وزير الخارجية اللبناني يقر بـ{عجز} الحكومة عن مواجهة {حزب الله}

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب (غيتي)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب (غيتي)
TT

وزير الخارجية اللبناني يقر بـ{عجز} الحكومة عن مواجهة {حزب الله}

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب (غيتي)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب (غيتي)

أقر وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب أن الحكومة عاجزة عن مواجهة {حزب الله}، واصفاً التنظيم المدعوم من إيران بأنه «مشكلة إقليمية»، في وقت تستمر فيه الإجراءات الخليجية تجاه لبنان وكان آخرها طلب البحرين من مواطنيها مغادرة لبنان فوراً، فيما استدعت الحكومة اليمنية سفيرها من بيروت للتشاور احتجاجاً على تصريحات لوزير الإعلام اللبناني اعتبرتها دول الخليج مسيئة.
وقال بو حبيب لوكالة «رويترز» في معرض تبريره لعدم قيام الحكومة بخطوات تساهم في حل الأزمة: «المملكة العربية السعودية تطالب الحكومة بالحد من دور حزب الله. نحن أمام مشكلة كبيرة، إذا كانوا يريدون فقط رأس حزب الله، فنحن لا نستطيع أن نعطيهم إياه». وأضاف: «مكون لبناني يلعب سياسة، نعم عنده امتداد عسكري إقليمي، نعم، لكن لا يستخدمه في لبنان. هذه أكثر مما نحن نقدر أن نحلها، ونحن لا نستطيع حلها». وأردف: «كلنا نريد جيشاً واحداً وبلداً واحداً ولكن عندنا واقع»، وجدد بو حبيب التأكيد على أن «اعتذار الحكومة غير وارد لأنها لم تخطئ»، في إشارة إلى أن الأقوال المسيئة لوزير الإعلام لا تمثل الحكومة كما أنها صدرت عنه قبل أن يصبح وزيراً. واشار إلى أنه لا توجد مبادرة لإيجاد حل غير المبادرة القطرية.
وأتى كلام بوحبيب في وقت تتصاعد فيه التحذيرات في لبنان من تداعيات الأزمة مع المملكة العربية السعودية والخليج وترتفع الأصوات المطالبة بتصحيح السياسات الخاطئة ومواجهة حزب الله وسيطرته على السلطة بكل مكوناتها، بعدما بات الجميع مقتنعاً بأن المشكلة هذه المرة هي نتيجة تراكمات وحلّها لن يكون بمعالجات تقليدية بل بات المطلوب إجراءات عملية تمنع تمادي الحزب في الداخل اللبناني وخارجه.
وفي هذا الإطار، يرى الوزير السابق أشرف ريفي أن الأزمة مع الخليج سببها «الواقع الاحتلالي المرتبط بإيران، عدو العرب»، معتبراً أن «تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي ليس إلا القطرة التي أفاضت الكوب بعد الدور الإرهابي الذي يقوم به (حزب الله) تجاه دول الخليج وإمعانه في الإساءة لها وكان آخرها تهريب الكبتاغون»، مؤكداً: «أي دولة تمتلك الحد الأدنى من السيادة من الطبيعي أن تأخذ مواقف لحماية نفسها وشعبها».
وفي ظل ما يقول إنها سيطرة «حزب الله» على مفاصل الدولة، يرى ريفي «أن المطلوب من لبنان لتصحيح الوضع هو إدانة إرهاب (حزب الله) وهو ما لا تستطيع هذه الحكومة القيام به»، مذكراً بما حصل في حكومة تمام سلام عام 2016 حين كان هو وزيراً وقال: «حاولنا جاهدين آنذاك إصدار بيان نرفض فيه ممارسات (حزب الله) والتأكيد أنها لا تمثل الحكومة لكن أُجهضت كل محاولاتنا، وهذا ما سيحصل اليوم».
وأمام تفاقم الأزمة يرى ريفي أن استقالة وزير الإعلام قد تفتح فجوة صغيرة إنما لا تحل المشكلة، مؤكداً: «الحل يكون بسقوط الطبقة السياسية بأكملها بعدما باتت المراكز الرسمية والسلطة كلها بدءاً من رئاسة الجمهورية، دمى في يد (حزب الله)، لنستعيد العلاقة مع دول الخليج»، مضيفاً: «لذا أنشأنا الجبهة السيادية لمواجهة المشروع الإيراني الذي لم يعد ممكناً استمراره في لبنان وخرّب علاقاته مع محيطه العربي».
من جهته، يؤكد الوزير السابق أحمد فتفت أن «التصعيد الأخير من دول الخليج ليس مفاجئاً بحيث إن تصريحات قرداحي شكّلت القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد التراكمات المستمرة من (حزب الله) تحديداً منذ عام 2011 حين انقلب على الحكومة وسيطر على مقومات البلد وقراراته وجره إلى مواقع لا يريدها الشعب اللبناني وضد مصالح الدول العربية والخليج التي تمثل العمق العربي الاقتصادي – الاستراتيجي».
