تريبير: فوزي بأول بطولة في مسيرتي مع أتلتيكو مدريد سيظل خالداً في ذاكرتي

لم يكن المدافع الإنجليزي كيران تريبير يتخيل أن يحتفل بالفوز بأول بطولة في مسيرته الكروية في موقف للسيارات بالقرب من مدينة بلد الوليد. فداخل ملعب «خوسيه زوريلا»، سدد تريبير آخر كرة في موسم 2020 - 2021 في الدوري الإسباني الممتاز، حيث سدد الكرة في المقاعد الخالية وزأر كالأسد مع سماع صفارة حكم اللقاء بنهاية المباراة التي أعلنت فوز أتلتيكو مدريد بلقب الدوري الإسباني الممتاز. وخارج الملعب، كان هناك 3000 من مشجعي أتلتيكو مدريد احتشدوا معه للاحتفال بهذا الإنجاز الكبير بعدما قطعوا مسافة 195 كيلومتراً ليكونوا خارج ملعب هذه المباراة حتى وإن لم يتمكنوا من مشاهدتها من داخل الملعب بسبب الإجراءات المتّبعة لمكافحة فيروس «كورونا». لقد كان هذا هو اليوم الذي حقق فيه تريبير الهدف الذي جاء من أجله.
يقول تريبير: «في الأسابيع الأخيرة، كان بإمكانك سماع الجماهير وهي تهتف خارج الملعب. لقد كان الأمر غريباً لكنه لطيف أيضاً، حيث كنا نعرف أنهم معنا ويشجعوننا بكل قوة». وقد أدلى اللاعب الإنجليزي بهذه التصريحات وهو جالس في ملعب التدريب في صباح يوم مشمس في ملعب «سيرو ديل إسبينو». وفي ذلك اليوم على وجه الخصوص، أُقيم حفل مرتجَل للاحتفال بفوز أتلتيكو مدريد بلقب الدوري الإسباني الممتاز، وارتفعت الألعاب النارية في السماء وردد الجمهور المتحمس الأغاني، واختفى اللاعبون -الذين كانوا لا يزالون يرتدون ملابسهم الرياضية– بين المشجعين.
يقول تريبير: «كان هناك الآلاف من المشجعين. لكن بمجرد أن رأتنا الجماهير كاد الأمر يتحول إلى مذبحة. لقد كان هذا الأمر مفهوماً، لأن الإنجاز الذي حققه أتلتيكو مدريد كان ضخماً للغاية. لقد بدأ اللاعبون يركضون بسرعة، ولم يتمكن أحد من السيطرة على الوضع. لقد أعطاني أحد المشجعين علم إنجلترا وعليه صورة لي، ولففت هذا العلم على جسدي مثل القميص». ويضيف: «كانت رحلة العودة بالحافلة مجنونة، حيث كانت المشروبات تنهمر في كل مكان، وكان الجميع يغني، وكان المدير الفني دييغو سيميوني في كل مكان. إنه لا يهدأ أبداً، وبالتالي فعندما تراه هادئاً ومسترخياً فإنك تشعر بأن حملاً ثقيلاً للغاية قد أُزيل من على كاهلك. كانت أول مكالمة أجريها لزوجتي لكي أشكرها، وقد كسرتْ كل الحواجز وجاءت إلى هنا. لقد كانت هذه أول بطولة أفوز بها، لذلك كان الأمر سريالياً. وعندما عدت إلى المنزل، كان ابني الصغير يردد كلمات أغنية تقول إننا أصبحنا أبطالاً، وكانت هناك كعكة كبيرة وبالونات. هل تدرك ما حققناه: كنا قد فُزنا للتوّ بلقب الدوري الإسباني الممتاز».
وتجب الإشارة إلى أن ثلاثة إنجليز فقط هم من فازوا بلقب الدوري الإسباني الممتاز، لكن تريبير فعل ذلك مع أتلتيكو مدريد، الذي لا يفوز بالكثير من البطولات مثل برشلونة وريال مدريد. يقول تريبير: «ربما لم تسلط الأضواء عليَّ كما ينبغي، لكنني لست من نوعية اللاعبين الذين يبحثون عن الأضواء. فأنا أعرف جيداً ما أتيت لتحقيقه، ونجحت بالفعل في تحقيقه».
