«حماس» تروّج لصفقة تبادل وشيكة مع إسرائيل

أسرى «الجهاد» المضربون يصرون على مطالبهم دفعة واحدة

متظاهرون في مخيم جباليا بغزة يرفعون صور معتقلين في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)
متظاهرون في مخيم جباليا بغزة يرفعون صور معتقلين في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تروّج لصفقة تبادل وشيكة مع إسرائيل

متظاهرون في مخيم جباليا بغزة يرفعون صور معتقلين في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)
متظاهرون في مخيم جباليا بغزة يرفعون صور معتقلين في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

قالت حركة حماس، أمس، إن الفلسطينيين «على موعد قريب مع صفقة تبادل أسرى جديدة، بعد إجبار الاحتلال وإرغامه على الرضوخ لمطالب المقاومة التي لا مناص أمامه إلا تلبيتها والتعاطي معها».
وأضافت الحركة، في بيان، في الذكرى العاشرة لصفقة «وفاء الأحرار» (صفقة تبادل الأسرى التي تمت عام 2011)، أن «تحرير الأسرى والعمل من أجل ذلك هو مسار استراتيجي لدى حركة حماس عملت من أجله، وقد قدمت الحركة ولا تزال تقدم وتبذل في سبيل ذلك كل الوسع ولن تتراجع عن هذا النهج قيد أنملة».
وأعطى تصريح «حماس»، تأكيدات حول وجود مفاوضات حثيثة من أجل إنجاز صفقة تبادل أسرى بوساطة مصرية. وكانت الحركة قد أجرت، الأسبوع الماضي، مباحثات على مستوى كبير في القاهرة، قدمت فيه موقفها من إنجاز صفقة تبادل. وقالت «حماس» لمصر، إنها مستعدة لصفقة تبادل سواء كانت شاملة أو على مرحلتين.
واقترحت الحركة، صفقة من مرحلتين، تتضمن المرحلة الأولى إطلاق سراح اثنين من الأسرى الإسرائيليين المدنيين، وهما «أبراهام منغستو» و«هشام السيد»، إضافة إلى معلومات عن الجنديين «شاؤول آرون» و«هدار غولدن»، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين (كبار سن وأطفال ونساء ومرضى وجثامين)، وفي المرحلة الثانية تجري مفاوضات لجهة تسليم الجنود مقابل 800 أسير. وقال مصدر مطلع على هذه الاتصالات، سابقاً، إن «حماس» اقترحت تسليم محتوى موثق حول الجنديين الإسرائيليين بعد تنفيذ المرحلة الأولى. لكن إسرائيل لم ترد على ذلك.
ويعتقد أن العقبة التي تعوق صفقة التبادل، رفض إسرائيل الإفراج عن أسرى على «يدهم دم»، وهم الأسرى الأكثر أولوية بالنسبة لـ«حماس»، ويعرفون باسم قائمة «VIP». وقالت مصادر إسرائيلية، إن رئيس الحكومة نفتالي بنيت يخشى على تماسك ائتلافه إذا ما أخذ خطوة تضمنت الإفراج عن أسرى كبار.
الحركة عادت وأكدت، أمس، أن «الإفراج عن جنود الاحتلال المأسورين في قطاع غزة، لن يكون له ثمن سوى الإفراج عن أسرانا من سجون الاحتلال، ولن يكون هناك أي ثمن آخر يمكن أن تقبل به المقاومة، وعلى حكومة الاحتلال أن توقف تهربها وتصارح جمهورها، بأن صفقة التبادل هي الوحيدة التي يمكن أن تعيد الجنود المأسورين في غزة».
وأشارت كتائب القسام التابعة لـ«حماس»، التي تحتفظ بالأسرى لديها، إلى أن تقدماً يطرأ في المباحثات. وقالت في رسالة وجهتها للأسرى، أمس: «اقترب موعد تحريركم».
الترويج لصفقة قريبة، جاء في وقت يخوض فيه أسرى «الجهاد الإسلامي»، منذ عدة أيام، إضراباً عن الطعام، احتجاجاً على استهدافهم من قبل إدارة مصلحة السجون بعد عملية نفق جلبوع، فيما يخوض 6 أسرى آخرين إضراباً منذ شهور، احتجاجاً على اعتقالهم الإداري.
ودخل إضراب أسرى الجهاد، أمس (الاثنين)، يومه السادس. وقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، داود شهاب، إن أسرى الجهاد يصرون على تلبية مطالبهم رزمة واحدة بلا تجزئة أو جدولة زمنية. ويطالب الأسرى المضربون وعددهم 250، إدارة السجون، بوقف إجراءات التنكيل التي كانت قد فرضتها بشكل مضاعف بحقهم، بعد السادس من سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما تمكن ستة أسرى فلسطينيين من الهرب من سجن جلبوع، بما يشمل وقف عمليات نقل أسرى الحركة وعزلهم واحتجازهم في زنازين لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة الآدمية، عدا عن نقل مجموعة من القيادات إلى التحقيق.
وتقول الحركة الأسيرة إن هذه الإجراءات هدفت إلى تفكيك تنظيم الجهاد في السجون، وهو ما استدعى إعلان الحركة تأهبها واستعدادها الدخول في حرب جديدة مع إسرائيل، وهو تأهب أجل ارتباطات الحركة، بما في ذلك اجتماعات كانت مقررة في مصر.
والإضراب الذي يخوضه أسرى الجهاد ليس الوحيد، وواصل ستة إضرابهم عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الإداري. وحذر رئيس نادي الأسير، قدورة فارس، من خطورة الوضع الصحي للأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وقال فارس: «إنهم مستمرون في إضرابهم، لأن المفاوضات مع ما يسمى (مصلحة السجون) تعثرت، ولم يتم التوصل لاتفاق»، مضيفاً: «لدينا قلق من إمكانية استشهاد الأسرى المضربين عن الطعام، وقد حدث ذلك مسبقاً».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.