ثاني هجوم مسلح في إسطنبول خلال يومين.. والحكومة تتعهد بملاحقة «قوى الظلام»

قتل شخص أمس عندما أطلقت قوات الأمن التركية النار على مسلحين اثنين حاولا مهاجمة مقر قيادة الشرطة في إسطنبول.
يأتي ذلك غداة وفاة مدع عام احتجزه مسلح أول من أمس في محكمة بإسطنبول، وأصيب بجروح خلال محاولة قوات خاصة تحريره.
وفي واقعة أمس قتل أحد المهاجمين في الاشتباك وفر الآخر، بحسب ما أوردت وكالة «دوغان» للأنباء. وأصيب شرطيان بجروح، بحسب الوكالة.
بدورها، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن المهاجم الذي قتل كان يحمل قنبلة، إلا أنه لم يتم تأكيد ذلك على الفور.
من ناحية ثانية، قال وزير العدل التركي أمس إن الشخصين اللذين احتجزا ممثلا للادعاء رهينة في إسطنبول أول من أمس «صوبا سلاحا إلى الأمة» وتعهد بملاحقة «قوى الظلام» المسؤولة عن الحادث بعد مقتل الثلاثة في محاولة إنقاذ نفذتها الشرطة.
وكان عضوان في «جبهة التحرير الشعبية الثورية» اليسارية المحظورة قد احتجزا ممثل الادعاء محمد سليم كيراز، 46 عاما، الذي يقود التحقيقات في وفاة الفتى بركين علوان (15 عاما)، في مارس (آذار) من العام الماضي بعدما ظل في غيبوبة لمدة 9 أشهر في أعقاب إصابته في الرأس بعبوة غاز في احتجاجات مناهضة للحكومة في 2013. وقالت «جبهة التحرير الشعبية الثورية» على موقعها الإلكتروني إن عملية احتجاز الرهينة جاءت انتقاما لمقتل علوان.
وقال وزير العدل كنعان أيبك، للمشيعين في جنازة كيراز التي حضرها مئات المحامين والقضاة: «لا نرى هذا هجوما على ممثل الادعاء الراحل، بل على منظومة العدالة بأسرها. إنه سلاح صوب إلى الأمة»، حسب وكالة «رويترز». وبينما وضع نعش كيراز ملفوفا بالعلم التركي في بهو مبنى إحدى المحاكم، قال الوزير: «دولتنا قوية بما يكفي لملاحقة أولئك الذين يقفون خلف هؤلاء المجرمين.. يجب ألا يجعل مقتل هؤلاء، القوى الشائنة والظلامية تشعر بالارتياح».
وقال محام من بين المشيعين اكتفى بذكر الاسم الأول شربل، 49 سنة، إنه كان يتعين أن يحظى ممثل الادعاء بحماية أمنية أفضل. وأضاف: «ربما كان على الشرطة التفاوض مع الخاطفين وقتا أطول».
وذكرت وسائل إعلام محلية أن متعاطفين مع «جبهة التحرير الشعبية الثورية» اشتبكوا مع الشرطة ليلة أول من أمس في اثنين من أحياء مدينة إسطنبول. واقتحمت قوات مكافحة الإرهاب منازل عدد من أعضاء الجبهة المشتبه بهم واحتجزت أكثر من 20 في 3 بلدات. وقال موقع اتحاد يساري على الإنترنت إن شرطة مكافحة الشغب احتجزت 36 طالبا في جامعة إسطنبول بعد تعليق لافتات تحمل صورة أحد محتجزي ممثل الادعاء في كلية الحقوق.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو للصحافيين في إسطنبول: «ندرك أننا نواجه محورا للشر، وهناك محاولة لإشاعة مناخ من الفوضى قبل الانتخابات العامة في يونيو» (حزيران) المقبل.
وفي تعليق على حسابه بموقع «تويتر»، قال نائب رئيس الوزراء، أمر الله ايسلر، إن محتجزي الرهينة على صلة بجماعات حرضت على العنف أثناء اضطرابات 2013 التي أصيب فيها علوان.
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد وصف، عندما كان رئيسا للوزراء، علوان في السابق بأنه «بيدق الإرهابيين».
وتشكلت «جبهة التحرير الشعبية الثورية» اليسارية في نهاية السبعينات، وكانت وراء سلسلة اغتيالات وتفجيرات انتحارية منها هجمات قاتلة على السفارة الأميركية. وتستهدف أيضا الشرطة التركية بشكل متكرر. وتدرج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا الجبهة على قائمة المنظمات الإرهابية.
