في عالم التصميم.. الموهبة مهمة لكن صقلها بالدراسة أهم

صناع الموضة يتسلحون بالعلم أولا وأخيرا

من تصاميم إيلي صعب و من تصاميم إيلي صعب و العارضة إيدي كامبل تدرس تاريخ الفن في جامعة لندن
من تصاميم إيلي صعب و من تصاميم إيلي صعب و العارضة إيدي كامبل تدرس تاريخ الفن في جامعة لندن
TT

في عالم التصميم.. الموهبة مهمة لكن صقلها بالدراسة أهم

من تصاميم إيلي صعب و من تصاميم إيلي صعب و العارضة إيدي كامبل تدرس تاريخ الفن في جامعة لندن
من تصاميم إيلي صعب و من تصاميم إيلي صعب و العارضة إيدي كامبل تدرس تاريخ الفن في جامعة لندن

لو سألت أغلبية الناس، من جيل الأجداد تحديدا، عن أي شيء يتعلق بالموضة، ومن يمتهنها، سيكون رده مفاجئا وصادما: «من لا مهنة له، أو على الأصح من لم يتمكن من إكمال تعليمه». فهذا المجال بكل فروعه، من الحلاقة إلى خياطة الأزياء ووضع الماكياج، لم يكن يحتاج في البلدان الشرقية، وحتى عهد قريب، إلى شهادة أو دبلوم لممارستها، كما لم يكن يحتاج إلى وساطات بقدر ما يحتاج إلى قابلية للتعلم والقليل من الخبرة، وحتى هذه يمكن تعلمها خلال بضع أشهر بالممارسة.
هذا على الأقل ما كان البعض يعتقده، وما يمكن القول إن العمل به كان ساريا في بعض الأوساط الاجتماعية، وعلى رأسها المناطق الشعبية. منذ قرابة عقدين بدأت النظرة تتغير، وبدأت هذه المجالات الإبداعية تؤخذ بشكل جدي، مما شجع على افتتاح مدارس ومعاهد للتخصص فيها، شهدت إقبالا متزايدا من قبل شباب يتطلع إلى أن يحقق النجاح أو يحلق إلى العالمية بالموهبة والدراسة في الوقت ذاته. ما أدركه هؤلاء، والجيل التالي من الآباء، أن هذه المجالات يمكن أن تغني من جوع، في حال تمتع صاحبها بالموهبة وتفانى فيها، بدليل أن أسماء كثيرة بزغت وأصبحت لها سمعة طيبة فيها، مثل إيلي صعب، من دون حصر أسماء المصممين الغربيين، بحكم أن تاريخهم في هذا المجال أطول.
فقد عرف الغرب، منذ أكثر من قرن، أن أي مهنة تتعلق بالموضة، من عرض الأزياء إلى تصفيف الشعر ووضع الماكياج وغيرها، تتطلب ثقافة معينة وشخصية منفتحة على العالم حتى تستطيع أن تغرف من كل التأثيرات. وإذا كانت هذه الشخصية تتمتع بإحساس فني فطري، وتستطيع أن تلتقط التغيرات المحيطة بها وترجمتها، فهذا هو المنى، لأنها في هذه الحالة تحول الموضة إلى كتاب يوفر قراءة اجتماعية واقتصادية وحضارية للمجتمعات التي يعيشون فيها. ما لا يختلف عليه اثنان أن العديد من المصممين الكبار توجهوا إلى مجال الموضة من باب حبهم له، عازفين عن ممارسة وظائف أخرى، قد تكون مضمونة لكنها لا تشبع ذاتهم أو تنفس عن طاقاتهم الإبداعية، بينما توجه إليها البعض الآخر لحسهم التجاري مثل كوكو شانيل، أو لأن الظروف العائلية حتمت عليهم ذلك مثل ميوتشا برادا، التي ورثت الشركة عن أجدادها من دون أن ينتقص كل هذا لا من شانيل أو برادا، بل العكس، فقد برهنتا على قدرة فنية وتجارية تحسدان عليها.
