جمعة فرحات... الملول وقد صار فناناً مبدعاً

واحد من أبرز رسامي الكاريكاتير في العقود الأربعة الأخيرة

جمعة فرحات
جمعة فرحات
TT

جمعة فرحات... الملول وقد صار فناناً مبدعاً

جمعة فرحات
جمعة فرحات

طريق جمعة فرحات الذي رحل أخيراً إلى الكاريكاتير لا يشبه طرق الآخرين، إذ لم يكن مرسوماً له أن يسير على هذا الطريق، لكنه فجأة وجد نفسه فيه يسير بخطى متسارعة امتد زمنها نحو خمسة عقود قضاها في رحاب الريشة واللوحات، وصولاً إلى التربع على واحدة من أهم قمم الفن الساخر في عالم كان كثيفاً بالكبار من المصريين والعرب وبعض رسامي الكاريكاتير في العالم.
حادثة صغيرة كانت بداية المسيرة الطويلة الصعبة مع فن الكاريكاتير الساخر الناقد؛ والحادثة أنه كان مقصراً في تعلم اللغة الإنجليزية في المدرسة ملولاً منها، فصار يتشاغل بالرسم في أثناء دروسها، وكان أستاذ اللغة الإنجليزية الموضوع الأول فيما يرسمه، واقفاً أو جالساً، صامتاً أو يتكلم مع تلاميذ الفصل، وحدث أن تسرب الموضوع إلى الأستاذ، فاطلع على الرسومات، وبدل أن يعاقبه -كما كان متوقعاً- أخذه بيده إلى مجلة «روزاليوسف»، وقدمه للرسام المميز بهجت عثمان، حيث «أعجب الأخير برسوماته، وطلب منه الاهتمام بالرسم لأن لديه موهبة كبيرة ستفتح الطريق أمامه لأن يكون رساماً فذاً». هكذا، نسجت أول علاقات جمعة فرحات، وهو صبي في السادسة عشر، بما سيكون عليه مستقبله بصفته واحداً من أبرز رسامي الكاريكاتير في العقود الأربعة الأخيرة.
فتحت زيارة «روزاليوسف» بوابة التعرف على فن الرسم أمام فرحات وبعض أساتذته، وصارت زياراته الأسبوعية إلى المجلة بوابة تطوير هوايته ومعارفه، ومعرفته بالرسامين ونتاجاتهم، لكن انخراطه العملي في رسم الكاريكاتير تأخر لما بعد تخرجه من الجامعة في عام 1964. وعندها، فتحت «روزاليوسف» قلبها وأبوابها أمامه، ودسته بين الرسامين العاملين في إصداراتها الصحافية. وهكذا، وجد جمعة نفسه أمام تحديات صارخة، تبدأ من ضرورة إثبات وجوده، وتأسيس بصمته الخاصة، وتتصاعد باندماجه في علاقات عمل وزمالة مع رسامين كبار في «روزاليوسف»، بينهم صلاح جاهين، وأحمد حجازي، وبهجت عثمان، وزهدي العدوي، وجورج البهجوري، ورجائي ونيس، وشيئاً فشيئاً تسربت رسوماته، وتجاورت مع إبداعاتهم على صفحات مجلة منوعات روزاليوسف «صباح الخير». وهكذا، أثمرت جهود فرحات في اجتياز التحديات الأولى.
كان فرحات أحد أصحاب الخطوط البسيطة بين الرسامين المصريين، وهذا متوافق مع فهمه للرسام الذي يفترض -كما يقول- أن يكون «لديه إلى جانب قدرته على الرسم حس السخرية أو النقد الساخر، وأن يمتاز بخفة الدم، والقدرة على التعبير بالرسم أو التعليق». ومن هذا الأساس انطلقت مسيرته، حيث بدأ تحت رعاية فنان كبير، هو ناجي كامل، يرسم البورتريه بطريقة بسيطة، دون أن يتورط في تقليد زملاء كبار كانوا معه، مثل جورج بهجوري ورجائي ونيس، مكرساً طريقته وأسلوبه الخاص، فنجح. وتكرر نجاحه ثانية، عندما مد نشاطه إلى رسوم الكاريكاتير الاجتماعي، فرسم موضوعاته بخطوطه وطريقته التي حافظ عليها لاحقاً مع تطويرات بسيطة، قام بها مع تحوله نحو ميدان الكاريكاتير السياسي أواسط الثمانينات، بعد عشرين عاماً من عمله في «صباح الخير».
