السلاح في لبنان... منعة الأهل و{زينة الرجال}

استخدامه في الحروب الداخلية قصة قديمة لتأكيد مكانة الجماعات الطائفية

مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
TT

السلاح في لبنان... منعة الأهل و{زينة الرجال}

مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)
مقاتلون من «الثنائي الشيعي» خلال الاشتباكات الأخيرة في منطقة الطيونة (أ.ف.ب)

سار المئات من أنصار حركة «أمل» و«حزب الله» يوم الخميس 14 أكتوبر (تشرين الأول) حاملين أسلحتهم في شوارع الضاحية الجنوبية المتاخمة لأحياء عين الرمانة المسيحية مستعيدين أحد مشاهد الحرب الأهلية وسلوكيات أصحابها. بل إن السلاح الذي حملوه يعود في معظمه إلى حقبة الحرب تلك. وكأن العتاد بقي حيث بقي الكثير: روح الاقتتال الطائفي وشعاراته التي لم تفارق جماعات متحاربة لا تحبذ تغيير أنواع البنادق والقذائف الصاروخية والرشاشات المتوسطة.
لم تُظهر الصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها منصات التواصل الاجتماعي أصنافاً جديدة من السلاح. الكلاشنيكوف وقاذفات صواريخ «آر بي جي» والرشاشات المتوسطة «بي كيه إم» وبعض بنادق «إم 16» و«إم 18» التي تطلق قنابل عيار 40 مليمتراً، هي الترسانة التي أنزلها «الثنائي الشيعي» في استعراض رفضه «تسييس» التحقيق في تفجير مرفأ بيروت. باختصار، يبلغ عمر تصاميم السلاح التي أغرقت شوارع الضاحية الجنوبية عقوداً طويلة وإن كانت النماذج المستخدمة لم يمر على صناعتها أعوام عدة. الأصالة والحداثة اجتمعتا في سلاح المسيرة «السلمية».

