أنقرة تتمسّك بصفقة مقاتلات «إف ـ 35» عقب لقاء إردوغان ـ بايدن

الرئيس التركي قال إنه عبّر لنظيره الفرنسي عن قلقه من تزويد اليونان بالأسلحة

TT

أنقرة تتمسّك بصفقة مقاتلات «إف ـ 35» عقب لقاء إردوغان ـ بايدن

أعلنت تركيا عن خطط لإجراء جولة ثانية من المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن أزمة مقاتلات «إف - 35» خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقالت متحدثة باسم وزارة الدفاع التركية، إن وزارَتي الدفاع التركية والأميركية تعملان على إنهاء الخلافات الحاصلة حول ملف مقاتلات «إف - 35». وأضافت المتحدثة بينار كارا في مؤتمر صحافي في أنقرة أمس «الأسبوع الماضي استقبلنا وفداً أميركياً في العاصمة أنقرة لبحث هذا الشأن، وتم الاتفاق على استئناف المحادثات على أن يكون الاجتماع الثاني في واشنطن خلال الأشهر القليلة المقبلة». وتابعت «موقف تركيا واضح، نريد العودة إلى برنامج إنتاج وتطوير مقاتلات (إف - 35)، وتسلم المقاتلات المخصصة لتركيا، وإلا فإننا نريد استعادة الأموال التي أنفقناها أثناء انخراطنا في المشروع والبالغ قيمتها ملياراً و400 مليون دولار».
وجاءت تصريحات المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية غداة لقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في روما الأحد، والذي قال إردوغان بعده، إنه «لمس موقفاً إيجابياً من نظيره الأميركي حيال ملف مقاتلات (إف - 16)». وأضاف إردوغان «بحثنا مع بايدن تحديث وشراء مقاتلات (إف – 16)... وزيرا الدفاع في البلدين سيتابعان هذا الملف». وسبق لإردوغان أن أعلن، أن الولايات المتحدة عرضت على بلاده تزويدها بمقاتلات «إف - 16» مقابل الأموال التي دفعتها من قبل في إطار برنامج إنتاج وتطوير المقاتلة «إف - 35» متعدد الأطراف تحت إشراف حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث كانت تركيا ستقتني 100 طائرة من هذا الطراز، لكن واشنطن نفت أن تكون تقدمت بعرض كهذا.
وكانت تركيا طلبت 100 من مقاتلات «إف - 35»، التي كانت تشارك في صنع أجزاء منها، ودفعت مبلغاً مقدماً بلغ 1.4 مليار دولار، لكن تم استبعادها من البرنامج في 2019، بعدما حصلت في يوليو (تموز) من ذلك العام على منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس - 400». وتقول واشنطن، إن هذه المنظومة تهدد طائرات «إف - 35» والمنظومة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي (ناتو). ورغم استبعاد تركيا من البرنامج وفرض عقوبات على قطاع الصناعات الدفاعية فيها في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا بالعقوبات (كاتسا)، استمر الاعتماد على متعاقدين أتراك للحصول على مكونات أساسية للمقاتلة. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن قرار واشنطن بإخراج تركيا من مشروع المقاتلة «لا رجعة فيه».
وفي روما، أبلغ بايدن نظيره التركي، أن طلبه شراء مقاتلات «إف - 16» يجب أن يمر بعملية دقيقة في الولايات المتحدة، مجدِّداً قلق واشنطن من شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية «إس - 400»، التي تسببت في حرمان تركيا من الحصول على مقاتلات «إف - 35» وتعرضها لعقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات (كاتسا).
وأفادت تقارير بأن تركيا طلبت من الولايات المتحدة شراء 40 طائرة «إف - 16» من إنتاج «لوكهيد مارتن»، المنتجة أيضاً مقاتلات «إف - 35»، ونحو 80 من معدات التحديث لطائراتها الحالية، وعلى أثر ذلك حث نواب أميركيون إدارة بايدن على عدم بيع طائرات «إف - 16» لتركيا، وهددوا بعرقلة أي صادرات من هذا القبيل على أساس أن تركيا اشترت أنظمة دفاع صاروخية روسية وتصرفت كخصم، ما يعرّضها للعقوبات بموجب قانون «كاتسا». في الوقت ذاته، أجاب إردوغان عن سؤال حول الاتفاق مع بايدن على تشكيل آلية مشتركة لتعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين، قائلاً إن تطبيقها على الأرض سيتم بلقاءات وزيري الخزانة والمالية ووزيري خارجية البلدين. ولفت إلى أنه بحث التطورات في أفغانستان مع بايدن في روما، وكذلك في لقائه السابق معه في بروكسل، مضيفاً أن تركيا وجدت نفسها مضطرة لسحب قواتها من أفغانستان، وأنه أوضح لبايدن، أن المرحلة الحالية قائمة على التشاور بين تركيا وقطر، وأن الخطوات المستقبلية بشأن أفغانستان مرتبطة بالتطورات، وبالمواقف التي ستتخذها «طالبان». ونفى إردوغان أن يكون تطرق مع بايدن إلى مسألة التطورات في شرق البحر المتوسط، قائلاً إن ملف شرق المتوسط لم يكن على طاولة البحث في لقائه مع بايدن. وأضاف «بما أننا لم نتطرق لملف شرق المتوسط، هذا يعني أنه ليس في جدول أعمال السيد بايدن، وأيضاً ليست على جدول أعمالي».
وأشار الرئيس التركي إلى أنه بحث في لقاء مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في روما، التطورات في أفغانستان وليبيا وسوريا. وذكر، أن هناك مساعي لماكرون من أجل عقد قمة حول ليبيا، وأنه تلقى دعوة لحضورها. وأضاف إردوغان «أبلغنا ماكرون رؤيتنا حول هذه القمة، هذا المؤتمر سيكون مماثلاً لمؤتمر برلين... مؤتمر برلين عقد، وربما لن يكون من الصواب عقد مؤتمر مماثل، إلا أنه على وزيري خارجية البلدين وممثلينا الخاصين، العمل وتقديم شيء مشترك لنا، وبعدها يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة». وتابع، أنه تطرق مع ماكرون إلى بيع فرنسا الأسلحة لليونان، قائلاً «أبلغنا ماكرون قلقنا في هذا الخصوص. لأننا لا نخفي أي أجندات خاصة. نحن نؤمن بأن الحديث بوضوح سيكون أكثر فائدة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