البيت الأبيض: ندرس أدوات للرد على «انقلاب» السودان

غضب أميركي وشعور بـ«الإهانة»... وغوتيريش يطالب بـ«ردع وباء الانقلابات»

مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحافي أمس (رويترز)
مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحافي أمس (رويترز)
TT

البيت الأبيض: ندرس أدوات للرد على «انقلاب» السودان

مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحافي أمس (رويترز)
مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مؤتمر صحافي أمس (رويترز)

قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، إن إدارة بايدن تدرس خيارات لمختلف الأدوات الاقتصادية المتاحة لها للرد على الانقلاب العسكري في السودان، وإنها على اتصال وثيق مع دول الخليج. وأوضح سوليفان، خلال مؤتمر صحافي أمس (الثلاثاء)، أن الإدارة الأميركية على اتصال وثيق مع القادة الإقليميين ودول الخليج، قائلاً: «إننا ننسّق عن كثب لإرسال رسالة واضحة إلى الجيش في السودان بأنه يتوجب عليه وقف أي عنف ضد المدنيين الأبرياء، وإطلاق سراح المعتقلين والعودة إلى المسار الديمقراطي». وأضاف: «سنواصل التنسيق مع جميع أصحاب المصلحة الذين نعتقد أن لهم نفوذاً في الخرطوم».
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية بياناً شديد اللهجة حول الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن السودانية، بما في ذلك اعتقال المسؤولين واحتجاز رئيس الوزراء». ولم يستخدم مستشار الأمن القومي الأميركي لفظ «انقلاب» لتوصيف التحركات العسكرية التي قام بها القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق عبد الفتاح البرهان، واستخدم لفظ «انتكاسة للمسار الانتقالي الديمقراطي» مشيراً إلى رفض الولايات المتحدة الخطوات التي اتخذها البرهان. وقال: «نحن نؤمن بأهمية انتقال السودان إلى الحكم المدني الديمقراطي، ومن وجهة نظرنا أن هذه الإجراءات غير مقبولة على الإطلاق وتتعارض مع الإعلان الدستوري، والأهم أنها تتعارض أيضاً مع تطلعات الشعب السوداني».
ولمح سوليفان بخيارات اقتصادية للضغط على الخرطوم قائلاً: «سنلجأ إلى أدوات تتعلق بمساعدتنا الاقتصادية للسودان وسننظر في النطاق الكامل لهذه الأدوات الاقتصادية المتاحة لنا بالتنسيق والتشاور مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدول الرئيسية الأخرى للتأكد من أننا ندفع العملية السياسية في السودان في اتجاه إيجابي بعد هذه الانتكاسة الكبيرة والمثيرة للقلق». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، مساء الاثنين، تعليق 700 مليون دولار من المساعدات الأميركية المخصصة لدعم التحول الديمقراطي في السودان.
كما أكد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، الذي غادر السودان عشية وقوع الانقلاب، قلق واشنطن الشديد، وذلك بعد أيام من اجتماعاته مع المسؤولين في الخرطوم في محاولة لحل الأزمة المتفاقمة بين القادة المدنيين والعسكريين. وقال، في حديث على قناة «سكاي نيوز»، إنه غادر الخرطوم وهو مطمئن بأن «الفريق البرهان قد وعده بالالتزام الكامل بما اتفقنا عليه، وبالتمسك بالتحول المدني الديمقراطي، لكن اتضح أن البرهان كذب عليّ وكذب على الشعب السوداني». وأضاف أن ما حدث من الجيش «مخالف للإعلان الدستوري والتطلعات الديمقراطية للشعب السوداني، لذلك فإنه غير مقبول على الإطلاق». وحذر من أن «أي تغييرات في الحكومة الانتقالية بالقوة ستعرّض المساعدة الأميركية للسودان إلى الخطر».
وهدد السيناتور الديمقراطي كريس كونز، بقطع جميع المساعدات الأميركية إلى السودان إن لم تتم «إعادة بسط سلطة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الكاملة بشكل تام»، مذكراً بدوره كرئيس للجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ التي توافق على إقرار المساعدات الخارجية، فغرّد قائلاً: «لقد كافحت لتقديم مساعدات جديدة للسودان لدعم العملية الانتقالية في البلاد باتجاه الديمقراطية والحكم المدني التام. المساعدات ستتوقف إن لم تتم إعادة بسط سلطة الحكومة الانتقالية». كما قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ميننديز، إن سيطرة الجيش على السلطة ستكون لها عواقب طويلة الأمد على العلاقات الأميركية السودانية.
وتسارعت منذ أول من أمس ردود الفعل الدولية المنددة بتولي الجيش السلطة في السودان، وتعطيل مسيرة التحول المدني الديمقراطي، وحل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، واعتقاله مع عدد من وزرائه وقيادات سياسية في البلاد.
من جانبه، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس، القوى الكبرى في مجلس الأمن اتخاذ مواقف موحدة لـ«ردع» ما سمّاه «وباء الانقلابات»، في إشارة إلى رد فعله على التطورات الأخيرة في السودان، داعياً القادة العسكريين إلى إطلاق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك «فوراً».
وكرر الأمين العام للمنظمة الدولية أمس أنه «يندد بشدة مرة أخرى بالاستيلاء العسكري بالقوة على السلطة في السودان»، داعياً كل أصحاب المصلحة إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس»، وإلى «إطلاق رئيس الوزراء والمسؤولين الآخرين الذين اعتُقلوا بشكل غير قانوني على الفور». ورأى أن السودان «حقق إنجازات مهمة لا يمكن عكسها»، مضيفاً أنه «من الضروري إعادة كل الترتيبات والمؤسسات الانتقالية على النحو المحدد في الوثيقة الدستورية». ورأى أن «الشراكة المدنية العسكرية أمر بالغ الأهمية».
واستطرد غوتيريش: «نشهد الآن تكاثر الانقلابات»، عازياً ذلك إلى «وجود انقسامات جيوسياسية قوية»، وإلى «حقيقة أن مجلس الأمن يواجه الكثير من الصعوبات في اتخاذ تدابير قوية»، فضلاً عن «تأثير فيروس (كوفيد – 19) ومشكلاته والصعوبات التي يواجهها الكثير من البلدان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية». ورأى أن «هذه العوامل الثلاثة تخلق بيئة يشعر فيها بعض القادة العسكريين بأنهم يتمتعون بالإفلات التام من العقاب». وناشد القوى الكبرى أن «تلتقي من أجل وحدة مجلس الأمن والتأكد من وجود ردع فعال فيما يتعلق بوباء الانقلابات»، مضيفاً: «رأينا أن الردع الفعال غير موجود اليوم. رأينا ذلك في ميانمار وشاهدناه أيضاً في الكثير من المواقع الأفريقية».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.