البرهان يعد بـ«سيادي» جديد وحكومة تكنوقراط... والشارع يبدأ العصيان

حمدوك في عهدة الجيش... وسفراء السودان في 12 دولة يرفضون «الانقلاب»... ومطار الخرطوم مغلق

البرهان أثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
البرهان أثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

البرهان يعد بـ«سيادي» جديد وحكومة تكنوقراط... والشارع يبدأ العصيان

البرهان أثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
البرهان أثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)

دافع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان أمس، عن سيطرة القوات المسلحة على السلطة، قائلاً إنه أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتجنب حرب أهلية. وأطلق البرهان مجموعة ووعود بتشكيل مجلس سيادي جديد، وحكومة تكنوقراط، بعيدة عن أي حزب سياسي، لكن وعوده هذه اصطدمت بحركة احتجاجات واسعة، في الخرطوم والمدن الأخرى.
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع أمس، بعد يوم من اشتباكات دموية. كما بدأت نقابات واتحادات مهنية، أمس، تنفيذ «العصيان المدني» الذي وعدت به.
وقال البرهان، في أول مؤتمر صحافي يعقده بعد الإعلان عن سيطرة الجيش على السلطة، إن جيشه لم يكن أمامه سوى إبعاد السياسيين الذين يحرضون على القوات المسلحة. وقال إن «المخاطر التي شهدناها في الأسبوع الماضي كان من الممكن أن تقود البلاد إلى حرب أهلية».
وقال البرهان إن حمدوك الذي اعتقل أول من أمس الاثنين مع عدد من أعضاء الحكومة لم يصبه أذى وإنه موجود في بيت الضيافة بمقر القوات المسلحة.
وقال: «حمدوك ضيف في منزلي وليس معتقلاً، وسيعود لبيته بعد هدوء الأمور... حمدوك في منزلي لحمايته من قيود فرضتها عليه قوى سياسية».
وحل البرهان يوم الاثنين المجلس السيادي الذي تشكل لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين، وحل الحكومة وحكام الولايات ووكلاء الوزارات. ووعد البرهان أمس بتشكيل مجلس سيادي جديد، وحكومة مكونة تكنوقراط، من الكفاءات، خالية من الأسماء الحزبية.
وطالبت صفحة مكتب حمدوك على «فيسبوك»، بإطلاق سراحه وإطلاق سراح الزعماء المدنيين الآخرين. وقالت إن حمدوك ما زال «القيادة التنفيذية التي يعترف بها الشعب السوداني والعالم». وأضافت أن البديل هو احتجاجات الشوارع والإضرابات والعصيان المدني.
واعترف البرهان بقيام سلطات الأمن السودانية بتوقيف بعض السياسيين والوزراء وقال: «صحيح اعتقلنا البعض وليس كل السياسيين أو كل الوزراء، ولكن كل من نشك في أن وجوده له تأثير على الأمن الوطني». وأكد أن العسكريين «ملتزمون بإنجاز الانتقال بمشاركة مدنية»، مشيراً إلى أن مجلس السيادة «سيكون كما هو في الوثيقة الدستورية ولكن بتمثيل حقيقي من أقاليم السودان».
وقال البرهان إن ما قام به الجيش لا يعد انقلاباً في الوقت الذي يقوم فيه بتصحيح عملية الانتقال السياسي. وقال: «تعهدنا للمجتمع الدولي بأننا سنقوم بحماية عملية الانتقال في السودان... الحكومة المقبلة ستكون حكومة كفاءات، لن تشارك فيها قوى سياسية... ما جرى ليس انقلاباً». وأضاف: «لا نريد وصاية من أحد... ونعرف كيف ندير السودان». وعن حالة الطوارئ قال البرهان إنها سترفع تدريجياً بمجرد إتمام تشكيل مؤسسات الدولة، وتعهد بتشكيل حكومة تمثل كل الولايات، ولن تشارك فيها القوى السياسية».
وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجات في مدن الخرطوم الثلاث، وعطبرة ودنقلا والأبيض وبورتسودان. وردد المشاركون فيها هتافات تطالب السودانيين بألا يوالوا الجيش وتقول لهم إنه لن يحميهم.
وشهدت الخرطوم وأم درمان المدينة الواقعة على الضفة المقابلة من النيل إغلاقاً جزئياً وتصاعدت أعمدة الدخان من الأماكن التي أشعل فيها محتجون النار في إطارات السيارات. وأمكن سماع الدعوة إلى الإضراب العام عبر مكبرات الصوت في المساجد. وأُغلقت الطرق إما بجنود الجيش أو بحواجز أقامها المحتجون.
