47 حواراً أدبياً عن «خريطة للمستقبل»

مأزق الثقافة وصراع الحضارات

زكي نجيب محمود
زكي نجيب محمود
TT

47 حواراً أدبياً عن «خريطة للمستقبل»

زكي نجيب محمود
زكي نجيب محمود

مجموعة من الحوارات الثقافية المهمة يطرحها الباحث د. محمد حسين أبو العلا في كتابه «حديث التاريخ للمستقبل - 47 حوارا مع رموز الفكر والثقافة»... الصادر عن دار «المحروسة» بالقاهرة. أجراها المؤلف على مدار ما يقرب من ربع قرن وفي سياقات زمنية وتاريخية متباينة، مع عدد من الكتاب والمفكرين المصريين والعرب والأجانب. تطرح الحوارات قضايا مهمة، من أبرزها قضية الحرية، عزلة العقل، جدليات الخطاب الثقافي، العلم والدين، صورة الإسلام في الغرب وصراع الحضارات.
في حواره مع زكي نجيب محمود، تبرز قيمة الحرية كغاية كبرى يتمحور حولها نضاله الفكري طوال خمسين عاماً: «شغلتني فكرة الحرية أكثر من سواها ضمن قائمة حقوق الإنسان المعلنة في ذلك الوقت بعد الحرب العالمية الثانية لأنها أصل، ومعظم حقوق الإنسان الأخرى فروع لها، أو ربما لأنني نظرت إلى التاريخ الثقافي الحديث في بلادنا فوجدت فكرة الحرية توشك أن تكون محوراً أساسياً للحركة الثقافية كلها، وإن كنت قد وجدت أن هذه الفكرة عند أكثر المثقفين ضاقت حدودها بحيث كادوا يقصرونها على التخلص من قيود الطاغية بالمعنى السياسي في أغلب الأحيان».
ويلفت شيخ الفلاسفة إلى أن «مثل هذه النظرة الضيقة تضعهم في وهم كبير، إذ تجعلهم يتوهمون أنهم قد باتوا أحراراً وما هم في حقيقة أمرهم بأحرار! لأنها تفك عنهم قيود المستبد وهذا لا يعنى أنه قد توفرت الظروف التي تمكنهم من أن يكونوا كما أردوا، لأن الحرية في صميم معناها هي القدرة على العمل في الميدان الذي تريد أن تكون حراً فيه أو أنها صفة تدور مع العلم، وجوداً وعدماً، فحينما يكون الإنسان على علم بشيء تكون له الحرية بسبب علمه به، فمن عرف كانت له السيادة وعلى من جهل أن يتبع صاحب المعرفة».
أما عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، فيحاوره المؤلف حول تأثره بروايات الأجيال في الغرب وحقيقة أنه استلهم الثلاثية من الفرنسي روجيه مارتان في روايته «آل تيبو»، فيجيبه أديب نوبل ويقول ببساطته المعهودة: «طبعاً قصص الأجيال أنا لم أبتكرها وكان أول من كتبها في الأدب العربي هو د. طه حسين في روايته (شجرة البؤس) التي استجابت لها نفسي وأعجبت بها كثيراً، خاصة فكرة الأجيال المتتالية ومتابعتها، فلو لم يكن هذا الشكل موجوداً في الآداب الأخرى لأخذته من طه حسين، لذلك لن أنسى أنه هو الذي نبهني لهذا النوع من الأدب ثم قمت بعد ذلك بدراسته في تاريخ الفن الروائي وقرأت آثاره الكبرى مثل (الحرب والسلام) لتولستوي وأيضاً روايات توماس مان».
ويلفت محفوظ إلى أنه «في أدب كل أمة لا بد أنك واجد رواية أجيال لكن الغريب ورغم شهرة روجيه مارتان ككاتب فرنسي متميز له إنتاجه الغزير فضلاً عن حصوله على جائزة نوبل في الأدب 1937 فإنني لم أقرأ له هذه الرواية المشار إليها. والفكرة كما أراها أنه طالما لا يوجد من ابتكر مثل هذا الشكل الروائي فليست قضية أن يؤخذ من هنا أو هناك».
وفي حوار آخر، يرى الشاعر أدونيس أن الثقافة العربية تتعرض لمأزق تاريخي وربما مستقبلي نظراً لغياب مسار الأسئلة الكيانية واستحواذ المسار التقليدي الذي إن لم ننفصل عنه فلن نستطيع أن نخوض جولات الإبداع والابتكار، فازدواجية المأزق تتمثل في نبذ التراث وتجاهل إشعاعاته والقصور عن بلوغ الوقفة النقدية منه، وفي الآن ذاته لا ترانا نمتلك نوعاً من الإلمام بما تموج به الساحة الثقافية الغربية فرغم تحول ولائنا نحو هذه الثقافة فإننا لم نستطع أن نقتحم جوهرها ونستمسك بالأسس الموضوعية التي انطلقت منها.