ولم يكن الفوز سهلاً، وقد اعترف سيميوني بأن «القلق كان موجوداً»، حيث نجا أتلتيكو مدريد بطريقة ما من الأسابيع الأخيرة القاسية خلال ذلك الموسم الصعب، كما كان متأخراً في النتيجة في الجولة الأخيرة وتمكن من تحقيق الفوز في نهاية المطاف. لقد سارت الأمور بشكل مثالي، حيث سجل المهاجم الأورغوياني لويس سواريز –الذي يصفه تريبير بأنه «أسوأ لاعب تلعب ضده على الإطلاق، لكنك تريده بالتأكيد في فريقك: لاعب رائع وشخص رائع»- الهدف الذي قاد الفريق للحصول على اللقب. ومع ذلك، يشير تريبير إلى أن الفريق كان بإمكانه تجنب هذه اللحظات الصعبة منذ البداية.
لقد بدأ أتلتيكو مدريد ذلك الموسم بقوة ووصل إلى منتصف الموسم ولديه 50 نقطة وكان يغرد في صدارة جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز بفارق أكثر من 10 نقاط عن أقرب منافسيه، لكن بعد ذلك تم إيقاف تريبير لمدة 10 مباريات لخرقه قواعد المراهنات في إنجلترا. وفي ظل غياب تريبير، تراجعت نتائج أتلتيكو مدريد وفقد الكثير من النقاط وبات الصراع على لقب الدوري مفتوحاً بعدما كان يبدو الأمر كأن أتلتيكو مدريد سيحسم اللقب بسهولة. واتضح أنه من الصعب للغاية أن يجد أتلتيكو مدريد بديلاً لتريبير المتألق، خصوصاً أنه كان قد لعب جميع الدقائق التي لعبها الفريق قبل إيقافه. وبمجرد انتهاء الإيقاف، عاد اللاعب الإنجليزي للمشاركة في التشكيلة الأساسية للفريق.
يقول تريبير: «لا أعرف ما إذا كان بإمكاني قول الكثير في هذا الأمر، لأنني لو تحدثت كثيراً فربما ينتهي بي المطاف بإيقافي مرة أخرى!» توقف تريبير عن الحديث للحظات، قبل أن يشير إلى أنه يشعر بالظلم، متسائلاً عن الضرر الذي وقع على الفريق -ليس فقط خلال المباريات التي لم يشارك فيها خلال فترة الإيقاف، وإنما من خلال الشعور بعدم الثقة. ويقول: «لقد كان قراراً قاسياً جداً على زملائي في الفريق. وعندما فوجئ الجميع بهذا القرار الغريب وغير المنطقي، ربما تساءل البعض عن الأسباب التي جعلتني لا أتحدث عن هذا الأمر. لكن الحقيقة هي أنني لم يكن مسموحاً لي بالحديث. أنا أفهم ما قاله المدير الفني، وشعرت بالتأكيد بأنني عالق في المنتصف، فقد كانت هناك أشياء يمكنني القيام بها، وأشياء أخرى لا يمكنني القيام بها».
لقد مُنع تريبير من «جميع أنشطة كرة القدم»، لدرجة أنه لم يكن متأكداً مما إذا كان يُسمح له بمشاهدة المباريات أم لا! يقول الظهير الأيمن الإنجليزي المتألق: «لقد كان الأمر برمّته غريباً. لقد تحدثت إلى المحامي الخاص بي وسألته عمّا إذا كان يمكنني الذهاب لمشاهدة المباريات من الملعب. إنني لم أكن أعرف ما الذي كان يحدث، ونفس الأمر ينطبق على النادي أيضاً. أعرف كم كان الأمر محبطاً للنادي، لكن كل ما كان يمكنني القيام به هو الاستماع إلى محاميّ، والحصول على أفضل النصائح، والقيام بكل شيء بشكل صحيح وتنفيذ قرار المنع».
ويضيف: «كنت أود الحديث بالتفصيل لكن لم يكن بإمكاني القيام بذلك. أشعر أنني كنت عالقاً في المنتصف، لكنني تحدثت إلى النادي وشرحت الموقف وما حدث. لقد كنت أشعر بأنني مدين للنادي وأنه يتعين عليّ تقديم مستويات قوية للغاية بمجرد أن أعود للمشاركة في المباريات. وكنت أتدرب بمنتهى الجدية كل يوم، وأقوم بتدريبات إضافية بعد نهاية التدريبات الأساسية. كان عليّ أن أبذل جهداً بنسبة 150% وليس 100%».
