محاولة سورية لإحياء آلات موسيقية تكاد تندثر

الملتقى الرابع لآلة البزق التراثية بمشاركة 17 عازفًا

مشاركون في ملتقى البزق الرابع
مشاركون في ملتقى البزق الرابع
TT

محاولة سورية لإحياء آلات موسيقية تكاد تندثر

مشاركون في ملتقى البزق الرابع
مشاركون في ملتقى البزق الرابع

احتضنت دار الأوبرا في العاصمة السورية دمشق أخيرا (ملتقى البزق الرابع) على مدى 3 أيام. وكان الملتقى غنيًّا بأمسياته الموسيقية وبتنوعه وبحضور العنصر الشاب. وهذا التنوع برز بالمعزوفات الفردية وحتى على الآلة الموسيقية الواحدة، وشارك في ملتقى هذا العام 17 عازفًا على الآلات الثلاث (البزق والطنبورة والباغملة) مع مرافقة عدد من الموسيقيين على آلات موسيقية أخرى، حيث وصل العدد إلى 36 مشاركًا. وكان الواضح فيه مشاركات لموسيقيين محترفين مع آخرين هواة.
يقول منظم الملتقى الباحث الموسيقي السوري (إدريس مراد) لـ«الشرق الأوسط»: «يلاحظ أن من عزف على الطنبورة والباغملة كانت معظم معزوفاتهم من التراث الموسيقي الكردي ومنهم من أدخل الموسيقى التركية وخصوصا على الباغملة لعازفين أتراك معروفين مثل (عارف ساغ) وهو ملك آلة الباغملة، وكذلك كانت هناك معزوفات عربية لمشاركين من محافظات سورية كثيرة، حيث برز التراث الموسيقي السوري بكل ألوانه وأطيافه حتى أنّ أحد المشاركين (سازان حاج حسن) من ريف حلب تميز بمشاركته بآلة طنبورة كبيرة يطلق عليها الخراسانية وكان حاج حسن قد درس الموسيقى في تركيا وجلب هذه الآلة الكبيرة معه من هناك».
والهدف من هذا الملتقى، كما يوضح، هو المحافظة على هذه الآلات التراثية، وخوفا عليها من أن تندثر، «ولذلك حرصنا على أن تكون هناك مشاركات شابة كثيرة، حيث شارك كثير من العازفين الشباب بأعمار ما بين 18 و21 سنة لنؤكد استمرارية الجيل الشاب بممارسة العزف على هذه الآلات الموسيقية التراثية. طموحي - يتنهد إدريس - أن يتحول هذا الملتقى إلى عالمي بحيث نستضيف عازفين من أذربيجان وإيران وتركيا والهند ومن كردستان العراق وأتمنى أن تنتهي الأزمة والحرب حتى نحقق هذا الحلم لهذا الملتقى، خاصة وأن هذا الملتقى هو مشروع ثقافي موسيقي وليس له أي مطمح مادي فهو حراك ثقافي بحت».
المعروف أنَّ آلة الطنبورة هي الأقدم ومن ثم جاء البزق وبعده الباغملة وهي متشابهة نوعاً ما باستثناء الحجم وطريقة الدوران وكل واحدة منها تعطي أصوات مختلفة. يرجع سبب تسمية الطنبورة بهذا الاسم إلى احتمالين، وهما إما أن تكون جاءت من اللغة الكردية كتحريف لكلمة (دن بور) وتعني قضاء الوقت ولذلك رافقت هذه الآلة الناس في الحفلات والأعراس وفي المناسبات، وخصوصا في عيد النيروز، ويمكن أن تكون عربية مشتقة من كلمة صوت الطنين وحرفت إلى طنبور. وقد عُزِفَ عليها في الطقوس الدينية ومن ثم عزفت الملاحم وقصص الحب عليها، حيث غنيت على هذه الآلة التراثية، ورافقت الدبكات الشعبية وغير ذلك. فللطنبورة والبزق والباغلمة حكايات وحكايات، والتي يشتهر موسيقيو وسكان مناطق الجزيرة في شمال شرقي سوريا ومنطقة عفرين بريف مدينة حلب الشمالي بالعزف على هذه الآلات الموسيقية الثلاث المترابطة، خاصة في أعراسهم وحفلاتهم وأمسياتهم الموسيقية، فعلى أنغامها خلدت أساطير وملاحم، وعلى أنغامها رقص العشاق، وبها حافظت كثير من الشعوب على لغتها، لهذه العائلة الموسيقية باع طويل في الموسيقى السورية، وخصوصا في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية.
ويقدم مراد شرحا عن هذه الآلات الموسيقية الثلاث قائلا: «الطنبورة آلة وترية قديمة، تمتاز بعنق طويل (الزند)، وصندوق بيضاوي الشكل مغلق مع فتحة من الجانب الأيمن يشد عليه وتران مزدوجان أو ثلاثة حسب رغبة العازف، تتركز على الزند مجموعة من الدساتين التي تحدد العلامات الموسيقية. يختلف عددها من عازف إلى آخر، ويعتبر محمد عارف الجزراوي من أشهر عازفي هذه الآلة في بداية القرن العشرين، ويعود عمر هذه الآلة إلى آلاف السنين».
والباغملة من عائلة الطنبورة والبزق، وتختلف عنهما من حيث المقاييس، فالصدر أكبر والزند أقصر ودوزانة مختلفة أيضا «صول، فا، دو»، أشهر عازفيها على الإطلاق الموسيقي التركي عارف ساغ.
أما البزق الذي أخذ الملتقى اسمه منه، فهو آلة وترية من عائلة الطنبورة وتختلف عنها باعتبار الصدر أكثر وأصغر حجما ولها فتحة على الصدر، وتمتاز بصوت أكثر حدة ونعومة في آن، يتألف البزق من وترين مزدوجين «صول ودو»، ويستخدم عند كثير من الشعوب وخصوصا الشرقية منها، ويعتبر أمير البزق الراحل (محمد عبد الكريم) من أبرز عازفي هذه الآلة في بداية الستينات، ومن بعده أمير البزق الحالي (سعيد يوسف) الذي أوصى عبد الكريم أن تنتقل آلته إليه من بعده، ولدى يوسف عدد كبير من المعزوفات الموسيقية والأغاني باللغة الكردية على آلة البزق كما قدم 10 معزوفات للموسيقار اللبناني زياد الرحباني استفاد منها في معزوفاته الموسيقية والأمسيات الفنية التي أقامها وشكل سعيد يوسف لنفسه أسلوبا خاصا بالعزف، مستندا إلى خليط موسيقي بين العربي والكردي والفارسي وغيره، ومنها أسس مدرسة تأثر بها أغلب فناني منطقة الجزيرة السورية كما سجلت له منظمة اليونيسكو أسطوانة ذهبية في أواسط سبعينات القرن المنصرم تقديرا لأعماله.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.