موعد جديد لمحاكمة متهم بقتل صحافي ومصور بالبصرة

تجدد المطالبات بمحاسبة المتورطين في دماء «الحراك»

TT

موعد جديد لمحاكمة متهم بقتل صحافي ومصور بالبصرة

حددت السلطات القضائية في محافظة البصرة الجنوبية، أمس الاثنين، مطلع الشهر المقبل موعداً جديداً لمحاكمة حمزة وهيب المتهم بقتل المراسل الصحافي أحمد عبد الصمد وزميله المصور صفاء غالي؛ اللذين اغتيلا مطلع عام 2020 خلال قيامها بنقل أحداث المظاهرات الاحتجاجية في البصرة.
ويأتي تأجيل موعد المرافعة غداة الذكرى الثانية لاحتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بعد انطلاق موجتها الأولى مطلع الشهر وتوقفها لأكثر من 3 أسابيع. وقال عبد الباسط عبد الصمد، شقيق الصحافي المغدور أحمد عبد الصمد، الذي حضر المرافعة القضائية أمس، لـ«الشرق الأوسط»: «القضية معقدة جداً، ولدينا شكوك حولها. لا نستطيع التأكد مما يجري، فأجهزة الأمن ألقت القبض على المتهم منذ أشهر طويلة وما زلنا نراوح في المكان ذاته». وأضاف أن «المتهم اعترف بوجوده مع المجموعة أثناء تنفيذ عملية الاغتيال، وسبق أن اعترف بالقتل، لكن تراجع عن ذلك أمام القاضي، ونفى اشتراكه فيها، واتهم المتهم الهارب أحمد طويسة بتنفيذ علمية الاغتيال، لكن القاضي عدّ أن ذلك غير كاف لإسقاط التهمة عنه، وأمر بمتابعة المرافعة، بداية الشهر المقبل، وفق المادة (4 إرهاب)».
ورأى أن «المشكلة في الأحكام التي تصدر عن المادة (4 إرهاب) أنها لا تؤدي بالضرورة إلى الحكم بالإعدام على الشخص المتهم، فنحن نعلم أن بعض المتهمين بقضايا (العشائرية) توجه إليهم التهم وفق المادة نفسها».
ويؤكد عبد الباسط أن «المتهم اعترف أن أحمد طويسة استند إلى فتوى رجال دين إيرانيين في عملية الاغتيال».
وتابع: «رغم تأخر موعد المحاكمة وتأجيلها إلى الشهر المقبل بعد أن كانت محددة في 11 من الشهر الحالي، فإن الجهات التحقيقية ترفض إطلاعنا على أي إفادة من إفادات المتهمين الأربعة الذين اعترفوا بقتل أحمد وصفاء، وتبقي التحقيقات سرية لغاية اليوم». ونظم ذوو الضحيتين، أحمد عبد الصمد وصفاء غالي، صباح أمس، وقفة أمام محكمة استئناف البصرة لمطالبة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالإيفاء بوعده وجعل محاكمة قاتليهما علنية وألا تخضع لأي ضغوطات من أي جهة ينتمي إليها المتهمون. وطالبت والدة أحمد عبد الصمد خلال الوقفة بـ«القصاص العادل بحق قتلة ابني أمام الرأي العام؛ لأنه لم يقترف أي ذنب سوى نقل معاناة المواطنين وإيصال أصواتهم ودفع حياته ثمناً له».
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمر في فبراير (شباط) الماضي، باعتقال «عصابة الموت» التي نفذت عملية اغتيال عبد الصمد وغالي والناشطة جنان الشحماني.
وبالتزامن مع تحديد موعد المحاكمة ومع الذكرى الثانية لاحتجاجات أكتوبر، خرجت مظاهرات استذكارية في أكثر من محافظة، ركّز خلالها المتظاهرون على ضرورة محاسبة المتورطين في دماء الناشطين، حيث طالبت «تنسيقية المظاهرات» في محافظة ميسان الجنوبية، أمس الاثنين، بالكشف عن مصير قضايا قتل المتظاهرين والناشطين في المحافظة، التي يبلغ عددها أكثر من 20 قضية، تنوعت بين دعاوى قتل وشروع في القتل، طبقاً لبيان أصدرته «التنسيقية». وقالت التنسيقية في بيان: «نجدد مطالبتها ببيان مصير هذه الدعاوى، وأن المتظاهرين لن يحيدوا عن مطالبهم الرامية للقصاص من مرتكبي جرائم القتل والاغتيال بحقهم».
وكان العنف المفرط الذي واجهت به القوات الأمنية المتظاهرين أسقط ما لا يقل عن 700 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح؛ بحسب بيانات رسمية.
من جهة أخرى، أصدر «المجلس التشاوري لقوى تشرين»، أمس، بياناً بمناسبة الذكرى الثانية للاحتجاجات، وقال بيان المجلس؛ الذي يضم أكثر من 25 جهة واتحاداً وحزباً؛ ضمنها «الحزب الشيوعي العراقي» و«البيت الوطني» و«اتحاد الكتاب والأدباء في العراق»: «نحتفل هذه الأيام بالذكرى الثانية لـ(مأثرة 25 تشرين) التي استشهدت في خضمها كوكبة من أبطال الانتفاضة الباسلة، ضد نظام الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، المسؤول عن كل الخراب الذي حلّ بوطننا وشعبنا». وأضاف: «نؤكد أن دماءهم وتضحياتهم الكبرى من أجل التغيير لن تذهب سدى. وأن على قوى التغيير كافة تنسيق نشاطاتها وتوحيد جهودها، وتستخلص الدروس مما جرى، وتكشف الثغرات وتعالجها، كما أن عليها تنظيم وتعزيز صفوفها في مواجهة القوى المتنفذة، وما تمتلك من إمكانيات لا يستهان بها».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».