ويتابع: «كنت أعرف أنه عندما ينتهي الإيقاف، ستكون لدينا مهمة صعبة للغاية في نهاية الموسم، لأن ريال مدريد وبرشلونة كانا يلحقان بنا. لقد شعرت بمزيد من القلق لأنني شعرت بأنني كنت السبب في تراجع نتائج الفريق وتقلص فارق النقاط بيننا وبين المنافسين على اللقب. لقد ألقيت باللوم بالكامل على نفسي، لأنني كنت أعتقد أنني لو كنت أشارك في المباريات، لتمكنّا من تجاوز تلك الفترة الصعبة. بالتأكيد أعتقد أنني لو لم أتعرض للإيقاف لما فقدنا الكثير من النقاط ولما أصبحت المنافسة بهذه الشراسة في نهاية الموسم، لأننا كنا سنحسم الأمر مبكراً. لا تفهموني بشكل خاطئ، فقد لعب الفريق بشكل رائع، ولحسن الحظ أننا فزنا بلقب الدوري في نهاية المطاف».
ويوم الثلاثاء الماضي خسر أتلتيكو مدريد على ملعبه أمام ليفربول بثلاثة أهداف مقابل هدفين في دوري أبطال أوروبا، وسيلعب مباراته القادمة أمام الريدز على ملعب «آنفيلد»، وهو الملعب الذي قال تريبير إنه شهد من قبل ما سماها «مباراة غريبة، أهدر خلالها ليفربول نحو 100 فرصة» لكن أتلتيكو مدريد قاوم وحقق الفوز في نهاية المطاف. وكانت هذه المباراة التي يشير إليها تريبير هي أيضاً آخر مباراة يشاهدها الجمهور من الملعب قبل فترة الإغلاق وخوض المباريات من دون جمهور، بعدما أشار تقرير أولي حول تعامل حكومة المملكة المتحدة مع الوباء إلى أن إقامة تلك المباراة في ظل الحضور الجماهيري قد تسبب في 37 حالة وفاة غير ضرورية.
يقول تريبير: «إذا نظرنا إلى الوراء، فمن السهل أن نقول الآن إنه كان يجب أن تُلعب هذه المباراة من دون جمهور، لكننا لم ندرك مدى سوء الوضع آنذاك، ونحن كلاعبين وكأندية يتعين علينا أن نلعب وفقاً للإجراءات التي يتم اتخاذها».
أما بالنسبة لملعب «واندا ميتروبوليتانو»، فإن آخر مرة واجه فيها تريبيير ليفربول هناك كانت في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2019 عندما كان يلعب بقميص توتنهام. لقد حدث الكثير منذ ذلك الحين، حيث حصل على لقب الدوري الإسباني الممتاز مع أتلتيكو مدريد، ووصل إلى المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية مع إنجلترا، وحصل على شارة القيادة في المنتخب الإنجليزي، وهو الأمر الذي يفخر به كثيراً. يأتي هذا في ظل التقارير التي تشير إلى رغبة الكثير من الأندية الإنجليزية، وعلى رأسها مانشستر يونايتد، في التعاقد مع تريبير.
ويسير تريبير بشكل جيد، لكنه يعترف بأنه من الطبيعي أن يشعر اللاعب بحنين للعودة إلى وطنه، خصوصاً في وقت لاحق من مسيرته الكروية، ويقول: «كان هناك الكثير من التكهنات، وهذا هو الحال دائماً في وسائل الإعلام، لكنني كنت في تلك الفترة مع المنتخب الإنجليزي، وكان هذا هو تركيزي الوحيد. ثم عدت إلى مدريد مباشرةً للمشاركة في فترة الإعداد للموسم الجديد. لكني أحب أن ألعب في الدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى (ذات يوم). كنت أرغب في المجيء إلى هنا لأعيد مسيرتي الكروية إلى المسار الصحيح، وقد نجحت في القيام بذلك».
لقد رفض أتلتيكو مدريد أي إشارة للتخلي عن تريبير، وهو الأمر الذي يعكس أهمية اللاعب الإنجليزي للنادي الإسباني، لكن يبدو أن شيئاً ما قد تغير. خلال الموسم الماضي شارك تريبير في جميع المباريات المتاحة في الدوري الإسباني الممتاز ودوري أبطال أوروبا، ومن بين 36 مباراة، لعب 90 دقيقة في 32 مباراة. لكن خلال الموسم الجاري، شارك تريبير في التشكيلة الأساسية في مباراة واحدة من بين مباراتين لعبهما الفريق في دوري أبطال أوروبا، وخمس من ثماني مباريات في الدوري الإسباني الممتاز، وأكمل 90 دقيقة مرة واحدة فقط أمام فياريال. وأمام ميلان، خرج مستبدَلاً بعد 40 دقيقة، وأمام إسبانيول خرج بين شوطي المباراة، وأمام ألافيس في الدقيقة 59، وأمام خيتافي في الدقيقة 62، وأمام أتلتيك بلباو في الدقيقة 77.
ربما يعود السبب في ذلك إلى أن قائمة الفريق أصبحت أكبر من ذي قبل، كما أن تريبير كان من بين اللاعبين الذين عادوا في وقت متأخر لمعسكر الفريق بعد المشاركة مع منتخب بلاده، ويحاول سيميوني إيجاد مكان للاعبين المنضمين حديثاً للفريق، وهو ما يعني تشكيلات وأدواراً جديدة. وقد نجح ماركوس يورينتي، الذي تألق الموسم الماضي ناحية اليمين، في احتلال مكان تريبير، قبل أن يستبعده سيميوني من بعض المباريات أيضاً بسبب تراجع مستواه. لكن من الطبيعي أن يتساءل اللاعب الإنجليزي عمّا إذا كان هناك شيء أعمق، فليس من السهل استيعاب هذا التغيير الكبير.
يقول تريبير: «إنه أمر صعب. لكن لولا الإيقاف لشاركت في جميع مباريات الفريق الموسم الماضي. الأمر مختلف هذا الموسم، فقد تم استبدالي بعد مرور 50 دقيقة، لكن لا يمكنني فعل أي شيء، فهذا قرار المدير الفني، وكل ما يتعين عليّ القيام به هو أن أكون جاهزاً تماماً. أنا لا ألعب لمدة 90 دقيقة ولا أشارك في التشكيلة الأساسية، لكنّ هذا هو الواقع الآن».
لكن ماذا عن العلاقة بينه وبين سيميوني، الذي ليس لديه سوى قدر ضئيل من العاطفة؟ يقول تريبير: «لكن هذا هو السبب في أنه يحقق الفوز. العلاقة بيننا جيدة منذ وصولي إلى هنا. من الطبيعي أن تتغير العلاقة بين اللاعبين والمديرين الفنيين صعودا وهبوطا، فهذه هي كرة القدم وهو سيفعل أي شيء يمكّنه من تحقيق الفوز. انظر إلى سجله التدريبي، لقد نجح في الفوز بثمانية ألقاب في 10 سنوات. لقد تعلمت منه الكثير من الأمور التي ستفيدني كثيراً عندما أتجه للعمل في مجال التدريب».
إنه إعلان غير متوقع من جانب تريبير، لكن اللاعب الإنجليزي واضح تماماً في هذا الأمر، حيث يقول: «بالتأكيد، سوف أتجه للعمل في مجال التدريب بعد الاعتزال، وقد بدأت بالفعل اتخاذ خطوات في هذا الشأن. لقد تحدثت مع المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت، ومع المدير التقني للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، جون ماكديرموت. لقد بدأنا العملية بالفعل».
وكان من الواضح أن تريبير يتحدث بإعجاب كبير عن ساوثغيت، كأنه مصدر إلهام بالنسبة له. كما أشار تريبير إلى أنه تعلم الكثير أيضاً من ماوريسيو بوكيتينو وسيميوني وشون دايك، قائلاً: «لديّ مزيج جيد من الخبرات، لأنني تعلمت من هؤلاء المديرين الفنيين الثلاثة. أريد بالتأكيد أن أكون مديراً فنياً، وأن أعمل مع الفريق الأول لأحد الأندية وأن أستغل خبراتي وأعرض تجربتي. لا أريد أن أكون مديراً فنياً في الوقت الحالي، ولكن في المستقبل، مَن يدري؟ وفي نهاية مسيرتي الكروية، ربما يمكنني أن ألعب تحت قيادة شون دايك مرة أخرى، ثم أحصل على دور تدريبي معه، فهو مدير فني ممتاز».