وقال مسؤول بوزارة الصحة إن سبعة أشخاص قتلوا في اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن أول من أمس الاثنين. وشنت سلطات الأمن موجة من الاعتقالات، وصفها تجمّع المهنيين السودانيين، أحد المحركين الأساسيين للانتفاضة التي أسقطت البشير، بأنها «انقلاب». وفي بيان على «تويتر»، دعا التجمع إلى «المقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم». وقال: «لن يحكمنا العسكر والميليشيات. الثورة ثورة شعب... السلطة والثروة كلها للشعب». كذلك، دعت نقابة الأطباء ونقابة المصارف إلى عصيان مدني ومنذ صباح الاثنين، انقطع الإنترنت بشكل واسع عن البلاد، وتوجد صعوبة بالغة في إجراء مكالمات هاتفية. وتم تعليق جميع الرحلات من وإلى مطار العاصمة السودانية الخرطوم، بحسب ما أعلن إبراهيم عدلان مدير الطيران المدني لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال عدلان: «تم تعليق جميع الرحلات الجوية القادمة والمغادرة من مطار الخرطوم حتى يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) بسبب الظروف التي تمر بها البلاد» في إشارة إلى انقلاب العسكريين على شركائهم المدنيين في الحكم وانفرادهم بالسلطة واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والعديد من وزراء حكومته ومن السياسيين الاثنين.
يقع مطار الخرطوم في وسط العاصمة السودانية حيث يغلق المتظاهرون والجنود معظم الطرق بالحجارة وإطارات السيارات المشتعلة. ويفصل سور حديدي المطار عن الشوارع الرئيسية للخرطوم.
في هذا السياق نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة والإعلام السودانية على موقع «فيسبوك» بياناً أمس، يفيد بانشقاق سفراء السودان في فرنسا وبلجيكا وسويسرا وإعلان رفضهم الانقلاب. وصل عددهم في وقت لاحق إلى 12 سفيراً.
وقال البيان الذي نقلته صفحة الوزارة عن السفراء: «ندين بأشد العبارات الانقلاب العسكري الغاشم على ثورتكم المجيدة... وندعو الدول والشعوب المحبة للسلام إلى رفض الانقلاب ونعلن انحيازنا التام إلى مقاومتكم البطولية التي يتابعها العالم أجمع ونعلن سفارات السودان لدى فرنسا وبلجيكا وسويسرا سفارات للشعب السوداني وثورته». وأكدت رابطة سفراء السودان أنها «ترفض وبحزم أي عمل انقلابي يهدف إلى تعطيل المسيرة الانتقالية لتحقيق الحكم المدني والديمقراطية في البلاد».
وكانت رابطة سفراء السودان أكدت في بيان أنها «تقف بين صفوف منظمات الحرية والتغيير المهنية والنقابية والحزبية لإعلان الإضراب السياسي العام في كل مرافق الدولة حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها».
وتسلم الجيش السلطة بعد أن أطاح في أبريل (نيسان) 2019 نظام البشير الذي حكم السودان أكثر من ثلاثين عاما بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهوراً. لكن الاحتجاجات الشعبية تواصلت مطالبة بسلطة مدنية وتخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى.
في أغسطس (آب) 2019، وقّع العسكريون والمدنيون في ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقاً لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً. وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين (مجلس سيادة يرأسه عسكري، وحكومة يرأسها مدني)، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية.
وحصلت محاولة انقلاب في سبتمبر (أيلول) تم إحباطها، لكن المسؤولين قالوا على أثرها إن هناك أزمة كبيرة على مستوى السلطة. وبرزت إثر ذلك إلى العلن الانقسامات داخل السلطة، لا سيما بين العسكريين والمدنيين.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.