من ناحية ثانية، دارت تساؤلات في تركيا أمس عن الأسباب التي ما زالت غامضة وراء العطل الكهربائي الضخم الذي سبب خللا كبيرا أول من أمس وأربك الحكومة. وتعطلت شبكة المترو والترامواي وشهدت حركة السير ازدحاما خانقا وشل النشاط الاقتصادي جراء ذلك.. فباستثناء بعض المحافظات في شرق البلاد التي تستورد الكهرباء من إيران، شهدت الحركة في البلاد تباطؤا نهار أول من أمس.
ورغم أنه لم يتسبب بأي حادث، فإن انقطاع التيار الكهربائي الأكبر في البلاد منذ 15 عاما، أثار استياء لدى الأتراك؛ ففي إسطنبول التي يقطنها أكثر من 15 مليون نسمة، غرقت بعض الأحياء في الظلام لمدة 10 ساعات.
ووفقا لتقديرات غرفة التجارة في أنقرة فإن تكلفة العطل تبلغ مليار ليرة (360 مليون يورو) بالنسبة للاقتصاد التركي الذي أكد تباطؤه مع نشر أرقام مخيبة أول من أمس تشير إلى معدل نمو بنسبة 2.9 في المائة لعام 2014.
وتم التداول بعدة تبريرات أول من أمس؛ من القرصنة المعلوماتية، إلى سلسلة أعطال تقنية، مرورا بتعرض الشبكة للتخريب التي تمت خصخصتها منذ 2010، أو عملية «إرهابية». وذكرت وسائل إعلام أمس السيناريو الأكثر مصداقية وهو توقف متعاقب لعدة محطات لتوليد الكهرباء بدأ في غرب البلاد قد يكون أثر على مجمل الشبكة في تركيا. ولم تعط السلطات المحرجة أي تفسير حتى الآن. وقال رئيس الوزراء أمس: «التحقيق لا يزال جاريا». ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله: «ليست هناك حتى الآن أي نتيجة واضحة»، مشيرا مرة أخرى إلى فرضية العمل «الإرهابي».
وقبل شهرين من الانتخابات التشريعية، كان العطل موضع ترحيب لدى خصوم النظام الذين سخروا من طموحه بإقامة «تركيا جديدة» منذ وصوله إلى السلطة في 2002. وكتب أرتورول أوزكوك في افتتاحية في صحيفة «حرييت»: «انهارت الدولة (...) المصباح الكهربائي الذي انطفأ أمس (الثلاثاء) في كل أنحاء البلاد هو مصباح الحزب الواحد». وقال يوسف حلقاوغلو النائب عن حزب العمل القومي (يمين) إن «مصباح السلطة انطفأ، وهذه المرة نهائيا» في إشارة إلى المصباح الكهربائي الذي هو رمز حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وطوال أول من أمس انصب الغضب على الحكومة في مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت دعوة لمقاطعة الاقتراع التشريعي.
ويريد إردوغان الذي انتخب رئيسا في أغسطس (آب) الماضي وتولى رئاسة الوزراء لـ11 عاما، الفوز بـ400 من مقاعد البرلمان الـ550. وسيحتاج إلى غالبية الثلثين لإصلاح الدستور وترسيخ صلاحيات رئيس الدولة. ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، لا يتوقع أن يبلغ حزب العدالة والتنمية هذه النسبة.
ورأى سيزغين تنريكولو، المسؤول في الحزب المعارض الرئيسي، ساخرا من العطل الكهربائي، تجربة، متهما النظام بـ«التمهيد لانقطاع مماثل مساء الانتخابات للقيام بعمليات غش على نطاق واسع». وبعيدا عن الجدل السياسي، كشف هذا الحادث هشاشة تركيا في مجالي أمن موارد الطاقة والاستعداد لمواجهة كوارث طبيعية. وقال حقان شيليك المقدم على قناة «سي إن إن ترك» إن «انقطاع التيار أظهر أن تركيا غير مستعدة لمواجهة الكوارث». وآخر انقطاع كبير للتيار الكهربائي حصل عندما تعرض شمال غربي تركيا في 1999 لزلزال قوي أوقع 20 ألف قتيل. وتنوي تركيا التي تستورد القسم الأكبر من موارد الطاقة من روسيا وإيران، بناء 3 محطات نووية بقوة 5 آلاف ميغاواط ستؤمن 8 في المائة من حاجاتها من الطاقة الكهربائية في 2020، و20 في المائة في 2030. وقال إردوغان أول من أمس: «ستمضي تركيا قدما بمشروعها النووي».