كان مدخل انتقال جمعة فرحات إلى الكاريكاتير السياسي إحساسه بالمظلومية التي تحيط برسامي الكاريكاتير المصريين بمنعهم من دخول صريح مكشوف ميدان الكاريكاتير السياسي، وهو أمر كان ظاهراً في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، مما كان يعني تغييب الرسامين عن نقد الحكومة، سواء لجهة السياسات أو الأشخاص وأدائهم، وتفاقم هذا الإحساس عنده بعد ما لاحظه من حظوة ومكانة لرسامي الكاريكاتير السياسي الذين قابلهم خلال زيارته للولايات المتحدة عام 1983، فقرر التوجه نحو الكاريكاتير السياسي، وهو في ذلك خلق تزاوجاً بين ما اعتاد على الاشتغال به وفيه من رسوم الأشخاص والكاريكاتير الاجتماعي في «صباح الخير» واشتغاله على موضوعات الكاريكاتير السياسي التي أخذ ينشر نتاجاتها في صحف المعارضة، قبل أن ينضم إلى طاقم «الأهرام ويكلي» الأسبوعية عند صدورها في عام 1989 التي مهدت باتجاه خطوته الأوسع في الانتشار، حيث انضم في عام 1990 إلى فريق رسامي جريدة «الأهرام»، كبرى الصحف المصرية.
حقق فرحات نقلة نوعية في الانتشار في النصف الثاني من الثمانينات تجاوزت حدود مصر والبلدان العربية، موسعاً ميدان نشر رسومه إلى بلدان أجنبية كثيرة. وبفعل اتفاقه مع الأميركي جيري روبنسون ليكون وكيلاً لأعماله، فقد صارت رسوم جمعة تنشر في نحو مائة وخمسين صحيفة ومجلة عبر العالم، من الصحافة الأميركية في الغرب إلى اليابانية في الشرق، إضافة إلى ظهورها في بلدان أخرى، منها بريطانيا وفرنسا الواقعتين على خط الوصل بين غرب العالم وشرقه، لقد كانت تلك الخطوة خلاقة رائدة، إذ لم يكن قد سبقه إليها رسام كاريكاتير عربي.
ورغم أن الأساس في حياة فرحات الفنية كان انشغالات رسام الكاريكاتير، فإنه ذهب في مراحل معينة إلى تجارب من نكهة خاصة. فخاض تجربة في رسوم الأطفال مع مجلة «ماجد» الإماراتية بين عامي 1972 و1979. وبعدها، تجربة في الإعلام المرئي عبر برنامج «من جمعة إلى جمعة» الذي قدمه لسنوات في التلفزيون المصري، ثم ذهب إلى تجربة إصدار كتب من رسومه، جمع بعضها في كتابين: أربع حكومات ومعارضة الذي صدر بالقاهرة عام 1990، وسلام الدم: 60 عاماً من الصراع العربي - الإسرائيلي الصادر عام 2017. وكانت تجربته التالية توليه رئاسة الجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتير عام 2014، في أعقاب وفاة رئيسها السابق الفنان أحمد طوغان، أحد أبرز معلمي الكاريكاتير في مصر والبلدان العربية.
جمعة فرحات الذي أعطى الفن الجميل ومحبيه طاقته وقدرته سنوات طويلة لم تذهب جهوده واجتهاداته سدى، فنال في حياته كثيراً من الاهتمام والتكريم من مستويات مختلفة، احتفاءً بجهده وتقديراً لعمله، واقتنت متاحف عالمية بعضاً من أعماله لتكون بين موجوداتها.
* كاتب صحافي سوري مشرف على موسوعة الكاريكاتير العربي



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.