أنجو ريحان لـ «الشرق الأوسط»: لا أؤمن بالشّر بل بأشخاص تعرضوا للأذى

حققت في مسلسل «صالون زهرة» قفزة نوعية في أدائها

أداء متميز في «صالون زهرة»
أداء متميز في «صالون زهرة»
TT

أنجو ريحان لـ «الشرق الأوسط»: لا أؤمن بالشّر بل بأشخاص تعرضوا للأذى

أداء متميز في «صالون زهرة»
أداء متميز في «صالون زهرة»

في أكثر من مشهد من مسلسل «صالون زهرة» تجذبك الممثلة أنجو ريحان في أدائها المحترف والمؤثر معاً. فالمشاهد اعتاد أن يراها في شخصيات تميل بشكل كبير إلى الكوميديا، ورسخت في ذهنه كممثلة تعرف كيف ترسم الابتسامة على شفاهه. لكن ما حققته أنجو في دور ميسم في «صالون زهرة» فتح لها صفحة جديدة في مشوارها الدرامي. وتعلق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن مسرحية (مجدرة حمرا) وقبلها (جوليا) زودتاني بالرضا عن نفسي. فمن النادر أن يصل الممثل إلى هذه المرحلة لأن المشاهد هو عادة مَن يقيم أداءه. ولكن تجاربي المسرحية الأخيرة ولّدت عندي هذا الإحساس».
وتتابع: «صقل المسرح تجربتي في الأداء، وبالأخص خلال تعاوني مع المخرج يحيى جابر على مدى ثلاث سنوات. بعد اليوم لن أقدم دوراً لا أكون راضية عنه، ومقتنعة به. أحياناً كممثلين ندخل في تجارب وموجات لا نقدر نتائجها. ولكني اليوم أصبحت لدي القدرة على رؤية أبعاد الدور كي أجسده بقناعة».
وتقدم أنجو في «صالون زهرة» دور الأم ميسم المعنفة جسدياً ونفسياً التي يحاول زوجها (فادي أبي سمرا) حرمانها من أولادها كي يخضعها لقراراته المجحفة. «قد تكون مشاركتي في حملات لإطلاق قانون الحضانة في دائرة الأحوال الشخصية التابعة للدولة اللبنانية، واطلاعي على مشكلات جمة في هذا الموضوع هو ما يقف وراء إجادتي للدور بهذا الشكل.
كنت أراقب النساء اللاتي يتم حرمانهن من أولادهن، وينتزعوهم من أحضانهن بين ليلة وضحاها، مطبقين قوانين قاسية ومجحفة. إحدى النساء التي خرجت عن صمتها وروت معاناتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قالت لي إنها لم ترغب في التشهير بزوجها. ولكنها في المقابل أرادت أن يعرف أولادها الجهد الذي تبذله لاحتضانهم من جديد. كل هذه المشاهد حفرت في ذاكرتي وأثرت بي سيما وأنها واقعية. وبالتالي حفزتني على تقديم الدور بكل شفافية، فعلى الممثل أن يعرف كيف يسرق اللحظة الحقيقية ويجسدها في دور».
لم تبالغ أنجو ريحان في أداء الأم المعنفة التي تركع عند قدمي زوجها ترجوه بألا يبعدها عن أولادها. تقمصت شخصية «ميسم» بكل تفاصيلها، وتلقفها المشاهد، وعاش همومها وتأثر بدموعها فتعاطف معها. «التغيير في الأداء لا يرتكز على تبديل لون الشعر ونبرة الصوت وطريقة اللبس.
فكل دور يتطلب البحث والدراسة لشخصيته. صحيح أنني اشتهرت بعفويتي أثناء التمثيل، ولكنني اكتشفت أن الممثل يجب أن ينفصل تماماً عن الواقع، ويغوص في الدور إلى أبعد حدود. كما أن التلفزيون برأيي هو أصعب من المسرح، لأن الكاميرا تكون مثبتة عليك وعلى أدائك فلا تملكين المساحة الحرة كما على الخشبة».
