بايدن يحشد لأجندته الاقتصادية وسط جمود المفاوضات

يسعى لتحقيق انفراجة قبل رحلته إلى أوروبا

الرئيس الأميركي يستعد لإلقاء كلمة في البيت الأبيض الاثنين (رويترز)
الرئيس الأميركي يستعد لإلقاء كلمة في البيت الأبيض الاثنين (رويترز)
TT

بايدن يحشد لأجندته الاقتصادية وسط جمود المفاوضات

الرئيس الأميركي يستعد لإلقاء كلمة في البيت الأبيض الاثنين (رويترز)
الرئيس الأميركي يستعد لإلقاء كلمة في البيت الأبيض الاثنين (رويترز)

يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن، لإنقاذ أجندته الاقتصادية وسط مقاومة من المشرعين الجمهوريين، وانتقادات من تيار التقدميين داخل حزبه الديمقراطي.
واتجه بايدن، أمس، إلى مدينة سكرانتون بولاية بنسلفانيا مسقط رأسه، ومدينة بالتيمور بولاية ميريلاند لحشد الدعم لمشروع البنية التحتية ومشروع توسيع الخدمات الاجتماعية ومواجهة التغير المناخي. ويدفع البيت الأبيض بأن خطة بايدن تسعى لدعم الأسر العاملة وكبار السن، وأن تمويلها سيُحتم رفع الضرائب على الأثرياء.
ويعمل الرئيس جاهداً لكسر الجمود في المفاوضات، بهدف تعزيز أجندته قبل رحلته الخارجية الثانية لحضور اجتماعات مجموعة العشرين وقمة المناخ. وأشار رو خانا، عضو مجلس النواب الديمقراطي، إلى أن بايدن يحث المشرعين على تحقيق إنجاز تشريعي لإظهار قيادة الولايات المتحدة بشأن التغير المناخي على المسرح العالمي. وقال إن بايدن «يؤمن حقا بأن القيادة الأميركية على المحك».
ويقول داعمو خطة بايدن إن الفشل في مواجهة التغير المناخي ستكون له عواقب بعيدة المدى في الولايات المتحدة وخارجها، حيث قد تكلف الكوارث الطبيعية وحرائق الغابات والأعاصير والفيضانات المليارات من الدولارات.
وتفصل عشرة أيام فقط بين المشرعين والموعد النهائي الذي حددوه مع البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق حول تكلفة مشروع قانون البنية التحتية ومشروع الخدمات الاجتماعية، وقبل رحلة بايدن الخارجية إلى إيطاليا وبريطانيا.
وتحت ضغط أسئلة الصحافيين حول اقتراب الموعد النهائي، قللت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، من أهميته، وقالت إن «البيت الأبيض لم يقترح هذا الموعد، ونحن نركز جهودنا على الاستمرار في إحراز تقدم والمضي قدماً لتقديم ما يفيد الأميركيين».
وقد أجرى الرئيس الأميركي محادثات مكثفة مع ما يقرب من عشرين مشرعاً من جناحي حزبه الديمقراطي الوسطيين والتقدميين، مساء الثلاثاء، في محاولة لإنقاذ أجندته المحلية في الكونغرس قبل نفاد الوقت. ولا يزال الخلاف بين الجناحين اليساري والأكثر محافظة في الحزب بشأن تكلفة ونطاق خطتيه لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، كبيراً. وقد التقى بايدن اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المهمين، جو مانشين وكيرستن سنيما، اللذين يعارضان كلياً تكلفة مشروع قانون الإنفاق الاجتماعي البالغة 3.5 تريليون دولار. ويحتاج الديمقراطيون إلى الإجماع لإقرار الخطة في مجلس الشيوخ.
ويتفق الديمقراطيون بشكل عام على الاستفادة من أغلبيتهم الضئيلة في مجلسي الكونغرس والرئاسة لتمرير تشريعات رئيسية. وقد تؤدي الانتخابات التشريعية النصفية إلى خسارة الأغلبية في أحد المجلسين أو كليهما لصالح الجمهوريين. وأبدى السيناتور جو مانشين موافقته على 1.5 تريليون دولار فقط لمشروع قانون الإنفاق الاجتماعي، الذي يقول بايدن إنه سيعالج أوجه عدم المساواة الأساسية من خلال توسيع التعليم المجاني ورعاية الأطفال.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