في أحد مباني التكية السليمانية الأثرية التي تتوسط العاصمة السورية دمشق وبجوار متحفها الوطني وعلى ضفاف نهر بردى افتتحت في منتصف سبعينات القرن المنصرم سوق كبيرة للحرف اليدوية الدمشقية وتحولت لمقصد مهم للسياح الأجانب والعرب. وكان بعض الحرفيين يعملون في محلاتها أمام السياح كنفخ الزجاج اليدوي والرسم والزخرفة على الخشب وحياكة الأنسجة والبسط وغير ذلك وفيما بعد اقتصرت تقريبا السوق على بيع منتجات هؤلاء الحرفيين من أعمال يدوية.
الآن السوق وبعد 4 سنوات من عمر الأزمة السورية والحرب والأحداث العاصفة تعاني من غياب زوّارها حتى المحليين منهم.
يتنهد عدنان. ح. الذي يدير محلا لبيع أعمال الموزاييك في السوق وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، قائلا إنَّ «منتجات السوق التراثية السياحية مرتفعة الثمن نسبيا كونها مصنّعة يدويا من قبل حرفيين ماهرين والكثير منها تؤخذ للزينة أو للعرض في الصالونات أو كهدايا قيّمة. هذه المنتجات تقتضي أن يكون زبائنها من السياح ومن الأثرياء والميسورين ماديا من السكان المحليين، وللأسف غاب السياح بسبب الحرب وهاجر الكثير من الأثرياء خارج البلد في حين انخفض عدد الميسورين ماديا بشكل واضح بسبب الأزمة الاقتصادية ولذلك افتقدت السوق لمعظم زبائنها. وبتنا نجلس أمام دكاكيننا نتسلّى بقراءة الصحف المحلية أو نجلس داخلها ننتظر زيارة صديق لنمضي معه بعض الوقت منتظرين الفرج».
السوق كان مقررا قبل الأزمة أن ينطلق مشروع ترميم واسع لها مع مباني التكية الأخرى بالتعاون مع الأتراك حين كانت العلاقة في أحسن حالاتها بين الحكومتين السورية والتركية قبل بدء الأحداث السورية ولكن توقف المشروع إلى أجل غير مسمى وبقيت السوق ودكاكينها وفسحتها الواسعة وبحرتها الجميلة المتميزة وجدرانها وأرضياتها متهالكة متحفرة تعاني آثار الزمن الطويل وكأنها تحكي حال تجار السوق وحرفييه حاليا حيث الأزمة والحرب انعكستا على حياتهم ووجودهم في دكاكينهم.
للسوق مدخلان فالداخل من جهة المتحف الوطني سيتوقف للحظات ويشعر أن الزمن قد توقف عند تلك اللوحة الإعلانية المهترئة التي تعود لشهر سبتمبر (أيلول) من عام 2010 والتي تعلن عن فعاليات يوم السياحة العالمي، حيث كانت آخر مرة يستضيف السوق فيها هذه الفعاليات التي أوقفتها الأزمة والحرب؟! ولكن الداخل من الباب الرئيسي المجاور لسوق الحلبوني سيجد أنَّ ثمّة شيئا جديدا في السوق فالداخل إليها من هنا سيشاهد بضعة دكاكين مختلفة بتصاميمها عن باقي محلات السوق يلاحظ فيها نوعا من الأبهة فيها وإذا ما قرأ عناوينها سيجد كلمة «أبّهة» فعلا تعلو هذه الدكاكين المرممة حديثا والتي افتتحت قبل أشهر قليلة. ورغم عددها الذي لا يتجاوز الستة وهي قليلة قياسا بعدد دكاكين السوق البالغة 100 دكان إلا أنك وأنت تستفسر عنها خاصة أنت تشاهد نساء وشبابا بداخلها يعملون بنشاط على أنوال يدوية وآلات الخياطة اليدوية والتطريز والصنارة أنّ ثمة مشروعا محليا لجمعية أهلية تحاول من خلاله إعادة الحياة لبعض المهن اليدوية مع تأمين فرص عمل ولو محدودة لبعض النساء المحتاجات.
يجدر بالذكر هنا أن التكية السليمانية عبارة عن مجموعة عمرانية فخمة تحتل على ضفة بردى اليمنى مساحة من الأرض، وهذه المنشأة شيدت في بداية المرحلة العثمانية سنة 976هـ في زمن السلطان سليمان القانوني وتتألف من 3 مبان وهي تكية كبيرة في الجانب الغربي، ومدرسة مستقلة عنها في الجانب الشرقي، وسوق تمتد أمام المدرسة من شمالها. وفي حين تم استثمار المبنى الأول كمتحف حربي (تمّ نقله قبل 4 سنوات إلى مكان آخر بدمشق وإفراغ المبنى بقصد إنجاز مشروع ترميم كبير في مباني التكية ولكنه لم يتحقق إلى الآن) فإن المبنيين الثاني والثالث تم استثمارهما كسوق للصناعات والحرف اليدوية الدمشقية. أي تم ربط المدرسة مع السوق بنمط واحد لتخرج منهما هذه السوق السياحية الفريدة في دمشق والمدرسة عبارة عن بناء مستقل أطواله (45 × 40 مترا) في وسطها صحن مزود ببركة مستطيلة تحيط به مجموعة من الغرف الصغيرة المسقوفة بالقباب في كل منها مدفأة على شاكلة غرف التكية وأمام الغرف رواق يحيط بالصحن تغطيه أيضا القباب الصغيرة، محمول على أقواس وعمد قليلة الارتفاع حيث تحولت الغرف لدكاكين للحرفيين في السوق.
سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية بدمشق تحن لماضيها
الحرب والأزمة غيبتا عنها السياح والأثرياء المحليين
سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية بدمشق تحن لماضيها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة