صدمات ومواهب بعض أعظم الرسامات في التاريخ

الرسم كان ولا يزال ذكورياً إلى حد بعيد

من أعمال فريدا كاهلو
من أعمال فريدا كاهلو
TT

صدمات ومواهب بعض أعظم الرسامات في التاريخ

من أعمال فريدا كاهلو
من أعمال فريدا كاهلو

قالت الروائية راشيل كَسك (Cusk) مؤخراً لمحاورها، في حوار نُشر في مجلة «باريس ريفيو»: «لقد كتبت كثيراً حول الفن والفنانين، وتنامت لديَّ غيرة عميقة إلى حد ما تجاههم»، وأضافت أن «العمل خارج اللغة يبدو أنه الإسهام الأطول بقاء، غير أن الرسم كان -وما يزال- ذكورياً إلى حد بعيد؛ حكاية المرأة مع الفن التشكيلي بالغة القسوة». كتاب «المرآة ولوح الألوان»، وهو يرصد تاريخ تصوير الفنانات التشكيليات لذواتهن، يؤكد تلك القسوة البالغة.
في هذا الكتاب الصريح الذي ألفته جنيفِر هِغي (Higgie)، وهي ناقدة فنية أسترالية، تعاني كل فنانة من صدمة تغير حياتها؛ الرسالة التي لا مواربة فيها أن تلك النساء يحتجن للمعاناة لكي ينجزن أعمالاً فنية كبيرة، وأن الصدمة هي المكون الخيميائي الضروري لتحويل الموهبة إلى عبقرية.
لقد بنت هِغي كتابها في فصول تعتمد على الموضوعات، بدلاً من التسلسل الزمني: الفصل الأول هو «حامل اللوحة» (easel)، والأخير «عارية». وتبدأ بكاثارينا فان هيمِسِّن، وهي رسامة فلمنكية رسمت عام 1548 صورتها الشخصية الصغيرة التي يعتقد كثيرون أنها أقدم عمل لرسام من الجنسين يجلس عند حامل لوحة، وتنتهي بأليس نيل، الرسامة الأميركية التي توفيت عام 1984. وفي ختام الكتاب اقتباس من نيل: «إنك ترث العالم، وبطريقة ما تجد مكاناً فيه».
هل في الرسم «صوت أنثوي»؟ هل هناك مساوية في الرسم لتشارلوت برونتي أو جان ريس أو آني إيرنو؟ يقترح هذا الكتاب أن ذلك موجود، وأن ما يحدده هو «الانجراح» أو «المجروحية» (woundedness).
الفنانات المهمات اللاتي ثابرن في حرفتهن من 1548 فصاعداً حققن سمعتهن بالإيحاء الذكي أن أساليبهن تشبه أساليب مشاهير الفنانين في عصرهن؛ الفنانة الهولندية جودِث ليستر في القرن السابع عشر، مثلاً، حاكت أسلوب مواطنها الفنان فرانز هال بدقة تامة. وفي سلسلة الفنانات موضوع التناول هنا كانت الأكثر إبهاراً بأسلوب أنثوي أصيل هي فريدا كاهلو: عبرت لوحاتها عن أصالة لا يمكن إنكارها، ووعي جديد حديث بالعالم لا شبيه له على الإطلاق.
ولدت كاهلو في مكسيكو سيتي عام 1907. وتقول عنها هِغي: «أصيبت فريدا بالشلل وهي في السادسة من عمرها»، وحين بلغت الثامنة عشرة «كانت ضمن من تعرضوا لحادثة ضخمة: اصطدام ترام بحافلة كانت مسافرة عليها. وقد نتج عن الحادث كسر في عمودها الفقري وأضلاعها؛ ساقها التي ذبلت بسبب مرض الطفولة أصيبت بأحد عشر كسراً، وكتفها انخلع، وإحدى قدميها تحطمت. أجريت لها 32 عملية... إحدى ساقيها أصيبت بالغرغرينا فقُطعت». وفضلاً عن ذلك، تسبب لها زوجها دييغو ريفيرا بمعاناة عاطفية. تقول هِغي: «كانت علاقتهما شديدة الاضطراب، كانت علاقة عشق وغضب، وكانت لكليهما علاقات أخرى».
لكن كل ذلك لم يمنع كاهلو من الرسم. فبينما هي على سرير المرض، كانت تعلق مرآة فوق سريرها لكي ترسم نفسها، وتقول: «إنني أرسم لأنني وحدي. أنا الموضوع الذي أعرفه أكثر من غيره». ولقد كان «ثمة طاقة، قوة خارقة تقريباً، فيما يتصل بعملها يصعب التعبير عنها بالكلمات. لتلك الطاقة صلة بالاستعجال في علامات الرسم: الحاجة التي دفعتها لتحويل إعاقتها واضطرابها النفسي إلى جمال وديمومة».
وفي الفصل الخامس من كتاب هِغي، وعنوانه «العزلة»، تتحدث عن حياة وأعمال فنانتين تعنيان الكثير بالنسبة لي: هيلين شيرفبك المولودة في هلسنكي عام 1862، وغوين جون المولودة في هافرفوردويست في مقاطعة ويلز عام 1876. كلتا الفنانتين وجدت أسلوبها المميز بالانسحاب من العالم. على النقيض من كاهلو، يبدو انجراحهما نتيجة لفعل ذاتي. لكن ألم الحنين كان الوقود الذي دفع بهما إلى الأمام.