ويقول فتفت لـ«الشرق الأوسط»: «ما قاله قرداحي ليس حماقة كما يعتقد البعض إنما هو ضمن مشروع متكامل يقوده (حزب الله) الذي يهدف إلى سلخ لبنان عن محيطه العربي ووضعه تحت الاحتلال الإيراني كما أعلن مسؤولون في الحزب وآخرون في إيران».
وعن دور الحكومة أمام هذه الأزمة، يقول فتفت: «الحكومة دخلت عملياً مرحلة تصريف الأعمال بعدما عطّلها (حزب الله) الذي يسيطر عليها إثر خلاف قضائي ورفضه التحقيقات في انفجار المرفأ، وبالتالي إذا استمرت باتّباع السياسة نفسها من دون أن تتخذ أي إجراءات حاسمة وعملية فإن ذلك يعني أنها ترضى بأن تكون حكومة الاحتلال الإيراني». من هنا يقول فتفت: «السؤال الآن: هل تريد الحكومة الشراكة مع الحزب المسلح أم عليها المواجهة؟»، ويضيف: «برأيي أن استقالة قرداحي لا تكفي والمطلوب استقالة الحكومة بأكملها كما استقالة رئيس الجمهورية ورفض الشراكة مع الحزب المسلح ورفع الغطاء عنه وتركه يحكم ليتحمل مسؤولية أفعاله وتداعياتها بعدما أدت كل التسويات إلى تكريس سيطرة (حزب الله) وجعلت الأفرقاء شركاء».
بدوره يرى الوزير السابق، ورئيس جهاز العلاقات الخارجية في «حزب القوات» ريشار قيومجيان، أن القرار الخليجي بشكل عام هو نتيجة تراكمات، ولم يأتِ بين ليلة وضحاها إنما جاء بعدما طفح الكيل من ممارسات «حزب الله»». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الممارسات بدأت من الاعتداءات الكلامية على السنة، مسؤولين ووزراء في الدولة، وصولاً إلى الممارسات العملية المتمثلة بتحويل لبنان إلى قاعدة لتدريب الحوثيين وتدخل الحزب في اليمن ومن ثم تهريب الكبتاغون الذي يهدف إلى أكثر من مجرد تهريب بل إلى استهداف المجتمع السعودي بحيث بات يشكل مساساً بالأمن القومي للسعودية، وكل ذلك لم تقابله أي خطوات من الدولة اللبنانية المتمثلة برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة»، مضيفاً: «الخطاب الإيجابي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا يكفي بل يُفترض القيام بإجراءات عملية، كما أن صمت رئيس الجمهورية غير مقبول أيضاً، وبالتالي المطلوب مواجهة (حزب الله) سياسياً، وإلا إذا كانوا عاجزين فعليهم أن يخرجوا أمام الرأي العام والشعب اللبناني ويصارحوه بالحقيقة ويعلنوا رفضهم لهذه الممارسات».
ويتحدث قيومجيان عن محاصرة «حزب الله» للحكومة والسلطة في لبنان قائلاً: «هذه الحكومة غير قادرة حتى على اتخاذ قرار باستقالة وزير وهي الخطوة التي كان يُفترض أن تحصل تلقائياً، بل على العكس خرج وزير الإعلام بتصريح أسوأ من الخطأ نفسه ليؤكد عليه مجدداً ويرفض الاعتراف بخطئه ويطالب بضمانات مقابل استقالته}، في وقت كان يفترض به أن يقارب القضية انطلاقاً من المصلحة الوطنية ومصلحة كل اللبنانيين وليس مصلحة الفريق السياسي الذي يمثله».
ومع تأزم العلاقة بين لبنان والخليج يقول قيومجيان: «أعتقد أن المملكة ستذهب باتجاه التصعيد أكثر وهي لا تناور فيما تقوم به»، مضيفاً: «يكفي متابعة التصريحات والمواقف العلنية لبعض المسؤولين في السعودية للتأكد من أن هذه المرة تختلف عن المرات السابقة، وهنا خطورة الموضوع الذي يتطلب إجراءات عاجلة من الدولة اللبنانية ومغايرة للإجراءات والمعالجات التقليدية التي لم تعد تنفع، ولتكن البداية أولاً من استقالة وزير الإعلام».
ولا يختلف موقف النائب المستقيل في «حزب الكتائب»، الياس حنكش، مع تأكيده أن ميقاتي شكّل الحكومة بالشراكة مع «حزب الله»، وبداية الحل يكون ليس فقط باستقالة قرداحي إنما باستقالة الحكومة المعطّلة بقرار من «حزب الله» وتشكيل حكومة من المستقلين. ويقول حنكش لـ«الشرق الأوسط»: «الأزمة مع الخليج هي نتيجة تراكم الأخطاء في أداء وإدارة السياسة الخارجية بحيث أقحمنا أنفسنا في صلب الصراع الإقليمي ومواجهتنا الدول الصديقة التي تشكّل الرئة الاقتصادية للبنان».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.