤولون عسكريون باكستانيون بأن ليس لـ«داعش» أي وجود منظَّم في باكستان، ومع ذلك، يخشى المسؤولون العسكريون من أن ظهور «داعش» في شرق أفغانستان يمكن أن يشكل تهديداً لأمن الأراضي الباكستانية. وأضاف أحد هؤلاء المسؤولين العسكريين أن «الجماعات التابعة لداعش في شرق أفغانستان يمكن أن تسبب مشكلات في شمال غربي باكستان».
من جهة أخرى، لا يكاد يوجد أي خلاف بين الخبراء العسكريين الإقليميين على أن «داعش» يتقدم في شمال أفغانستان وبعض أجزاء شرقها. وبالفعل، وقعت عمليات إرهابية في مدن أفغانية أعلن «داعش» مسؤوليته عنها أو جرى نسبها إليه. وتتيح وسائل الإعلام الأفغانية والدولية مساحة للتقارير التي تحدثت عن أنشطة التنظيم المتطرف في أفغانستان.
وقبل فترة، وردت أنباء عن اندلاع اشتباكات بين مقاتلي جماعة «طالبان» الأفغانية و«داعش» من جهة، وقوات الأمن الأفغانية ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى. وبدأ الجيش والاستخبارات الأميركية في استخدام تكنولوجيا الطائرات من دون طيار ضد مقاتلي «داعش» في جميع أنحاء أفغانستان منذ الأشهر الأخيرة من عام 2018.
كان هؤلاء المتشددون عبر الحدود يحاولون خلق انقسامات طائفية في باكستان.
وجرى طرد هؤلاء المسلحين من باكستان في عملية عسكرية ناجحة، لكنهم وجدوا ملاذاً في مناطق عبر الحدود. وقال مسؤول عسكري إن هذا التركيز للإرهابيين بالقرب من الحدود سمح لهم بجعل باراشينار (المناطق القبلية في باكستان التي تضم ما يمكن وصفه بخطوط صدع طائفية) هدفاً سهلاً، حيث توجد أصلاً توترات طائفية.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.