وقد رأيت أول معرض شخصي لأعمال شيرفبك في بريطانيا، في الأكاديمية الملكية للفنون، عام 2019، ولم أكن قد سمعت عنها من قبل. القاعة المهمة في العرض كرست للوحاتها التي رسمت بها نفسها. واللوحات المتأخرة من أكثر الاستكشافات الذاتية تميزاً على الإطلاق، سواء لرجل أو امرأة. أما اللوحات المبكرة، فساحرة لكنها تقليدية. شيء ما حدث بعد ذلك.
في تفسير هِغي، فإن شيرفبك بعد دراستها في باريس، حيث كانت سعيدة ناجحة، وسفرها إلى الخارج، عادت إلى فنلندا متقاعدة في نهاية المطاف في بلدة صغيرة في الريف لكي ترعى والدتها. وقد قامت برعاية والدتها ونفسها ببيع أعمالها الفنية، وحققت تدريجياً الاعتراف بها في عالم الفن الفنلندي. ثم وقعت بعد ذلك في حب «آينار رويتر الذي كان معنياً بالغابات، ورساماً، وكاتباً، وجامعاً للأعمال الفنية». وحين علمت أنه مرتبط بغيرها، مثل الخبر «صدمة أدت بها إلى البقاء ثلاثة أشهر في المستشفى لتتعافى».
وحين عادت إلى البيت، كان فنها قد تغير. تصف هِغي إحدى هذه اللوحات التي رسمت فيها نفسها: «خطوط نحيلة تجرح سطح اللوحة، وبعنف شديد حول عينيها. جسدها قاتم مثل ثقب... كما لو أنه لا توجد حدود بين بشرتها واللوحة. بسبب الألم، كانت تؤذي الصورة التي صنعتها لنفسها». وبعد وفاة أمها، مرضت شيرفبك مرة أخرى. ومع أنها صارت الآن مشهورة، لم تتمكن من التحكم بحزنها عن طريق الرسم وحده في العزلة، حين ماتت عام 1946. تقول هِغي: «كان حامل اللوحة إلى جانب سريرها مثل عائلة».
ولقد شعرت دائماً بالقرب الشديد من غوين (Gwen) جون، وأعمالها مألوفة لديَّ وبحميمية. طوال حياتها، كان على جون أن تجابه أخاها أغسطس جون الذي حقق في الرسم نجاحاً أكبر من نجاحها. ودرس كلاهما في مدرسة سليد للفن بلندن، وعاشا معاً حين كانا تلميذين. ولكن وجدت غوين أخاها متعجرفاً. وسعيها للتعرف على نفسها جاء نتيجة لحاجتها إلى التخلص من تأثيره. التغير جاء في لوحتين صورت فيهما نفسها.
في الأولى التي تعود إلى عام 1900، ترسم نفسها بيد موضوعة على وركها، وأصابعها تكاد تلمس مشبكها الذكوري، وتنظر مباشرة باتجاه من يراها نظرة تحدٍ. كانت ترسم مثل رجل، مثل أخيها. الطاقة في علامات الفرشاة تتدفق إلى الخارج، وليس إلى الداخل؛ لم تكن قد وجدت بعد الكثافة الهادئة التي ستحدد أعمالها الأخيرة.
وبعد عامين تقريباً، رسمت نفسها مرة أخرى؛ تعابيرها نائية مثل تمثال رأس على سفينة: إنها تقول إنها مستعدة لمواجهة أي شيء يلقيه العالم باتجاهها، لكنها لن تكون جزءاً من دائرة أي أسرة أو نادٍ للفن. كان أخوها قد تزوج مؤخراً صديقتها المقربة، وكان الزوجان قد أنجبا طفلاً. كانت جون تدرك أنها لكي تكون أماً عليها أن تتنازل، ولم تكن على استعداد لذلك. كانت ستختار العزلة والحرمان، بدلاً من ذلك. ونتيجة لما اختارته، صارت واحدة من أعظم الرسامات الروحانيات في التاريخ.
حين نصل إلى أليس نيل، المولودة عام 1900 في فيلادلفيا، فإنها ستبدو كما لو أنها تفتح دون عناء باباً بدا مقفلاً من قبل، محضرة معها احتمالات الحرية وخفة الظل. أما نصيبها من المأساة، فيعلم الله أنها تلقت نصيبها منه: ماتت بنتها بالدفتيريا قبل بلوغها العام، وزوجها اختطف ابنتها الثانية، فانهارت نتيجة ذلك وأُدخلت المستشفى. ثم جاءت علاقات مختلفة مع شركاء مضطربين عنيفين بعد تعافيها، وبعد مجيء ابنين ربتهما وحدها تقريباً في حالة من الفقر.
ومع ذلك، فإن روحها التي لا تُقهر تشع لتنتهي حياتها بانتصار. حين بلغت السبعين، طُلب منها أن ترسم الناقدة النسوية كيت ملّت (Millet)، مؤلفة كتاب «سياسيات جنسية»، لتكون اللوحة على غلاف مجلة «تايم»؛ جعلها ذلك مشهورة. وفي الرابعة والسبعين، تحدثت في «متحف وتني» في نيويورك عن ماضيها، وقالت إن تجربتها أقنعتها بأنه «كان من حقها أن ترسم». رسمت نفسها لأول مرة في الثمانين. رسمت نفسها عارية، وقالت: «مخيف، أليس كذلك؟... أحبها. إنها تظهر على الأقل ثورة ما على كل شيء محترم». لقد استطاعت نيل أن تجعل الانجراح يبدو بهجة.

* مراجعة لكتاب جينِفر هِغي «المرآة ولوح الألوان:
تمرد، ثورة، مرونة»



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.