باريس تشاور الشركاء للرد على غياب تعاون إيران مع مفتشي الأمم المتحدة

تساؤلات عن استعداد الغربيين لإحراج طهران قبل أيام من موعد استئناف المفاوضات في فيينا

المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يلتقي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على هامش قمة المناخ في غلاسكو أمس (الوكالة الدولية)
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يلتقي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على هامش قمة المناخ في غلاسكو أمس (الوكالة الدولية)
TT

باريس تشاور الشركاء للرد على غياب تعاون إيران مع مفتشي الأمم المتحدة

المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يلتقي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على هامش قمة المناخ في غلاسكو أمس (الوكالة الدولية)
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يلتقي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على هامش قمة المناخ في غلاسكو أمس (الوكالة الدولية)

يوم 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، أفضت زيارة قام بها رافاييل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى طهران، واجتماعه مع محمد إسلامي، رئيس المنظمة الذرية الإيرانية، إلى «اتفاق اللحظة الأخيرة» الذي أتاح للجانب الإيراني تجنب صدور بيان اتهامي عن مجلس محافظي الوكالة المذكورة، يندد بعدم تعاون طهران مع المفتشين الدوليين. والنتيجة الثانية التي أسفرت عنها زيارة غروسي أنها حافظت على فرص عودة إيران إلى طاولة المفاوضات في فيينا التي توقفت في يونيو (حزيران) الماضي، إذ إن السلطات الإيرانية نبّهت علناً وعلى أعلى المستويات من أن بياناً كهذا يمكن أن يفضي إلى عودة ملفها النووي إلى مجلس الأمن من شأنه القضاء على فرص معاودة المفاوضات.
واليوم، يستنسخ المشهد السابق مجدداً، إذ إن اجتماعاً لمجلس محافظي الوكالة المشكل من 35 مندوباً سيلتئم قبل نهاية الشهر الحالي، أي قبل أيام قليلة من الموعد المحدد لعودة مفاوضات فيينا (29 نوفمبر - تشرين الثاني الحالي)، وفق ما أعلنه الوسيط الأوروبي، وما صدر من تغريدة عن المفاوض الإيراني علي باقري أول من أمس. ولذا، فإن السؤال الذي سيطرح نفسه بقوة هو التالي؛ هل سيتخلى مجلس المحافظين عن حذره وتحفظاته، ويسمي الأشياء بأسمائها، وينتقد بشدة تراجع تعاون الطرف الإيراني مع المفتشين الدوليين، أم أنه سيغلب التناول الدبلوماسي بمعنى الامتناع عن أي تنديد شديد اللهجة، أو أي إجراء ذي معنى، رغبة منه في تجنب نسف استئناف المفاوضات غير المباشرة في العاصمة النمساوية؟
ثمة قناعة تامة لدى الوكالة الدولية ولدى الأطراف الغربية الأربعة (الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا)، إضافة إلى الوسيط الأوروبي، قوامها أن تعاون إيران غير كافٍ.
وتحدث غروسي، الاثنين الماضي، لوكالة «أسوشيتد برس» شارحاً واقع الرقابة الدولية على نووي إيران الذي يحرز تقدماً متسارعاً، بالشكل التالي: «أود أن أقول إننا نطير وسط سحب كثيفة. يمكننا الاستمرار على هذا النحو، لكن ليس لفترة طويلة». وتابع: «إلى جانب تغيير الحكومة، شهدنا مستويات متزايدة من الإجراءات الأمنية المشددة حول المنشآت الإيرانية، وقد أدى ذلك إلى إعاقة مهام مفتشينا في كثير من الأحيان». وليس سراً أن إيران تمنع المفتشين من الاطلاع على تسجيلات كاميرات الفيديو المنشورة في المواقع النووية، وتربط ذلك بالتوصل إلى اتفاق مع القوى الكبرى، عملاً بقرار من البرلمان الإيراني يعد لنهاية العام الماضي، كما أنها تمنع الوكالة من إصلاح الأضرار التي لحقت بموقع كرج لإنتاج أجزاء من أجهزة الطرد المركزي. وسبق أن أعلن غروسي خلال زيارة مطولة قام بها إلى واشنطن مؤخراً أنه «سيكون من الصعب على الأطراف الضالعة في المفاوضات التوصل إلى اتفاق إذا كانت تجهل حقيقة البرنامج النووي الإيراني وما حققه».
وليس سراً أن طهران تستخدم هذه الورقة للضغط على المفاوض الغربي، خصوصاً الأميركي، من جملة الأوراق التي تستخدمها، ومنها المماطلة طيلة 4 أشهر، قبل الإعلان عن قبولها العودة إلى فيينا وتسريع برنامجها النووي، سواء لجهة مراكمة اليورانيوم المخصب بنسبة متوسطة «20 في المائة» أو مرتفعة «بنسبة 60 في المائة» وإنتاج معدن اليورانيوم واستمرار أعمال البحث والتطوير لأجهزة الطرد المركزية ووضع العصي في دواليب الوكالة الدولية. ومنذ أسابيع، يعبّر غروسي عن رغبته بالعودة إلى طهران وإجراء محادثات عالية المستوى مع وزير الخارجية حسن أمير عبد اللهيان. وأخيراً، قبل عبد اللهيان استقباله، إلا أن الإعلان عن إصابته بوباء «كوفيد 19» يجعل لقاء كهذا مستبعداً، أقله في الأيام المقبلة.
في هذا السياق، يأتي التصريح الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية أمس بلسان الناطقة باسمها، آن كلير لوجندر، التي أعلنت أن باريس تتشاور مع شركائها في كيفية الرد على امتناع طهران عن التعاون مع الوكالة الدولية. وجاء في حرفية ما قالته، في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، ما يلي: «ما زلنا حذرين، نحن وشركاؤنا، بشأن ضمان أن تفي إيران بالتزاماتها، وما زلنا نتشاور (مع شركائنا) على نحو وثيق بشأن كيفية الرد (على عدم تعاون إيران)». وينتظر أن تصدر مواقف أخرى عن واشنطن وبرلين ولندن في الساعات المقبلة.
اللافت أن تحذير باريس يأتي بعد ساعات من مشاورات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والمدير العام للوكالة الدولية، على هامش قمة غلاسكو للمناخ، وبعد يوم واحد على إعلان التوافق على العودة إلى فيينا. وتجدر الإشارة إلى أن دعوة طهران إلى تعاون فوري وأوثق مع مفتشي الوكالة والتخلي عن العوائق الموضوعة أمامهم ليس جديداً، بل يأتي دورياً في كل تصريح غربي أو صادر عن الوكالة نفسها. وكان يصدر خصوصاً بعد الكشف الإيراني المتواتر عن إحراز «نجاحات نووية». وفي البيان المشترك، الذي صدر في 30 أكتوبر (تشرين الأول) عن الرئيسين الأميركي والفرنسي بايدن وماكرون والمستشارة الألمانية ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني جونسون، تعبير عن القلق الشديد مما تفعله إيران، «خصوصاً أنها في الوقت عينه قلصت تعاونها مع الوكالة الدولية، كما قلت معها الشفافية» المطلوبة. وبرأي القادة الأربعة، فإن «التقدم المتواصل للبرنامج النووي الإيراني والعقبات التي تفرضها طهران على أنشطة الوكالة تطيح بإمكانية العودة» إلى الاتفاق النووي.
يبقى السؤال؛ ما الذي ستتوافق عليه القوى الغربية وروسيا والصين لدفع إيران للتعاون مجدداً مع الوكالة الدولية؟ الحجة «الرسمية» الإيرانية للامتناع عن مزيد من التعاون موجودة سلفاً، وهي الالتزام بقرار البرلمان.؟
وليس من المخاطرة تأكيد أن إيران ستُفهم الأطراف الغربية في الساعات والأيام القليلة المقبلة أن أي تنديد بها في مجلس المحافظين قد يطيح بعودتها إلى فيينا، على غرار التكتيك السياسي والدبلوماسي الذي دأبت على استخدامه في الأشهر الماضية، ومنذ ما قبل انطلاق مفاوضات فيينا. كذلك، فإن القناعة السائدة أوروبياً وأميركياً اليوم أن الأطراف التي انتظرت 4 أشهر لتقبل السلطات الإيرانية بالإفراج عن موعد لعودة المفاوضات لن «تخاطر» ببيان عنيف أو بإجراء من شأنه توفير الحجة لطهران لتأخير إضافي للمفاوضات. وثمة معلومات مؤكدة، تفيد أن واشنطن هي التي طلبت في المرات السابقة من الأوروبيين سحب مشروعات قرارات سبق أن أعدوها. وجلّ ما ينتظر اليوم أن تفسح السلطات الإيرانية للمسؤول الأممي (غروسي) أن يزور طهران في الأيام القليلة المقبلة، وأن يعود باتفاق تقني محدود، مثل السماح بإصلاح الأعطال التي طرأت على كاميرات المراقبة في كرج، واستبدال بطاقة الذاكرة وبطاريات التشغيل بشكل يتيح له تأكيد أنه حصل على «نتيجة»، وبالتالي انتظار التطورات من طاولة المفاوضات في فيينا.



