لبنان يستكمل الاستجابة لشروط «النقد الدولي» قبل استئناف المفاوضات

التدقيق الجنائي في «المركزي» يشمل حسابات الدولة

TT

لبنان يستكمل الاستجابة لشروط «النقد الدولي» قبل استئناف المفاوضات

شكل شروع شركة «الفاريز ومارسال» بعمليات التدقيق المالي الجنائي في حسابات «مصرف لبنان»، عقب إنجاز كامل الترتيبات القانونية والإجرائية ذات الصلة، تحولاً نوعياً في اعتماد معايير دولية موثوقة تتوافق مع المقاربة الموضوعية للأزمتين النقدية والمالية اللتين تعصفان بالبلاد، واستجابة مسبقة لأحد الشروط الأساسية التي يضعها «صندوق النقد الدولي» لعقد اتفاقية برنامج تمويل متوسط الأجل مع الدولة اللبنانية.
ولاحظ مسؤول مالي في حديث مع «الشرق الأوسط» أن البيانات المالية التي يحوزها «البنك المركزي» تشمل جزءاً مهماً من حسابات الدولة ومصروفاتها عبر الحساب الجاري رقم 36 الذي تودع فيه وزارة المالية وتسحب منه، وحسابات مستقلة عائدة لإدارات عامة ذات موازنات ملحقة ومؤسسات عامة وبلديات وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية ممن أُجيز لهم قانوناً فتح حسابات جارية مستقلة بهم في «مصرف لبنان»، فضلاً عن الميزانيات الخاصة بالبنك المركزي ككيان «مستقل ومعنوي من القانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي».
وبمعزل عن الخلفيات السياسية واستهدافاتها التي رافقت رحلة عقد التدقيق الأول قبل عام ونيف وحتى توقيع العقد الثاني من قبل وزير المال يوسف خليل مع انطلاق الحكومة الجديدة، مشفوعاً بموافقة ديوان المحاسبة التي أكدت خلوّ العقد من أي مانع وعوائق قانونية، يؤكد المسؤول المالي أن إنجاز المهمة ضمن المهلة المحددة خلال 12 أسبوعاً، واستخلاص التقرير التقييمي، من شأنه إزالة «لغم» مالي كبير تسبب بانهيار اقتصاد البلاد والعملة الوطنية، وتبيان حقائق لا مفر منها لتحديد موثق للفجوة المالية، تمهيداً لتعيين مسارات الاحتواء والمعالجة بدعم من برنامج الصندوق والمانحين الدوليين.
ويحذّر المسؤول المالي من مغبة حصول تسريبات تسيء إلى شرط السرية الموجبة على كثير من مكونات بنك المعلومات والإحصاءات (الداتا) التي يحوزها «البنك المركزي»، وبما يشمل تفاصيل البيانات المالية والجهات المرتبطة بالحسابات. وهو ما اقتضى طلب «المركزي» سابقاً تضمين العقد التزام الشركة المعنية بالموجبات كافّة التي تفرضها عليها القوانين ومعايير حماية البيانات والمعلومات التي تستحصل عليها، منعاً من تكرار واقعة تسريبات سابقة لقائمة معلومات.
ومع اقتضاء التنويه بواقع اطلاع وزير المال يوسف خليل وخبراته بشؤون البنك المركزي بعدما شغل فيه وظائف متعددة منذ عام 1982. وآخرها منصب مدير العمليات المالية، إلى جانب توليه تمثيل المصرف في مفاوضاته مع جهات ومنظمات دولية، فمن المرتقب أن يكون له دور يتعدى إطار التوقيع القانوني للعقد نيابة عن الدولة، ليساهم بفعالية في عمليات مضاهاة الحسابات الخاضعة للتدقيق الجنائي مع القوانين المالية التي تشمل الموازنات العامة وعمليات الإنفاق الاستثنائية من جهة، ومع المهام القانونية المنوطة بالبنك المركزي من جهة موازية، خصوصاً منها المحافظة على سلامة النقد وعلى الاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي وتطوير السوق النقدية والمالية.
ويرجح أن تلقى خطوة الشروع بالتدقيق تأييداً تلقائياً من قبل إدارة «صندوق النقد» قبيل استئناف جولات المفاوضات الرسمية مع الجانب اللبناني خلال فترة قصيرة، وفقاً لتقدير المسؤول المالي. فهي تمثل تقدماً محسوساً في التزام الدولة بحزمة الشروط المالية للحصول على برنامج التمويل الموعود، لا سيما لجهة الإقرار بحجم الخسائر المالية والتوجهات التي أبدتها الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي لتقديم صيغة توزيع عادل للأعباء على ثلاثي الدولة و«البنك المركزي» والجهاز المصرفي، مع التزام بتحييد الودائع التي تقل عن 75 ألف دولار عن الاقتطاع. فضلاً عن التزام توحيد تدريجي لأسعار صرف الليرة وإقرار قانون تقييد الرساميل (كابيتال كونترول) بصيغة متناغمة مع بنود خطة التعافي.
ويتوافق مع هذا الاستنتاج مع الإشارة إلى اجتماع «إيجابي»، أمس، في مكتب حاكم البنك المركزي رياض سلامة ضم المدير التنفيذي للصندوق محمود محيي الدين، والمستشارة مايا شويري، بحضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزير المالية يوسف الخليل، ووزير الاقتصاد أمين سلام، حيث «تم البحث في أولويات الحكومة، لا سيما بالنسبة لمشروع اقتصادي شامل»، وهو ما يعزز الأجواء الإيجابية التي واكبت الاجتماعات التي عقدها محيي الدين مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة ويستكملها مع أعضاء الفريق الوزاري والإداري المكلف إعداد خطة التعافي والتفاوض مع إدارة الصندوق.
كما يعزز هذه التوجهات التقدُّم الذي تحرزه وزارة المال بإعداد مشروعي موازنة العام الحالي والعام المقبل، والسعي لإقرار برنامج حماية اجتماعية، وتنفيذ برنامج شبكة الأمان الاجتماعي والبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، وذلك من ضمن الإجراءات الوقائية الضرورية التي تستجيب لمطالب المؤسسات المالية الدولية، ولا سيما بعد خروج لبنان - ولو قسرياً، بسبب نفاد الاحتياطات الحرة للعملات الصعبة - من دوامة الدعم التمويلي (باستثناء القمح والأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والمستعصية) للمواد الاستراتيجية والأساسية التي كان تستنزف نحو 500 مليون دولار شهرياً.
وإلى جانب الاستجابة لشروط «صندوق النقد»، تتطلع الحكومة إلى انسجام التقدم المحقق مع خلاصات المجموعة الاستشارية الدولية لإطار الإصلاح والتعافي التي يتشارك برئاستها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مع الحكومة والمجتمع المدني، علماً بأن المجموعة وضعت ما يمكن وصفه بخريطة طريق إنقاذية متكاملة من 8 بنود، يتقدمها كأولوية إصلاحية أساسية بند الإصلاح الاقتصادي الكلي والضريبي سواء من حيث الأهمية أو لجهة اللزوم لتخفيف حدة الأزمات. وهو يشمل توحيد سعر الصرف، والخروج المنظم من خطط الدعم، وإقرار قانون مراقبة رأس المال (كابيتال كونترول) الذي يضمن معاملة المودعين على قدم المساواة، والتدقيق الجنائي في «البنك المركزي»، وإصلاح القطاع المصرفي.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.