الجذور والعبودية
ويتناول الكاتب أيضاً حديثاً للكاتب الأميركي أليكس هيلي عن روايته الشهيرة «الجذور»، يقول فيه: «روايتي هذه التي أعرف بها بين الجمهور هي محاولة لإعطاء الناس فكرة عن كلمة (عبد) التي تختلف من ثقافة لأخرى، فمن الناس من لا يعلم معناها حتى الآن. ومن هنا كانت هذه الرواية صرخة لإثارة ضمير الناس ضد الاضطهاد العنصري وضرورة إقرار المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولما كان من الصعب على الناس أن يتخيلوا حياة العبيد فكان لا بد من طرح معناها في ملحمة ليستقر المعنى في العقول والقلوب من أجل توفير الظروف التي تليق بكرامة الإنسان والتي لا يكون فيها الأفضل للأبيض والأسوأ للأسود، فالعبد من الممكن أن يكون أفضل من سيده لأنه من الممكن أن يتحكم في مقدرات سيده. وهناك نماذج عديدة ممن دعوا للمساواة بين البيض والسود منهم الزعيم الزنجي هيرندون... وكذلك ريتشارد رايت في كتابيه (الغلام الأسود) و(ابن البلد)، وهما يحتويان على كل المؤثرات الهائلة التي أفسدت على ملايين السود في أميركا حياتهم وأغرقتهم في صنوف وألوان من الذل والهوان، وهناك أيضاً الكاتبة هارييت بيتشر التي هزت المجتمع الأميركي كله بروايتها (كوخ العم توم) وأشعلت الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب حيث جعلت من تحرير العبيد مطلباً إنسانياً ضرورياً فأيقظت ضمير الكثير وجسدت أمامهم الصورة الشاملة لمأساة الزنوج».
وفي سياق مشابه، تتحدث نادين غورديمر أديبة جنوب أفريقيا الحاصلة على جائزة نوبل عن أسباب كون الاضطهاد العنصري قضيتها الرئيسية، قائلة إن هناك أسباباً طريفة لذلك تركت بصماتها على ذاكرتها فحتى الآن لم تنس مجيء قوات الشرطة للبحث عن مربيتها السوداء بتهمة تناول مشروبات كحولية كانت ممنوعة على الزنوج، والمشهد الثاني كان في المكتبة العامة التي لم يكن مسموحاً للسود بارتيادها رغم أهمية هذه المكتبة من حيث أثرها الواضح على كل من يدخلها، فقد رأت إحدى السيدات تمنع بالقوة من الدخول لا شيء إلا أنها سوداء فكيف لا تصبح التفرقة العنصرية هي قضيتها الأولى بعد كل ما رأته من الممارسات اللاإنسانية.

الغرب والصورة النمطية
ومن جانبه، يهاجم الأديب والمستشرق النمساوي فالتر جروند الفكرة أو النظرية التي تنادي بحتمية الصراع بين الحضارات، مؤكدا أنها تنتمي إلى النظريات التآمرية في التاريخ، فبعد عام 1945 بدأت السياسة والفكر الأوروبي في الدخول لمرحلة جديدة هي مرحلة الصراع مع العدو في شكل ثنائي، الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية والكتلة الغربية، فأصبح الصراع على مستوى السطح، وكان كل التركيز هو كيف تستطيع أن تقيم هذه الفكرة أو تجد لها السند في إطار هذه الثنائية القطبية.
وحول الصورة النمطية عن الإسلام في الغرب، يقول جروند: «ليس هناك فهم حقيقي للإسلام في أوروبا، ولكن ما يعرف بالإسلام أو التصور عن الإسلام هو نفس التصور عن المجتمع البطريركي ونماذج عديدة يمكن أن تكشف عن تصور الأوروبيين عن الإسلام، أسوق منها على سبيل المثال النساء المحجبات والمنتقبات أو اللص الذي تبتر يداه، من خلال ذلك يتم استنباط صورة الإسلام، وبالتالي ينشأ الخلط. وشيء آخر هو أن الغرب يزعم أنه مجتمع ينعم بالتعددية الحزبية والفكرية، وأنه ليس هناك قسر ولا قهر ولا حجر، وفي الوقت ذاته الغرب لا يريد أن يتقبل فكرة أن في الإسلام تعددية ورؤى مختلفة».
وبالطبع، من الصعب تناول 47 حواراً هنا، لكن من الضروري التنويه بأنها متساوية الأهمية، لكن بعضها جاء متعمقاً يعطي لمحة شاملة حول فكر الضيف، بينما جاء البعض الآخر سريعاً مقتضباً على نحو لا يشعر معه القارئ بالإشباع، كما هو الحال في حوار نادين غورديمر.
أيضاً كثير من الحوارات كان بحاجة إلى مزيد من التنقيح والتحرير في ضوء ما استجد من أحداث ومن رحلوا عن عالمنا، مثل حوار د. بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ففي مثل هذه المواقف كثيراً ما تكون كواليس اللقاء أهم من اللقاء نفسه.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).