يعطي المشهد انطباعاً بالرؤية السابقة (Déjà vu) خصوصاً لمن عاش فصول الحروب اللبنانية، حتى تكاد أنواع السلاح الذي عمّ الأزقة في ذلك النهار الخريفي تُطابق ما كان يخرج من مراكز ومعسكرات الفصائل الفلسطينية أوائل السبعينات ومن معاقل الميليشيات العلمانية والطائفية في أثناء تجهيز نفسها للحرب. عاديّة الحشد المسلح كانت أقوى من أصوات مدنية مستنكرة. فاللبنانيون يعلمون أن في اجتماعهم وسياستهم حيزاً مكفولاً للبنادق.
والحال أن «مقاومة» أهلية استبُدلت مقاومة غير لبنانية، فيما بقي الحفاظ على السلاح وتقديسه والاحتفال بكل حمولته الرمزية، الواعي منها وغير الواعي، حاضراً منذ أكثر من خمسة عقود.
المقاومة التي تنطوي على معنى متخيَّل للوطن والقضية وتدافع عن «العرض والأرض» وتجدد، في غضون ذلك، صوغ وعي الجماعة وتحدد الأخطار المحيقة بها، هي المؤهلة لدفع مسلحيها وعتادهم الحربي للاعتراض في الشارع على كل ما يشاءون ومتى شاءوا. ولا تناقض في روع أصحاب الدعوة إلى التظاهر بين حشود المسلحين وبين صفة «السلمية» التي أطلقوها على تحركهم. فالجماعة لا تأتي بما يضر السلام. الأعداء وحدهم يفعلون ذلك.
غياب الجدة عن أنواع السلاح في شوارع المشرفية والطيونة وعين الرمانة، يعكس انعدام أي جديد في ذعر الطوائف وبَرَمها من كل تدخل في تنظيمها شؤونها وإدارتها يومياتها حتى لو كان المُتدخل قاضياً عدلياً كلّفه القضاء التحقيق في ثالث أضخم انفجار غير نووي عرفه العالم. الإشارة إلى التضارب بين فداحة الخسائر البشرية والمادية التي أصابت بيروت وبين إصرار الطبقة السياسية الحاكمة التي يحميها ويستفيد منها «حزب الله»، على إجهاض كل محاولة للوصول إلى الحقيقة وبالتالي صدور حكم عادل على المتورطين باستيراد مادة نيترات الأمونيوم والمتسترين عليهم ومن يقف وراءهم، لا تعني شيئاً. ليست الحقيقة والعدالة من اهتمامات الطوائف المسلحة الغاضبة والثائرة بلا قضية ولا قيم. فما يهم، على ما بات معروفاً، هو إبقاء النظام الحالي قائماً بصيغته وإدامة مصالح التحالف الحاكم وحمايتها. السلاح يحضر لهذه الغاية. المقاومة هي الاسم المتداول لهاتيك الصيغة والسلاح والمصالح، المتضافرة والمتناغمة.
السلاح كعنصر توكيد على هوية الأهل ومكانتهم بل على إنشاء الجماعة قصة قديمة في لبنان.
نجد شذرات عنها في مراسلات الباب العالي إلى والي الشام العثماني في القرن السادس عشر (راجع عبد الرحيم أبو حسين – «لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني - وثائق دفتر المهمة 1546 - 1711» - دار النهار 2005) حيث كان الصدر الأعظم يركّز في الكثير من رسائله على أهمية مصادرة الوالي السلاح الذي تُنزله السفن الأوروبية وتبيعه إلى الدروز وغيرهم. كان المسؤول العثماني يخشى استخدام تلك البنادق فيما يسميه أبو حسين «التمرد المديد» على السلطنة. لكن الصدر الأعظم غلّب الجانب الأمني المباشر على الجوانب الأخرى من تلك التي يعنيها السلاح لأهل جبل لبنان.
غنيٌّ عن البيان أن تصدير السلاح كان في القرن السادس عشر، كما هو اليوم، تكثيفاً لغايات وأهداف عدة: الربح المالي وإقامة التحالفات وزرع الخوف عند العدو من بين أمور أخرى. أما المستورد اللبناني فالسلاح يعني قدرته على التملص من سلطة غاشمة ومتجبرة وتعزيز قوته في مواجهة الخصوم المحليين، سيان أكانوا من أتباع السلطة الخارجية أو من أعدائها. وشهيرة تلك الاستعارة اللبنانية القديمة التي تعدّ العائلات في الجبال بعدد بنادقها. فالعائلة الفلانية هي «500 بارودة» ما يفترض أن يُحسب حسابها في كل نزاع على الأرض وحقوق الرعي والري وتوزيع الأراضي وتقسيمها وعندما يدعو النفير الحربي.
بعد أحداث الطيونة الأخيرة، استُعيدت عبارة شهيرة أيضاً في الرطانة اللبنانية: «هناك قطعة سلاح في كل بيت». صحة هذه الجملة التي تُرمى في سياق التخفيف من شُبهة التخطيط المسبق لأي عراك بين الطوائف وإعادة «الإشكالات المسلحة» التي هي علّة انتشار السلاح بين الأهل انتشاراً «طبيعياً» لا يختلف عن ظواهر أخرى من الطبيعة اللبنانية، كالثلوج في الجبال وجمال الشواطئ، على سبيل المثال، تخبّئ الصحة هذه سقماً عميقاً هو الاعتقاد السائد بغياب المرجع القانوني الأعلى من الأهل والطائفة والحي. المرجع الذي يستند في فعله إلى القانون والدستور والعقد الاجتماعي. الدولة، بكلمة ثانية.