عرفت أنجو ريحان من خلال مسلسلات عديدة، وفي أدوار ثانوية. فهل هي اليوم تتطلع نحو أدوار بطولة؟ ترد: «من الطبيعي جداً أن يتكون عمل درامي من ممثلين أبطال وثانويين، وكل شخصية لها مكانتها وتؤثر بالمشاهد. وهذا ما حصل في (صالون زهرة) إذ كان كل ممثل في مكانه المناسب. أنا شخصياً لشدة اندماجي بدوري كرهت الممثل فادي أبي سمرا أثناء مشاهدنا معاً، وإلا لما صدقني المشاهد. وهذا الشعور اجتاحني بسبب تقمصه لشخصيته على أكمل وجه، فلم يكن أداؤه فارغاً.
فمن المفروض أن يفرش كل ممثل الأرضية لزميله وإلا غاب الانسجام والتكامل في العمل». وتتابع: «ومن ناحية لعب أدوار البطولة فهو أمر بديهي يتمناه الممثل. فالمساحة كلما كبرت أخرج من أعماقه طاقة أكبر. ولكني أستمتع بالمساحات التمثيلية التي أؤديها اليوم، فالتمثيل مهنتي وأنا عاشقة لها بكل وجوهها».
تؤكد أنجو ريحان أن جميع زملائها في «صالون زهرة» أدوا أدوارهم ببراعة. كما كارول عبود وفادي أبي سمرا وجنيد زين الدين كذلك طوني عيسى وزينة مكي ولين غرة والباقون، إضافة إلى بطلي العمل نادين نسيب نجيم ومعتصم النهار، كانوا جميعاً رائعين. «هذا الأخير حقق هو أيضاً قفزة نوعية في دور (أنس)، وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهد الذي بذله المخرج جو بو عيد. شهادتي به مجروحة لأنه صديقي ولكن لا يمكننا إلا أن نثني على تقنيته الإخراجية. كما أنه واكبنا بدقة وزودنا بتعليماته فجاء العمل طبيعياً لأنه يملك مفاتيح اللعبة».
وتشير أنجو إلى أنها تأثرت عندما تابعت مشاهدها «كنت في تلك الفترة محبطة بسبب الظروف التي نعيشها، وأشعر بالحزن، حتى جسمي كان تعباً وعندما تابعت هذه المشاهد استعدت كل تلك الحالة وتأثرت».
وعما إذا هي جاهزة اليوم للعب أدوار الشر تقول: «لا أؤمن بالشر في المطلق، بل بأشخاص تعرضوا للأذية في طفولتهم، فتحوّلوا إلى أشرار في كبرهم. هناك أشخاص يعانون من عقد نقص وفي غالبيتها يقف وراءها نقص في الحب.
وإذا ما قررت أن ألعب شخصية شريرة يجب أن أقف على الخلفية التي دفعت بها للتصرف بهذا الشكل. لست ضد شخصية الشر، ولكني أرفض أن أسلط الضوء فقط على شرها، بل على الأسباب التي دفعتها إلى ذلك أيضاً. جميعنا نعاني عقداً في شخصيتنا ولكنها نسبية. فالقاعدة الأساسية للإنسان تُبنى ما بين عمر 3 و7 سنوات، وحب أذية الآخرين لا يولد معنا، بل هو فعل تراكمات نعيشها في طفولتنا، وهذا أمر معروف في علم النفس عالمياً».
ولكن كيف تفسرين الأذية التي يقترفها رجال السياسة في لبنان تجاه شعبهم، فهل هي أيضاً وليدة خلفية معينة؟ ترد: «إنهم أمراء حرب مارسوا القتل بدم بارد فشكلوا عصابات حكمت البلاد. انظري إلى لغة جسدهم ونظرات عيونهم لا صفاء فيها، بل مصالح خاصة تطفو على ملامح وجوههم».
تستعد أنجو ريحان لدخول استوديوهات تصوير مسلسل جديد: «سأغادر إلى دمشق قريباً للبدء في دراما سورية تكون بمثابة تجربة جديدة لي. في الماضي شاركت في مسلسل (شبابيك) مع المخرج سامر البرقاوي، يومها كنت وزميلتي ناتاشا شوفاني الوحيدتين من لبنان. هذه المرة العمل هو من نوع آخر ويتألف من 5 حلقات وكل منها تتناول موضوعاً معيناً». وتتابع: «أحب العمل مع الفنانين السوريين فهم يحترمون زملاءهم، كما أنهم محترفون يتقنون أعمالهم. وأنا سعيدة اليوم كوني أكرر التجربة معهم».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».