الرئيس الإسرائيلي يعتذر لأهل كفر قاسم عن المذبحة

في ذكرى مرور 65 عاماً على قتل 49 فلسطينياً فيها

الرئيس الإسرائيلي قال بالعربية لأهالي كفر قاسم: أطلب العفو (رويترز)
الرئيس الإسرائيلي قال بالعربية لأهالي كفر قاسم: أطلب العفو (رويترز)
TT

الرئيس الإسرائيلي يعتذر لأهل كفر قاسم عن المذبحة

الرئيس الإسرائيلي قال بالعربية لأهالي كفر قاسم: أطلب العفو (رويترز)
الرئيس الإسرائيلي قال بالعربية لأهالي كفر قاسم: أطلب العفو (رويترز)

طلب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، أمس الجمعة، «العفو» من أهالي ضحايا مجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها قوة عسكرية تابعة للشرطة الإسرائيلية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1956 وراح ضحيتها 49 فلسطينياً.
وفي ذكرى مرور 65 عاماً على المجزرة، أعلن هرتسوغ عن الاعتذار، باسمه وباسم دولة إسرائيل، للضحايا ولذويهم ولأهل مدينة كفر قاسم كلها. وقال باللغة العربية: «أطلب العفو».
وقال هرتسوغ: «أنحني أمام ذكرى الضحايا وأمام أبناء كفر قاسم. فالقتل والمس بالأبرياء هو عمل ممنوع، بغض النظر عن أي موقف أو خلاف سياسي. أنا أنحني أمام ذكرى القتلى الـ49، أنحني أمامكم، أبناء عائلاتهم، وأمام كفر قاسم بكل أجيالها، وأطلب العفو باسمي وباسم دولة إسرائيل. وفي هذا اليوم، وبعد مرور 65 سنة من الفاجعة، نصلي ونأمل أن ترافقنا ذكرى الضحايا على أنها درس وبوصلة، وأن ننمي من عمق الألم، مستقبلاً مشتركاً يلفه الأمل. وأقول لكم، إن هذه فرصة لنا – كجمهور وكقيادة – أن نقول لا للآراء المسبقة. هذه فرصتنا كمجتمع إنساني أن نعزز المشترك بيننا كمواطنين وجيران. ليس هذا قدراً، هذه شراكة مصير. هذه فرصتنا لأن نقتلع من الجذر التمييز والكراهية».
وكانت زيارة هرتسوغ هذه هي المرة الثانية التي يشارك فيها رئيس الدولة العبرية بحفل إحياء ذكرى ضحايا مجزرة كفر قاسم، إذ كان الرئيس السابق، رؤوبين رفلين، قد شارك بحفل كهذا عام 2014. وقبله بسبع سنوات، قام الرئيس شمعون بيريز بزيارة للمدينة ولكن ليس في يوم الذكرى، وقال يومها: «وقع هنا حدث قاس في الماضي الذي نأسف عليه. ونندم لحدوثه غاية الندم». وقد أبدى في الماضي عدد من الوزراء الحكوميين أسفهم لذلك الحادث. كما سبق لوزير المعارف الأسبق يوسي سريد أن قدم اعتذاره العلني ناهيك عن أنه أوعز إلى المسؤولين بشمل هذا الحدث في مادة التعليم في المدارس في سنوات التسعين. كما بادر وزير السياحة في حينه موشيه كتساف الذي أصبح فيما بعد رئيساً لدولة إسرائيل، إلى القول إن «ذوي الضحايا يستحقون منا طلب الصفح».
ومع ذلك، فقد رفض الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، بأغلبية 93 نائباً، مشروع قانون لتحويل يوم 29 أكتوبر ليوم حداد رسمي يتم فيه إحياء ذكرى الضحايا وتعليم الدروس لتلاميذ المدارس.