إسرائيل تصنّف الضفة «ساحة رئيسية» للتهديدات

آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
TT

إسرائيل تصنّف الضفة «ساحة رئيسية» للتهديدات

آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)
آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

وسعت إسرائيل عمليتها في الضفة الغربية بعدما صنّفتها «ساحة رئيسية» في خريطة التهديدات. وبينما قتلت الغارات الإسرائيلية 3 فلسطينيين بينهم طفلان في قصف جوي، واصلت عمليتها البرية في شمال غزة وقالت إنها تقترب من «هزيمة (حماس)» هناك.

وقتل الجيش الإسرائيلي 3 فلسطينيين في قصف جوي في بلدة «طمون» شمال الضفة، بينهم آدم بشارات (24 عاماً)، الذي يعتقد أنه الهدف الرئيسي، والطفلان رضا بشارات (8 سنوات) وحمزة بشارات (10 سنوات) ما يرفع عدد من قتلهم الجيش منذ بدأ عملية واسعة في شمال الضفة إلى 6 فلسطينيين، وكان ذلك بعد مقتل 3 إسرائيليين في هجوم فلسطيني قرب قلقيلية يوم الاثنين الماضي. وقتلت إسرائيل 3 فلسطينيين آخرين، يوم الثلاثاء، في طمون وقرب نابلس.

