موسكو: تفجير دمشق أثّر في اجتماعات جنيف

الأمم المتحدة تحقق في تقارير عن «تلاعب» الحكومة السورية بأموال المساعدات

TT

موسكو: تفجير دمشق أثّر في اجتماعات جنيف

قال مسؤول روسي إن التفجير في دمشق قبل أيام الذي قتل فيه جنود سوريون، أثر في أعمال الجولة السادسة للجنة الدستورية في جنيف، في وقت أعلنت الأمم المتحدة أنها «تراجع بعناية» تقارير تفيد بأن الحكومة السورية استغلت «التلاعب» بأسعار الصرف لتحويل ما لا يقل عن 100 مليون دولار من المساعدات الدولية لخزائنها.
ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن قائد فريق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية لسوريا فرانسيسكو غاليتيري الذي يقيم في دمشق، أن مكتبه تلقى أمس تقريراً حول الدراسة. وقال للوكالة: «نراجعه بعناية، وأيضاً نحن بصدد مناقشته علناً في الأسابيع المقبلة مع مانحينا الذين يشعرون بالقلق مثلنا من مدى تأثير المساعدات على الشعب في سوريا».
وقالت الوكالة إن الأمم المتحدة أقرت اليوم بأن «تقلبات أسعار صرف العملات كان لها (تأثير نسبي) على فاعلية بعض برامجها لا سيما منذ النصف الثاني من عام 2019 عندما انخفضت قيمة العملة السورية».
وقال معدو الدراسة التي نشرت الأربعاء إن حجم المساعدات المفقودة وتحويلها إلى خزائن الحكومة السورية نتيجة هبوط قيمة العملة الوطنية، يرجح أن يكون أكثر من 100 مليون دولار خلال العامين الماضيين.
وحسب الدراسة، فإن مصرف سوريا المركزي الخاضع لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، أكد لوكالات المساعدات الدولية استخدام سعره الرسمي للصرف، وهو نحو 1500 ليرة سورية للدولار، بينما يصل سعر الصرف في السوق السوداء لأربعة آلاف ليرة للدولار.
ووفقاً للدراسة فإن سعر الصرف الرسمي تغير منذ ذلك الوقت إلى نحو 2500 ليرة، ما يترك فجوة بأكثر من 30 في المائة، وهو ما تصفه بأنه «خسارة تلقائية بنحو ثلثي أموال المساعدات مقابل تحويل سعر الصرف».
وتقول الدراسة إن وكالات الأمم المتحدة حولت 113 مليون دولار في عام 2020 لشراء سلع وخدمات بالليرة السورية، أي تم تحويل نحو 60 مليون دولار من دولارات المانحين بسعر الصرف غير المرغوب وفقاً للدراسة. ووفقاً للدراسة فإن الدولارات الضائعة في 2019 تقدر بنحو 40 مليون دولار، ما يرفع التقدير الكلي إلى 100 مليون دولار.
على صعيد آخر، اعتبر ألكسندر لافرنتييف الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا أن «الهجوم الإرهابي في دمشق أثار قلق الأطراف في مناقشات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، لكن تم تذليل العقبات».
وقال: «كانت هناك مخاوف معينة الأربعاء الماضي، على الأرجح إثر الهجوم الإرهابي الذي وقع في دمشق وقتل 17 جندياً سورياً». وأضاف «لذا عادت الأطراف يوم الأربعاء إلى لغة الاتهامات المتبادلة، ولكن مع ذلك بفضل عمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن ومكتبه، تم التغلب على هذا الاتجاه السلبي وعادت اللجنة الدستورية يوم الخميس إلى المسار البناء».
وأكد لافرنتييف أن «مواقف أطراف اللجنة الدستورية السورية ما زالت متضاربة في كثير من القضايا».
من جهته، أكد المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن على أن «محادثات اللجنة الدستورية السورية في جنيف انتهت دون إحراز أي توافق حول المبادئ الدستورية الأربعة».
وأضاف «اجتماع اليوم كان خيبة أمل. لم نحقق ما أردنا إنجازه... افتقرنا للفهم السليم لطريقة دفع هذا المسار إلى الأمام... هذه الجولة لم توصلنا إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة حول أي من القضايا» الخلافية.
وقال أحمد الكزبري رئيس وفد الحكومة السورية إلى اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جنيف إن الوفد طرح خلال الجولة السادسة مبادئ تعكس طموحات الشعب السوري وهواجسه.
وأوضح أنه «تم الاستماع إلى الطروحات التي قدمها بعض المشاركين والتي كانت للأسف منفصلة عن الواقع بل إنها كانت تعكس في بعض جوانبها أفكاراً خبيثة وأجندات معادية إلى أن وصل الأمر بالبعض إلى تشريع كيان الاحتلال الصهيوني وتبرير ودعم الإجراءات القسرية أحادية الجانب غير المشروعة التي أدت إلى إفقار الشعب السوري وتعميق معاناته إضافة إلى تشريع الاحتلالين التركي والأميركي».
من جهته، قال ممثل وفد المعارضة السورية، الرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة خلال مؤتمر صحافي الجمعة، إنه «يجب علينا إيجاد حل سريع بكل الوسائل لإنهاء الأزمة السورية».
وأضاف أن وفد الحكومة السورية «لم يقدم أي ورقة للتوافق خلال الجولة الحالية»، مشيراً إلى أن الوفد الحكومي أصر على أنه لا يرى أي نقطة للتوافق بخصوصها». وشدد على أن أي حل غير الحل السياسي عبر تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 سيؤدي إلى إطالة أمد معاناة السوريين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.