- سلاح الحرب الدائمة
يضم متحف «قصر موسى» في بلدة دير القمر في جبال الشوف، مئات البنادق والسيوف والمسدسات. أكوام من الأسلحة المكدسة. بعضها ربما شهد حروب القرن التاسع عشر ومذابحه في القرى القريبة من دير القمر. يعود الكثير من البنادق إلى أزمان مختلفة يترك تكدسها وتنوعها انطباعاً بأنها لم تحُزْ عناية كافية من خبراء الآثار والعاديّات.
وتحضر في المشهد كذلك سيوف تقول القصاصات الصغيرة الموضوعة قربها بتعدد تواريخ صنعها وأصحابها السابقين. سيوف مملوكية وتركية وأخرى مصنوعة في الغرب أو حتى في جورجيا. لا يمكن الجزم، من دون الشرح الضروري الذي يفترض أن يقدمه الاختصاصيون، من أين جاءت كل قطعة من قطع السلاح تلك ولا في أي معارك استُخدمت ولا مَن كان صاحبها وإن كان بعضها يحمل أسماء أمراء وشيوخ أفل ذكرهم. ولعل بعض هذه البنادق والأسلحة مما كان الصدر الأعظم العثماني يشكو من نزوله إلى السواحل اللبنانية.
مع قليل من التسرع، يجوز القول إن سلاح الدروز المتحدر من شبه الاستقلال الذي نعمت به إماراتهم في الشوف والغرب (الذي يضم بيروت الحالية) خلال العصور المملوكية وجد مهمات جديدة في الاحتجاج على السلطنة العثمانية ثم في قمع النهوض المسيحي في الشوف في القرن التاسع عشر وصولاً إلى التصدي لاقتحام «حزب الله» الجبل في مايو (أيار) 2008. الطوائف الأخرى لم تتوانَ عن استيراد السلاح وإدراجه ضمن منظومة العلاقات الداخلية. بل صار «السلاح زينة الرجال» على ما رأى مؤسس الموقع الشيعي في الجمهورية اللبنانية، الإمام موسى الصدر، حتى لو كان السلاح الذي قصده في كلمته موجهاً ضد إسرائيل واستباحتها للجنوب اللبناني أوائل السبعينات وامتناع الدولة اللبنانية عن الدفاع عن مواطنيها هناك. فالسلاح مادة سياسية سائلة قابلة للتسرب من القضايا الكبرى إلى حوض الاقتتال الداخلي.
وفي باحة وزارة الدفاع اللبنانية، يرتفع نصبٌ من الإسمنت الذي حُشي مدافع قديمة كانت تصلي المدن والقرى القذائف في أثناء الحرب الأهلية. المصمم الأجنبي للنصب رأى أن عمله المذكور رمز لنهاية الحرب في لبنان وعودة السلام. والحال أن مدافع الحرب الأهلية حققت شهرة واسعة بين اللبنانيين، إذ انقلبت وسيلة تخاطب صاخب في الفترات التي استعصى فيها الحوار السياسي وحال التوازن دون تغيير الخرائط الميدانية. كانت رمزاً لغياب الحلول ودوام احتراب الأدوات المحلية للمتناحرين ومشغليهم من خارج الحدود. بعض تلك المدافع اشترته الحكومة اللبنانية بأموال مواطنيها لتسليح الجيش. أما أكثرها فجاء دعماً لفرقاء الحرب الذين رأى فيهم حلفاء إقليميون وأجانب فوائد تُرتجى في صراعات على مناطق النفوذ ضمن الحرب الباردة أو تصفية حسابات جلّها أخويٌّ بين العرب. وقبل أسابيع، نبّه أحد سادة الحرب المقبلة –وهذه قد لا تقع لكنها قيد الإعداد الدائم- أن المدافع والصواريخ ليست هي الأسلحة الرئيسية في النزاعات الأهلية. البنادق والرشاشات الخفيفة تقوم بالواجب ولا ضرر من اللجوء إلى بعض قذائف «الآر بي جي» والقنابل اليدوية. ولعل في هذا الكلام تفسيراً لتلكؤ الأطراف المعنية عن تحديث الترسانة الحربية. ذاك أن العدو المحلي يكفيه من العدة أبسطها وأرخصها.
أما إسرائيل التي سفحت تحت لواء الصراع معها وتحرير ما تحتله من أرض، دماءً وأحلاماً وأعماراً، فسلاح قتالها محجوب لا تدركه الأبصار ولا يشمله إحصاء.
والسلاح هذا قادر بزعم من يحوزه، على إصابة أهدافه في كل أنحاء فلسطين وتدمير محطات تكرير النفط ومخازن مواد كيمياوية (كتلك التي انفجرت عندنا) ومسح مستوطنات ومدن وفوقها مفاعل نووي. لكننا لن نستخدمها إلا عندما ترى قيادة المقاومة أن الوقت قد أزف لنزول صواريخها وراجماتها وطائراتها المسيّرة وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال إنس أو جن، ساح الوغى في معركة آتية لا ريب فيها. في غضون ذلك، تبقى بنادق الكلاشنيكوف سيدة الموقف.