وهذا يعني أن عدم الحصول على شهادة عالية لا يعني نهاية المطاف أو عدم القدرة على الإبداع، فهناك مصممون تعلموا من الخبرة، وحققوا النجاح بفضل الموهبة أولا، والتفاني والقدرة على التفاعل مع عصرهم ثانيا، وليس أدل على هذا من إيلي صعب. ففي بداية الثمانينات عندما قدم أول عرض أزياء رسمي له، لم تكن ظروف لبنان تسمح له بالدراسة والتخصص، كما يقول. كان عليه أن يعول على قدراته وموهبته لشد الاهتمام. لا يختلف اثنان على أنه أصبح ملهما للعديد من شباب العالم، بأسلوبه وعصاميته. ورغم ذلك يقدر إيلي صعب الدراسة ويشجع عليها، لأنها كما يقول مهمة في هذا العصر وجزء لا يتجزأ من الموهبة. إيلي صعب ذهب إلى أبعد من هذا بدعمه القوي للجامعة الأميركية اللبنانية (LAU) التي افتتحت قسما خاصا بتصميم الأزياء، وكل ما يتعلق بالموضة من قريب أو بعيد، بمعايير عالمية تغني من يريد التخصص في هذا المجال عن السفر إلى الخارج.
ما يعرفه إيلي صعب وأي متابع للموضة أن إيقاع الحياة أثر على اهتمامات الناس وميولهم وتطلعاتهم، وهو ما تعكسه تغيرات الموضة. فما كان يتم التعامل معه على أنه من الكماليات أصبح من الأساسيات في عصر يحتفل بالشكل والمظهر، ويعتبره عنصرا من عناصر النجاح في الحياة المهنية والشخصية على حد سواء. الآن لم تعد الموضة مهنة من لا مهنة له أو من لم يحقق مجموعا كافيا يؤهله لدخول الجامعات، بل هي صناعة تقدر بالمليارات في الغرب، وتوازي من حيث قيمتها صناعة السيارات في بريطانيا، مثلا. كل هذا يجعلها قطاعا اقتصاديا مهما لم يعد بالإمكان تجاهله أو تهميشه، وبالتالي يتطلب الاهتمام بالعاملين به وتثقيفهم للارتقاء به. فالموهبة تنفع صاحبها وتساعده على فرض نفسه في البداية، لكنها لا تلغي ضرورة صقلها بالعلم، أيا كان التخصص للاستمرار.
تقول زووي دراكيولي، وهي خبيرة أزياء وصاحبة شركة للعلاقات العامة، إن ما يعطي الانطباع الخاطئ عن العاملين في هذا المجال، تلك الصورة التي يعكسها بعضهم. صورة قد تكون سريالية وفانتازية في الظاهر، مع أنها في الواقع مجرد لعبة أقنعة، يحاول المصمم من خلالها «خلق صورة معينة في المخيلة وإقناع الناس بها لبيع اسمه ومن ثم منتجاته». وتشير إلى أن هذه الصورة مختلفة عندما لا تكون هناك كاميرات، فهي أكثر جدية لأن أغلب هؤلاء باتوا يعرفون أن المنافسة أصبحت أكثر شراسة، وأن البقاء لم يعد ممكنا سوى للأقوى. والقوي هنا هو الذي يتسلح بالثقافة والعلم، لأنهما يساعدانه على تلميع هذه الصورة من جهة، والتحضير للمستقبل من جهة ثانية في حال تغيرت الأوضاع في عالم يقوم أساسا على التغيير، ولا يرحم من يصيبه الوهن والضعف. هذا أمر طال العديد من العارضات أيضا من اللواتي اكتشفن أن أي شهادة علمية ضرورية لأنها تسندهن في المستقبل وتفتح لهن الأبواب لدخول مجالات أخرى، سواء كانت تجارية أو إبداعية، عندما تنتهي مدة صلاحيتهن فوق منصات العروض.
