تراجع قيمة الليرة التركية يؤلم نازحي شمال سوريا

«الشرق الأوسط» تجول في أسواق إدلب

منتجات تركية في أحد محال إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
منتجات تركية في أحد محال إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

تراجع قيمة الليرة التركية يؤلم نازحي شمال سوريا

منتجات تركية في أحد محال إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
منتجات تركية في أحد محال إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

أثّر تراجع سعر صرف الليرة التركية بشدة، على السوريين شمال غربي سوريا، وفاقم من معاناتهم المعيشية والاقتصادية، بعد اعتمادهم العملة التركية إلى جانب الدولار الأميركي في الأسواق، منذ ما يقارب العام والنصف في السلع المستوردة والمحلية، وأجور العاملين والموظفين في القطاعات.
وقال حسام العمر، وهو ناشط في إدلب، إن انخفاض سعر الليرة التركية «حيث وصل سعر صرفها أمام الدولار الأميركي إلى (9.35 ليرة تركية مقابل الدولار الأميركي الواحد) مؤخراً، تسبب في ارتفاع أسعار السلع بأكثر من 35 في المائة، في مناطق (إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون بشمال حلب)، لتبلغ خلال الأيام الأخيرة الماضية مستويات قياسية، هي الأعلى في المنطقة، بعد رفع شركة (وتد للمحروقات) العاملة في مناطق إدلب، قبل أيام، أسعار المشتقات النفطية (المازوت والبنزين المستورد والغاز)؛ الأمر الذي زاد من ارتفاع الأسعار بشكل عام، وعمّق معاناة السوريين في منطقة تعاني أصلاً من أعلى نسب في البطالة والفقر وتدنٍ في الأحوال المعيشية والمادية، لا سيما لدى العمال بالأجرة اليومية وذوي الدخل المحدود».
وأضاف «شهدت مدينة إدلب ومدن أخرى شمال غربي سوريا خلال الأيام الماضية وقفات غاضبة لعدد من المواطنين والناشطين؛ احتجاجاً على غلاء الأسعار ورفع أسعار الخبز والوقود من قبل حكومة الإنقاذ، وطالب الناشطون والمحتجون بالتدخل لضبط أسعار السوق، لا سيما المواد الأساسية للمدنيين من غذاء وغاز».
وزادت حدة الاحتقان والغضب لدى الأهالي، بعد ارتفاع جديد في أسعار المحروقات إلى مستويات غير مسبوقة؛ إذ بلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي 113 ليرة تركية، بينما سعر المازوت المستورد نوع أول 8.15 ليرة، أما المازوت المحسن (محلي) إلى 5.99 ليرة؛ ما أثر ذلك سلباً على أسعار باقي السلع في الأسواق، حيث وصل سعر كيلو لحمة العجل إلى 55 ليرة تركية، بينما سعر كيلو لحمة الخروف وصل إلى 60 ليرة، وسعر كيلو الفروج الحي 12 ليرة، أما الزيت النباتي 16 ليرة، بينما أسعار الألبسة ارتفعت بنسبة 40 في المائة، وتحديداً الألبسة الشتوية منها؛ نظراً للأجور المترتبة عليها أثناء الإنتاج والنقل، في الوقت الذي تعاني شريحة كبيرة من الناس من تردي الأوضاع المعيشية والمادية، وأجور عمال لا تتناسب مع الغلاء الراهن في أسعار السلع، إذ يتقاضى العامل في إدلب وريفها أجرة يومية لا تتجاوز 25 ليرة تركية.
وجالت «الشرق الأوسط» في أسواق مدن إدلب الرئيسية، مثل سرمدا والدانا وأطمة، حيث لوحظ أن الحركة السوقية شبه معدومة، حيث يتجول المواطنون في الأسواق دون شراء حاجياتهم الضرورية من ألبسة جديدة ومأكولات وغيرها من المحال التجارية بسبب ارتفاع الأسعار إلى مستوى فاق قدراتهم المادية.
وقال أبو عبدو، وهو صاحب محل لبيع الفروج الحي، في مدينة الدانا، إن نسبة مبيعاته للفروج الحي، خلال الأيام الأخيرة الماضية، تراجعت بنسبة 50 في المائة بسبب ارتفاع أسعار الفروج من المصدر بنسبة 30 في المائة؛ إذ كان سعر الكيلو قبل الغلاء يتراوح بين 6 و7 ليرات تركية، بينما اليوم وصل سعره إلى 12 ليرة، وبات من الصعب جداً على المواطن شراء واحدة من الفروج تزن 2 كيلو بسعر 25 ليرة تركية، في الوقت الذي يعاني من دخل محدود، أن ربما يكون عاملاً لا يتجاوز أجره اليومي 25 ليرة تركية.
من جهته، قال أبو إبراهيم، (51 عاماً)، وهو نازح من ريف حمص ويقيم في مخيمات دير حسان، شمال سوريا «لا أملك أي مهنة أو عمل دائم، وبسبب الظروف المادية والمعيشية الصعبة التي أعاني وأسرتي منها، لم يبق أمامي خيار سوى العمل بـ(المياومة) (الأجر باليوم)، في الأعمال الحرة مثل البناء ونقل إسمنت والحفريات بأجور يومية تتراوح بين 20 و30 ليرة تركية، وكان هذا المبلغ قادراً إلى حد ما سد حاجات أسرتي الضرورية من طعام وغاز منزلي للطهي، أما اليوم وبعد أزمة الغلاء الفاحش التي طرأت على كل السلع، لم يعد بمقدور هذا المبلغ شراء ما أحتاج إليه لأسرتي».
ويضيف «أي طبخة أريد شراءها من السوق تكلفتها نحو 20 إلى 25 ليرة تركية، فمثلاً سعر كيلو البندورة وصل مؤخراً إلى 5 ليرات ومثله البطاطا وباقي الخضراوات كذلك، وغالباً ما أعود إلى المنزل مساءً فارغ الجيوب من المال، بعد شراء طبخة اليوم التالي للأسرة، ونخشى أن تستمر أزمة الغلاء في الأسعار على السلع في فصل الشتاء، حيث تنعدم فرص العمل تماماً، وليس لدينا دخل مادي آخر».
من جهته، قال حسام السيد، وهو خبير في الاقتصاد، إن ارتفاع الأسعار الكبير في السلع والوقود في الشمال السوري يعود إلى انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي؛ إذ فقدت أكثر من 23 في المائة من قيمتها منذ بداية العام الحالي، حيث كان الدولار يساوي نحو 7.5 ليرات تركية، أما في الآونة الأخيرة فوصلت قيمته إلى حدود 9.32 ليرة تركية.
وأضاف، أن تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار في الأشهر الآونة الأخيرة، زاد من تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار لمعظم السلع التجارية (الغذائية والصناعية)، خاصة بعد اعتمادها في الشمال السوري عملة بديلة عن الليرة السورية التي فقدت قيمتها الشرائية وتشهد خسائر متتالية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.