وكما في كل سنة، شاركت جماهير غفيرة من المدينة وخارجها، بعدة نشاطات لإحياء الذكرى. فبالإضافة إلى المهرجان الذي شارك فيه هرتسوغ، ومئات المواطنين والشخصيات، نظمت مسيرة شعبية بمشاركة واسعة من كل الأحزاب والأطر والحركات السياسية في المجتمع العربي بالإضافة إلى رؤساء مجالس وبلديات ونواب برلمان في الكنيست. كما شارك لفيف واسع من النشطاء اليساريين من الوسط اليهودي، وفي مقدمتهم لطيف دوري، الصحافي الذي كان له دور بالغ الأهمية في الكشف عن المجزرة عندما حاولت حكومة إسرائيل التستر عليها. وألقى دوري كلمة أعلن فيها استقالته من حزب «ميرتس»، احتجاجاً على قيام نوابه اليهود بمغادرة قاعة الكنيست عندما تم التصويت على الاقتراح بتحويل 29 أكتوبر ليوم حداد رسمي.
وقد سار الموكب الجماهيري من ميدان أبو بكر الصديق باتجاه النصب التذكاري من خلال شارع الشهداء. وهناك، رحب رئيس اللجنة الشعبية لإحياء الذكرى، سائد عيسى، بالحضور اليهود والعرب وقال: «اليوم وبعد ستة عقود ونيف، نقف في نفس المكان الذي ارتكبت فيه المجزرة، لنؤكد على مطالبتنا المؤسسة الإسرائيلية بالاعتراف بمجزرة كفر قاسم الرهيبة. اليوم نقف هنا لنقول إن كفر قاسم وأجيالها لن تنسى أبدا». ودعا رئيس البلدية، المحامي عادل بدير، إلى الحفاظ على الوحدة محلياً وقُطرياً وناشد القيادات العربية على أن لا تكون هذه الذكرى وهذا الموقف مصدراً للمناكفة السياسية.
وأثنى رئيس لجنة المتابعة العليا للعرب، محمد بركة، على اليسار الإسرائيلي ونشطاء اليسار الذين يشاركون في المسيرة وانتقد «سياسة المؤسسة الإسرائيلية كانت واضحة وفاضحة – واضحة في هدفها نحو تهجير المواطنين الفلسطينيين – وفاضحة بجرائمها البشعة في كل مكان من فلسطين وكفر قاسم كانت موضع الاهتمام لهم». وقال: «لكن الثبات والصمود والدم الزكي كان من وراء كبح جماح التهجير. واليوم نحيي الذكرى الـ65 لنؤكد ذلك».
ولفت بركة إلى ما نشره الكاتب آدام راز، وهو أنه عثر على ورقة صغيرة في أرشيف المحامي الذي دافع عن المجرم الذي أمر بارتكاب المجزرة، وقد كتب عليها أن مهمة مجزرة كفر قاسم هي أولاً: تطويق القرية، ثانياً إبلاغ المسنين فيها بأن عليهم الإجلاء عن القرية مع إمكانية عبورهم الحدود حتى الوقت المحدد خلال ثلاث ساعات. وقال بركة: «هذه بضع كلمات ولكنها تكشف حقيقة أهداف المجزرة». وشدد على أن عقلية المجازر بغرض الترحيل «لا تزال تعشش في عقول المؤسسة الإسرائيلية».
وباسم أحفاد ضحايا المذبحة، ألقى التلميذ محمد أمين طه كلمة الجيل الجديد قائلاً: «أقف اليوم أمامكم بكلمتي معتزاً مفتخراً بوصية ورسالة أخذتها من أجدادي. كتبوها بمداد دمهم الزكي. تلك الوصية أن أتمسك بأرض بلدي وأزرع زيتونتي وأقطف ثمارها وآكل من عملي ومن عرق جبيني. علموني أن لا للخنوع.
وأن أجتهد. وللعلم أطمح وأثابر وبه أحفظ المجد والتاريخ. وأرفع سنابل التسامح والعيش بكرامة. أحفظ الدين والقيم فهي منارة وشعلة نضيء بها العتمة».
ثم تم عُرض مشهد تمثيلي على الشاشات، لتوثيق الفوج الأول من العمال العائدين إلى بيوتهم من الحقل في يوم 29 أكتوبر 1956، إذ تم إطلاق الرصاص عليهم وقتل 49 شخصاً منهم.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.