ونظرة سريعة إلى عالم الموضة في الغرب تشير إلى أن معظم المصممين، بمن فيهم مصممو الجيل السابق، لم يدخلوا المهنة من باب قلة الحيلة، إذ إن بعضهم إما ينحدرون من عائلات كبيرة، أو حصلوا على شهادات عالية، مثل ميوتشا برادا، ودايان فورتنسبورغ، وغيرهما، من الذين لم يكن أحد يتوقع منهم أكثر من الموهبة وحب المهنة، إلا أن خلفيتهم الثقافية ساعدتهم على ترسيخ أسمائهم أكثر. فهذه الثقافة تعكس، بشكل أو بآخر، فلسفتهم في التصميم، ومن ثم كيفية تعاملهم مع الأزياء كثقافة وفن وتجارة وليس كمجرد رغبة في مهنة تسلط عليها الأضواء، أو كما يتهيأ للبعض، طريق سريع لتحقيق الشهرة والمال ليتفاجأوا بأنها محفوفة بالصعاب كأي مهنة أخرى وربما أكثر، لأن قانون الغاب، أو البقاء للأقوى، هو الغالب فيها.
الطريف أن نظرة إلى تخصصات العديد من المصممين والعاملين في عالم الأزياء، تشير إلى أنها تخصصات ليست لها علاقة مباشرة بالموضة، إلا في حالات نادرة. فدايان فورتنسبورغ مثلا درست الاقتصاد في جنيف، وميوتشا برادا العلوم السياسية في جامعة ميلانو، وحصلت منها على شهادة الدكتوراه في عام 1970. المصممة اليوغوسلافية روكساندا إلينشيك درست الهندسة المعمارية والفنون التطبيقية في بلغراد، قبل أن تنتقل إلى لندن في عام 1999 لدراسة الموضة في معهد سنترال سان مارتن. توم فورد وماريا كاترانزو أيضا درسا الهندسة المعمارية، واعترفت هذه الأخيرة بأن ما دفعها للانخراط في هذا التخصص كان أنها سمعت أنه الأصعب ولا يتم قبول أي كان، فيه. كان هذا قبل أن تتوجه إلى لندن لدراسة التصميم في معهد سنترال سان مارتن وتتألق فيه. أما بالنسبة للعارضات، فنذكر إيما واتسون، وهي أيضا ممثلة ناجحة تخرجت مؤخرا في جامعة براون قسم الأدب الإنجليزي، والعارضة لورا بايلي التي درست وتعمقت في دهاليز اللغة الإنجليزية. أما العارضة البريطانية إيدي كامبل (23 عاما) التي تظهر في عروض مهمة مثل فالنتينو، شانيل، وسان لوران، فلا تزال تحاول الموازنة بين عروض الأزياء وبين دراستها لتاريخ الفن بجامعة لندن، وكأنها تقتدي بالعارضة ليلي كول التي تخرجت في جامعة كمبردج بشرف في التخصص نفسه.
في المقابل كانت العارضة أنوك ليبير تدرس الهندسة المعمارية في أنتويرب البلجيكية، قبل أن يقنعها كل من المصممين دريز فان نوتن وأوليفييه ثيسكينز بدخول مجال عرض الأزياء. وإذا كانت الدراسة سلاحا للمستقبل بالنسبة لبعض العارضات، فإنها، بالنسبة للعارضة السلوفاكية كينغا رازاق، التي تدرس حاليا العلوم الاجتماعية والسياسية بلندن «وسيلة أخرى للتنفيس عن طاقاتها الدفينة». فمهما اختلفت الأسباب والتخصصات تبقى الدراسة قاسما مشتركا بين معظم العاملين في صناعة الموضة.



