رفض الانقلاب في السودان يمتد إلى مؤسسات الدولة

جانب من الاحتجاجات التي تشهدها الخرطوم (إ.ب.أ)
جانب من الاحتجاجات التي تشهدها الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

رفض الانقلاب في السودان يمتد إلى مؤسسات الدولة

جانب من الاحتجاجات التي تشهدها الخرطوم (إ.ب.أ)
جانب من الاحتجاجات التي تشهدها الخرطوم (إ.ب.أ)

يواجه قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان غضب الشارع منذ الانقلاب الذي قاده، الاثنين، على شركائه المدنيين، لكن هذا الموقف لم يعد يقتصر على المستوى الشعبي، بل امتد إلى المؤسسات الرسمية في البلاد ومسؤوليها، فيما تستمر أيضاً الاحتجاجات في الشارع.
وأعلن البرهان، الاثنين، حلّ مجلس السيادة الذي كان يرأسه ويتولى إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية عقب إطاحة الرئيس السوداني عمر البشير في 2019، كذلك حلّ الحكومة وفرض حال الطوارئ في البلاد.
وداخل البلاد وخارجها، أدان وزراء وسفراء وولاة سودانيون انقلاب العسكريين وعدم اعترافهم سوى بالحكومة «الشرعية» التي أقالها البرهان وأوقف معظم وزرائها.
وحملت وزارة الثقافة والإعلام السودانية لواء معارضة الانقلاب وسخّرت صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك» لنشر بيانات وتصريحات المسؤولين المناهضة لقرارات العسكريين، مرفقةً كل منشوراتها بوسم «#الردة_مستحيلة».
ولطالما كان شعار «الردة مستحيلة» يساهم في شحن الجمهور منذ احتجاجات 2018-2019 الشعبية التي نتج منها في أبريل (نيسان) 2019 سقوط الرئيس عمر البشير، وتشكيل مجلس سيادة يتقاسمه العسكريون والمدنيون لإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.
كذلك، كانت ولاية الخرطوم في أول صفوف المحتجين ضد الانقلاب وتم توقيف واليها. وقد نشرت بياناً عبر منصة وزارة الثقافة والإعلام على «فيسبوك» جاء فيه: «اتفق مديرو ووزارات حكومة ولاية الخرطوم، على إدانة الانقلاب العسكري مع الرفض التام للرجوع لعهد الردة والوقوف ضد رغبة السودانيين».
وأكدت الولاية، أنها «ستعمل على توفير السلع الاستراتيجية، كالدقيق والغاز، واستمرار العمل بطوارئ المستشفيات، مع التأكيد على الإضراب السياسي والعصيان المدني».
ودفع الانقلاب دبلوماسيين عدة إلى الانشقاق ودعم المتظاهرين ومن بينهم نور الدين ساتي، سفير السودان لدى الولايات المتحدة منذ 2020.
ولم يخش بعض السفراء من التعبير علناً عن موقفهم الرافض للانقلاب العسكري عبر نشر مقاطع فيديو لهم أو عرض آرائهم مكتوبة على منصات التواصل الاجتماعي.
ورد البرهان بإقالة ستة من سفراء البلاد، بينهم السفراء لدى الولايات المتحدة والصين وفرنسا وسويسرا.
ورد سفير السودان لدى سويسرا ومندوبها الدائم في مكتب الأمم المتحدة علي بن أبي طالب الجندي على قرار البرهان في شريط فيديو من دقيقتين، قائلاً «هذا القرار الصادر عن السلطة الانقلابية غير شرعي وغير دستوري ولن أمتثل له». وأضاف: «سأقاوم قرار الإقالة بكل السبل القانونية بسويسرا حتى عودة السلطة الشرعية التي يرتضيها الشعب الذي يواجه حالياً أبشع أشكال القمع والتنكيل لرفضه الانقلاب».
ونقلت صفحة وزارة الثقافة والإعلام بياناً لوزارة الخارجية، أكدت فيه، أن «السفراء الرافضين للانقلاب العسكري وتقويض الفترة الانتقالية، هم الممثلون الشرعيون لحكومة السودان»، واعتبرت أن «كل القرارات الصادرة من قائد الجيش (البرهان) غير شرعية ولا يسندها الدستور».
ونقلت الصفحة عن مريم الصادق المهدي، وزيرة الخارجية المقالة وأحد الوزراء المدنيين القلائل الذين لم يتم توقيفهم: «أفتخر بسفراء السودان الذين أتوا من رحم ثورة الشعب المجيدة وصمودها الباسل وكل سفير حر رفض الانقلاب نصراً للثورة».
ومريم هي ابنة زعيم حزب الأمة، أكبر حزب معارض ضد نظام البشير، الصادق المهدي (1935 - 2020) الذي شهد انقلاب البشير عليه عام 1989 عندما كان يرأس الحكومة، واليوم يعيد التاريخ نفسه مع الابنة.
وهناك من لم يخف رغبته من وزراء الحكومة المقالة في نقل السلطة إلى المدنيين حتى قبل وقوع الانقلاب بأيام؛ إذ شارك وزير الصناعة والسياسي البارز إبراهيم الشيخ في نظاهرة حاشدة للمطالبة بحكم مدني قبل أن يوقفه الجيش في الساعات الأولى من صباح الاثنين.
والشيخ هو أحد وزراء «قوى الحرية والتغيير»، الائتلاف الذي تزعم حركة الاحتجاجات ضد البشير والإطاحة به.
وقد أصدر الائتلاف بياناً الخميس، أعلن فيه «رفضنا التام والقطعي للانقلاب العسكري، وندعو جماهير شعبنا لمواصلة التظاهر السلمي والعصيان المدني حتى إسقاط الانقلاب العسكري واستعادة الشرعية الدستورية».
في هذه الأثناء، ورغم تصاعد العنف في الخرطوم حيث سقط ثمانية قتلى و170 جريحا منذ الاثنين، يتمسك عدد كبير من السودانيين برفض انقلاب العسكر ويواصلون احتجاجاتهم في الشوارع عشية تظاهرة «مليونية» دعا اليها أنصار الحكم المدني.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».