- رفيق أجيال متعاقبة
أجيال عدة من اللبنانيين تعرّفت على الكلاشنيكوف عن قرب. دخل إلى لبنان مع المقاومة الفلسطينية أواخر ستينات القرن الماضي وسرعان ما اكتُشِفت فضائله كتدني الثمن وسهولة الاستخدام والصيانة وتوفر الذخيرة. اقتناه المتحاربون من كل الأطراف والجبهات. من لا يصل إليه الكلاشنيكوف من حليف عربي أو «أممي»، يشتريه من السوق المفتوحة. بلدان أوروبا الشرقية التي يصنع كل منها نسخته من البندقية الشهيرة، ما بخلت بتصديرها، للحلفاء كما للأعداء. والأكداس التي صادرتها إسرائيل في أثناء «النكسات» العربية، وجدت طريقها إلى لبنان أيضاً.
«طبعات» مختلفة جاءت إلى لبنان، من الروسي (السوفياتي) الأصلي «إيه كيه 47» ثم نسخته المعدلة «إيه كيه إم» (المشظوف)، ومن المزود بأخمص خشبي، إلى المفضل في معارك الشوارع صاحب الأخمص الحديد «الأخمص طي».
والحق أن الكلاشنيكوف لم يغب عن الساحة المحلية حتى بعد عودة «السلم الأهلي». فهو سلاح الجيش السوري الذي أُوكلت إليه مهمة تطبيق اتفاق الطائف والمقاومة في الجنوب التي واصلت قتال الاحتلال.
وفي أثناء اقتحام «حزب الله» لبيروت في السابع من مايو كان الكلاشنيكوف هو السلاح الرئيسي. وبدا أن الحزب أخرج من مخازنه نسخة صينية من البندقية التي حملها أكثر المشاركين في الهجوم على المدينة. ومن عادة القوى المسلحة أن تأتي قبيل العمليات الكبيرة بكميات من السلاح الفردي الجديد لسد النواقص.
وللسلاح هذا صوت يعرفه كل من اقترب من ساحة معركة أو قتال. يُصدر تعاقب رصاصات الكلاشنيكوف إيقاعاً رتيباً عالياً يمكن تمييزه بسهولة عن أصوات بقية البنادق الآلية. إنه «صوت التوحش» حسب شهادة أحد الناجين من مجزرة مسرح باتاكلان في باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في وثائقي عرضته منصة «نتفليكس»، حيث عمد إرهابيو «داعش» إلى إطلاق النار من دون تمييز على حضور حفل موسيقي كان يقام هناك. في واقع الأمر إن ما استخدمه الإرهابيون في ذلك اليوم كان النسخة اليوغوسلافية من الكلاشنيكوف والتي تُعرف بـ«زاستافا» على اسم المصنع الذي ينتجها. وهذا تفصيل لم يغيّر في انطباع الضحايا شيئاً.
والشيء بالشيء يُذكر، فقد يكون لكل حرب صوتها. وثمة اتفاق واسع على أن صوت مروحية «هيوي» (أو «بيل يو إتش 1») هو صوت الحرب الفيتنامية، من وجهة نظر الجنود الأميركيين على الأقل.
وعلى أن صوت انقضاض طائرات «الشتوكا» الألمانية («يونكرز 87») لإلقاء قنابلها مستخدمةً مكبر صوت أطلق النازيون عليه اسم «بوق أريحا»، هو صوت الحرب العالمية الثانية، في مراحلها الأولى على الأقل قبل أن يحل مكانها صوت قاذفات «بي 29» الأميركية أو هدير دبابات «تي 34» السوفياتية.
تعكس الأسلحة المستخدمة في النزاعات والحروب الأهلية معطيات اجتماعية وسياسية متنوعة. كُتب الكثير عن المِدَى الكبيرة (Machette) التي اعتمد الهوتو عليها في أثناء مذابحهم ضد التوتسي في رواندا سنة 1994، وعن معنى استخدام هذا السلاح ومصدره ومَن استورده واختصاره للكراهية الإثنية وحلوله بديلاً زهيد الثمن عن الأسلحة النارية في بلد فقير. بهذا المعنى، يصح الحديث عن أسلحة الحروب الأهلية في الكثير من الأماكن من بينها لبنان الذي يبقى الكلاشنيكوف أمير الصدامات الأهلية. فهو يدل من جهة على مصدر السلاح ووصوله إلى البلد في إطار صراعات متداخل بعضها ببعض، الطائفي المحلي والإقليمي. كما يعلن أن اللبنانيين يستطيعون الإنفاق على سلاحهم الفردي، حتى اندلاع الأزمة الأخيرة على الأقل.
الاعتراض على انتشار السلاح وضرورة حصره بيد السلطة، يتجاهل أمرين: الأول طبيعة هذه السلطة المشكَّلة من ائتلاف طائفي لا تني العلاقات بين مكوناته تتبدل وتتغير وتستدعي، بالتالي، عناصر لتعزيز المواقع و«الخطاب» الأهلي ما يترك مجالاً ضرورياً لحضور السلاح.
والآخر أن استثناء السلطة ذاتها، مرغمة من الوصاية السورية بعد الحرب، لـ«حزب الله» من جمع السلاح، وانخراط الحزب العميق في التناحر الأهلي وأدائه دور العصا الغليظة للنظام الطائفي في الأعوام الأخيرة، وفّر ما يكفي ويزيد من ذرائع لكل الطوائف باستئناف سباق التسلح ما دامت محاولات الخروج من لغة العنف الأهلي قد أخفقت.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.