2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
TT

2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»

ماثيو بلايزي يدخل دار «شانيل» (غيتي)

ربما يكون هذا التعيين هو الأهم لما تتمتع به الدار الفرنسية من أهمية. بلايزي الذي كان إلى عهد قريب مصمم دار «بوتيغا فينيتا» لن يخلف في الواقع فيرجيني فيارد، التي كانت اليد اليمنى للراحل كارل لاغرفيلد لعقود، فهي لم تكن سوى محطة توقفت عندها الدار الفرنسية لجس النبض والحفاظ على الاستمرارية. بلايزي كما يعرف الجميع سيخلف الراحل كارل لاغرفيلد نفسه، بكل ما يحمله هذا الاسم من قوة. لكن خبراء الموضة متفائلون، كون بلايزي أثبت نفسه في دار «بوتيغا فينيتا»، وخلال 3 سنوات فقط، حقّق لها نقلة مهمة. تعويذته كانت الحرفية في التنفيذ والتفاصيل، والابتكار في التصميم والألوان، الأمر الذي نتجت عنه منتجات حققت المعادلة بين الفني والتجاري التي راوغت العديد من أبناء جيله حتى الآن.

هادي سليمان يغادر «سيلين»

صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

قبل تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»، راجت شائعات بأن المنصب سيكون من نصيب هادي سليمان، لا محالة. لكن حتى الآن لم يُعلن المصمم عن محطته التالية، فيما عيّنت «سيلين» مايكل رايدر خليفة له في اليوم نفسه، وهو ما يجزم بأن المفاوضات كانت طويلة وشائكة بين الطرفين كما أشيع حينها. فالتخلي عن سليمان بعد 6 سنوات، لم يكن سهلاً، لا سيما وأنه ضاعف إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها هذا العام.

حيدر أكرمان في دار «توم فورد»

حيدر أكرمان مصمم «توم فورد» الجديد (غيتي)

تعيين حيدر أكرمان مديراً فنياً لدار «توم فورد» أثلج صدور الكثيرين من العاملين في قطاع الموضة، لما يتمتع به من احترام لأسلوبه الخاص في التفصيل والابتكار. كان من بين الأسماء التي طُرحت لتسلم مقاليد دار «شانيل» من فيرجيني فيارد، خصوصاً أن الراحل كارل لاغرفيلد وصفه في أحد تصريحاته بأنه «خليفته المثالي في (شانيل)». لكن يبدو أن كفة ماثيو بلايزي غلبت.

جوليان كلاوسنر مديراً فنياً لدار «دريس فان نوتن»

جوليان كلاوسنر المدير الفني الجديد لدار «دريس فان نوتن» (دريس فان نوتن)

أُعلن مؤخراً تولي البلجيكي جوليان كلاوسنر منصب المدير الإبداعي للدار بعد أشهر من التكهنات إثر استقالة مؤسسها دريس فان نوتن من منصبه في شهر مارس (آذار) الماضي. المؤسس برّر قرار التقاعد في سن الـ65، بأنه نابع أولاً من رغبة في أن يُفسح المجال لدماء جديدة وشابة، وثانياً في أن يتفرّغ إلى نشاطات وهوايات أجّلها طويلاً.

«فالنتينو» تودّع بكيولي وتستقبل ميكيلي

أليساندرو ميكيلي المدير الإبداعي الجديد لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

ربما يمكن استغناء دار «فالنتينو» عن بييرباولو بكيولي واستبداله بأليساندرو ميكيلي مصمم «غوتشي» السابق مفاجأة العام. فبييرباولو بكيولي محبوب من قبل خبراء الموضة ومتابعيها. عروضه كانت دائماً تثير العواطف والمشاعر، وليس أدل على هذا من دموع النجمة سيلين ديون وهي تتابع أحد عروضه في باريس. لكن المشاعر شيء والربح شيء آخر على ما يبدو بالنسبة للمجموعات الضخمة.

في أقل من أسبوع من خروجه، دخل أليساندرو ميكيلي، المعروف بأسلوب «الماكسيماليزم» الذي يدمج فيه الـ«فينتاج» بطريقة جريئة رآها البعض أنها لا تتناسب مع روح «فالنتينو» الرومانسية. لكن في عرضه الأول، قدّم تشكيلة أجمع الكل على أنها كانت إيجابية، على عكس التوقعات بأنه سيفرض أسلوبه الخاص ويمحي كل ما قبله، مثلما فعل في دار «غوتشي» سابقاً.

أوساط الموضة تُودّع ديفيد رين

المصمم الراحل ديفيد رين (موسكينو)

لم يمر سوى شهر فقط على تعيينه مديراً فنياً لدار «موسكينو»، حتى وافت المنية مصمم الأزياء الإيطالي ديفيد رين بعد تعرضه لمشكلة في القلب.

تعيينه خلفاً لجيريمي سكوت الذي غادرها في شهر مارس الماضي، كان خطوة مهمة في مسيرة الدار الإيطالية التي صرّحت بأن آمالاً كبيرة كانت معقودة عليه؛ نظراً لخبرته التي تمتد على مدى عقدين من الزمن عمل فيها في دار «غوتشي». كان لا بد من اتخاذ قرار سريع انتهى بتعيين أدريان أبيولازا مديراً إبداعياً جديداً لها.