مشيعون يحملون جثمان جعفر دبابسة (40 عاماً) خلال جنازته في قرية طلوزة بالقرب من مدينة نابلس الثلاثاء (إ.ب.أ)

وزعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن طائرة تابعة لسلاح الجو هاجمت «خلية إرهابية» شمال الضفة، لكن بعد اكتشاف مقتل طفلين في القصف، قال الجيش إنه فتح تحقيقاً حول الأمر.

وقال الجيش في بيانه إن «الغارة جاءت بعد رصد إرهابي يقوم بزرع عبوات ناسفة في منطقة تنشط فيها قوات الأمن».

وبحسب مصادر عسكرية فإن التحقيق «يشمل إعادة النظر في تحديد أهداف الغارة، والتأكد من عدم وجود أخطاء في عملية الاستهداف».

ساحة رئيسية

التصعيد في الضفة جاء بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه صادق على زيادة العمليات الدفاعية والهجومية في الضفة الغربية، رداً على عملية قلقيلية.

وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إن الضفة الغربية أصبحت «ساحة رئيسية» في خريطة التهديدات الإسرائيلية.

ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن كاتس قوله في لقاء جمعه مع قادة ورؤساء المستوطنين ومجالسهم في الضفة، إن «يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أصبحت ساحة مركزية في خريطة التهديدات لإسرائيل ونحن نستعد للرد وفقاً لذلك».

وأضاف: «إننا نرى تهديدات متزايدة للمستوطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ونحن نستعد مع الجيش الإسرائيلي لتقديم الرد القوي اللازم لمنع وقوع أحداث مثل 7 أكتوبر (تشرين الأول) هنا».

قوة إسرائيلية خلال غارة على مخيم الفرا للاجئين قرب مدينة طوباس بالضفة الغربية الثلاثاء (د.ب.أ)

وذكر مكتب كاتس أنه أبلغ رؤساء السلطات بالخطوات الفورية التي وجه الجيش الإسرائيلي باتخاذها لتعزيز الأمن في المنطقة، بما في ذلك زيادة النشاط العسكري، وتنفيذ إجراءات مضادة واسعة النطاق في البلدات وتعزيز إنفاذ القانون على طول طرق المرور، والتزام الجهاز الأمني بتوسيع العمليات العملياتية في كل ساحة يتم فيها تنفيذ هذه العمليات.

ضغط بموازاة المفاوضات

وبينما قرر الجيش التصعيد في الضفة الغربية، وأنه حولها إلى ساحة تهديد رئيسية، واصلت القوات الإسرائيلية عمليتها البرية في قطاع غزة، في الشمال والوسط والجنوب.

وتعهد رئيس الأركان هيرتسي هاليفي بمواصلة القتال في غزة، حتى تصل حماس إلى «نقطة تفهم فيها أن عليها إعادة جميع المختطفين».

وقالت «القناة 12» الإسرائيلية إن الجيش يواصل عمليته في شمال قطاع غزة بالتوازي مع المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق، وقام بتعميق نشاطه في مناطق مختلفة في الأيام الأخيرة بينها بيت حانون، وهي المنطقة التي تدور فيها المعارك الأعنف في قطاع غزة خلال هذه الفترة.

وقالت القناة إن «القوات في المراحل النهائية لتطهير شمال قطاع غزة من الإرهابيين».

ونقلت القناة العبرية أن «الشعور السائد لدى الجنود أن (حماس) قد تنازلت عن شمال القطاع». وزعموا أن انخفاضاً كبيراً في الاحتكاك حدث في جباليا وبيت لاهيا وأن «العديد من المسلحين يفرون إلى الجنوب بأعداد غير مسبوقة».

لكن الجيش الإسرائيلي أعلن مراراً خلال حربه على غزة سيطرته على شمال القطاع، قبل أن يعود المسلحون الفلسطينيون لمفاجأته بعمليات وإطلاق صواريخ تجاه المستوطنات.

صاروخ اعترضه الدفاع الجوي الإسرائيلي يوم الأربعاء فوق بيت حانون بقطاع غزة (رويترز)

وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن «المعارك مستمرة، وما يجري (من تحريك للمسلحين) هو تكتيك». وأضافت أن طبيعة المعارك تفرض «قاعدة الكر والفر» في العمل الميداني.

ويواجه الجيش الإسرائيلي معارك عنيفة في شمال غزة، إذ أعلن، الثلاثاء، عن مقتل المزيد من جنوده في المعارك الدائرة هناك. وإلى جانب المعركة في الشمال، واصلت إسرائيل قصف مناطق في القطاع في مدينة غزة، وخان يونس، وقتلت 15 فلسطينياً على الأقل، الأربعاء.

وقالت وزارة الصحة، إن حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ارتفع إلى 45.936 و 109.274 مصاباً منذ السابع من أكتوبر 2023.