أميركا تجدد تعهدها باستهداف {الفساد} في لبنان

TT

أميركا تجدد تعهدها باستهداف {الفساد} في لبنان

جددت الولايات المتحدة الأميركية تعهدها باستهداف الفساد في لبنان، غداة إصدار حزمة جديدة من العقوبات طالت رجلَي الأعمال جهاد العرب وداني خوري، والنائب جميل السيد الذي اتهمته بتحويل 120 مليون دولار إلى الخارج، فيما طلبت الرئاسة اللبنانية من وزارة الخارجية التواصل مع واشنطن للاطلاع على ظروف القضية.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية أول من أمس (الخميس)، عقوبات على السيد والعرب وخوري بشبهة الفساد والمساهمة في تقويض حكم القانون في لبنان. وأوضحت وزارة الخزانة في بيان أن كلاً من الثلاثة «استفاد شخصياً من الفساد والمحسوبية المستشريين في لبنان لجمع ثروات شخصية على حساب الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة». وأكدت أنه «بينما يواجه الشعب اللبناني صعوبات يومية للحصول على سلع وخدمات عامة مثل الأدوية والكهرباء والمواد الغذائية في ظل أزمة اقتصادية مدمرة غير مسبوقة، يتصرّف أفراد من الطبقة السياسية اللبنانية مع محسوبين عليهم، من دون عقاب لتحقيق الثروات الشخصية وإخفائها».
وفي أول تحرك رسمي لبناني، طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، من وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، إجراء الاتصالات اللازمة مع السفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للاطلاع على الظروف التي دفعت وزارة الخزانة الأميركية إلى فرض عقوبات على السيد والعرب وخوري، وذلك كي يُبنى على الشيء مقتضاه.
وتمضي الولايات المتحدة في «تنفيذ التزاماتها بملاحقة الفساد» كما أكدت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث، التي قالت إن الحزمة الأخيرة من العقوبات «هي رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة ستستهدف الفساد في لبنان»، مشددةً في حديث تلفزيوني على أن الولايات المتحدة «تسعى لتعزيز المساءلة والمحاسبة والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في مطالبتاهم بوجود حكومة ملتزمة بالقيام بواجباتها وقادرة على اتخاذ الخطوات الجذرية والمطلوبة لمعالجة الصعوبات التي يواجهها لبنان مثل نقص المياه والكهرباء وغيرها من الصعوبات».
وأوضحت غريفيث أنه تم اختيار هؤلاء الأشخاص «بسبب سجلهم الطويل في الفساد وزيادة معاناة الشعب اللبناني»، مؤكدةً أن عملية فرض العقوبات هي مسألة قانونية ومعقدة جداً وتحتاج إلى وقت طويل. وأشارت غريفيث إلى أن الولايات المتحدة على تواصل دائم مع شركائها في الحكومة من أجل جمع المعلومات لفرض عقوبات، وتلتزم ببذل كل ما وسعها لاستهداف الفاسدين.
وطالت العقوبات النائب جميل السيد المقرب من «حزب الله»، وقالت إنه «سعى إلى الالتفاف على السياسات والقوانين المصرفية الوطنية»، و«قد ساعده مسؤول حكومي رفيع المستوى على تحويل أكثر من 120 مليون دولار إلى استثمارات في الخارج». وجاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية: «خلال تظاهرات عام 2019 وعندما تجمّع محتجون أمام منزله للمطالبة باستقالته واصفين إياه بأنه فاسد، دعا السيد السلطات إلى إطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم».
ورفض السيد الاتهامات الموجّهة إليه في نَص العقوبات، وقال في مؤتمر صحافي عقده أمس في مجلس النواب، ودعا من ادّعى تهريبه أكثر من 120 مليون دولار إلى أن «يبرز تحويلاً واحداً يثبت ذلك، وإن كنت قد حوّلت أو ساهمت في تحويل أي مبلغ مالي يعني أنهم مرّوا على مصرف لبنان». وطلب من الخارجية الأميركية منحه تأشيرة دخول لمواجهة تلك الادعاءات، كما قال، مضيفاً أنه على استعداد لأن يُسجن في حال ثبت تحويله لهذا المبلغ المالي.
وجميل السيد هو الخامس بين أعضاء مجلس النواب اللبناني المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية، إلى جانب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والنائب علي حسن خليل، ورئيس كتلة «حزب الله» النيابية النائب محمد رعد، وأحد أعضائها النائب أمين شري.
وطالت العقوبات الأخيرة أيضاً جهاد العرب المقرّب من رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، الذي حاز «بسبب علاقاته السياسية الوثيقة»، عدة مناقصات بقيمة مئات ملايين الدولارات مع تضخيم الفواتير المقدمة للحكومة في مقابل «رشى دفعها لمسؤولين حكوميين». ومن بين هذه الصفقات، عقد لمواجهة أزمة النفايات في بيروت عام 2016 إلا أنه لم ينجح في تقديم حل لهذه المشكلة الكبيرة.
كما طالت داني خوري، وقالت إنه استفاد من علاقاته بجبران باسيل للحصول على عقود كبيرة، وإنه كسب ملايين الدولارات من خلال مناقصات «مع فشله في احترام شروط هذه العقود بشكل واسع». وقال باسيل تعليقاً على العقوبات على خوري: «الظلامة الدولية لا ترحم! داني خوري لا هو شريك لي في السياسة ولا أنا شريك له في الأعمال. لم أسعفه مرة في أشغاله ولا هو استفاد يوماً من معرفته بي في الجامعة».
من جهته، أوضح المحامي مارك حبقة، وكيل المهندس داني خوري و«شركة خوري للمقاولات»، أن الشركة تعمل في مجال التزام مشاريع المقاولات في لبنان والخارج منذ أكثر من ثلاثين عاماً أي قبل نشوء «التّيار الوطني الحرّ» وقبل علاقة التعارف مع باسيل.
وقال إن الشركة «لجأت إلى القضاء اللبناني للدّفاع عن نفسها جرّاء عدّة مزاعم تم اتهامها بها زوراً كتلك الصادرة في بيان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للإدارة الأميركية وتحديداً في موضوع رمي النفايات في البحر»، لافتاً إلى أن القضاء اللبناني «أكد كذب تلك المزاعم حيث عجز مطلقوها عن تقديم أي دليل يثبت هذه الافتراءات بما فيها صحيفة (نيويورك تايمز) التي عجزت حتى عن الرّد على إنذارنا الموجّه إليها عبر كتاب الردّ على المقالة المنشورة بتاريخ 3 ديسمبر (كانون الأول) 2019 والتي ورد فيها في ذلك الوقت اتهام شبيه بما ورد في بيان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) بحرفيته».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».