السجن 3 سنوات لوزيرة من وجهاء نظام بوتفليقة

صدمة وسط الحراك الجزائري بعد «حكم قضائي قاسٍ» ضد ناشط بارز

TT

السجن 3 سنوات لوزيرة من وجهاء نظام بوتفليقة

دانت محكمة بالعاصمة الجزائرية أمس وزيرة البريد والمواصلات السابقة، هدى فرعون بالسجن ثلاث سنوات مع التنفيذ بتهم فساد. في حين ثبتت محكمة الاستئناف حكم السجن عامين مع التنفيذ بحق الطبيبة والناشطة السياسية أميرة بوراوي، بتهمتي «سب وإهانة مسؤولين في الدولة»، و«الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة».
وأعلن دفاع الوزيرة إيداع طعن بالنقض في الحكم، في انتظار أن تفصل «المحكمة العليا»، وهي أعلى هيئة في القضاء المدني، فيه بالقبول أو الرفض. كما تم الحكم في نفس الملف على المدير السابق لشركة اتصالات الهاتف الثابت الحكومية، الطيب قبال، بالسجن خمس سنوات مع التنفيذ، وتبرئة المدير السابق لشركة الهاتف المحمول العمومية من تهمة الفساد. فيما دانت أيضاً شركة صينية كبيرة للاتصالات وخدمات الإنترنت بغرامة مالية.
وتتعلق وقائع ما بات يسمى في الإعلام «قضية الوزيرة فرعون» بمشروعين كبيرين، أحدهما يخص مليون خط إنترنت ذي التدفق العالي، بقيمة 73 مليون دولار منحته الوزيرة لشركة عائلة رجال الأعمال كونيناف (عددهم ثلاثة يوجدون في السجن بتهمة الفساد في قضايا أخرى)، والذي لم ينجز في الآجال المحددة.
وجاء في التحريات الأمنية بخصوص المشروع أنه تسبب في خسائر للخزينة العمومية بقيمة 30 مليون دولار. كما تمت متابعتها بخصوص مشروعات تخص شركة صينية لخدمات الإنترنت.
واتهمت النيابة الوزيرة فرعون (38 سنة) بـ«سوء استغلال الوظيفة»، على أساس أنها فضلت الإخوة رجال الأعمال بسبب قربهم من عائلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وقد التمست بحقها 8 سنوات سجناً مع التنفيذ. علماً بأن الوزيرة السابقة كانت أيضاً مقربة من بوتفليقة، وهو ما يفسر الاحتفاظ بها في الحكومة لسنوات طويلة.
وفرعون واحدة من كبار المسؤولين المدنيين، الذين تم سجنهم بعد استقالة بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) 2019، تحت ضغط الحراك الشعبي. ومن أبرزهم رئيسا الوزراء أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.
كما توجد وزيرتان أخريان من عهد بوتفليقة في السجن، هما وزيرة الصناعة جميلة تامزريت، ووزيرة الثقافة خليدة تومي، التي احتج محاميها الحقوقي المعروف، بوجمعة غشير، على «طول مدة حبسها على ذمة التحقيق»، وطالب بتنظيم محاكمة لها «في أقرب وقت».
وتتصل التهم التي يتابع على أساسها أغلب وجهاء النظام السابق، بصفقات ومشروعات رصدت لها الدولة أموالاً ضخمة بالعملة الصعبة، في مجال الأشغال العامة والري والبناء والمنشآت القاعدية، وتمت مع شركات محلية أجنبية. وكان لهؤلاء المسؤولين دور في تقديم تسهيلات خارج القانون لإنجاز المشاريع مقابل رشى وامتيازات مادية.
في غضون ذلك، حكمت محكمة الاستئناف بالعاصمة أمس، على الطبيبة والناشطة أميرة بوراوي بعامين سجناً مع التنفيذ، بسبب منشورات بحسابها بشبكة التواصل الاجتماعي، عدت «مسيئة لرئيس الجمهورية»، و«استهزاءً بالدين». وعرفت بوراوي بإطلاق «تنظيم بركات» عام 2014، مع صحافيين ومحامين وأساتذة الجامعة، لمعارضة ترشح بوتفليقة لولاية رابعة. وقال محاموها لوسائل الإعلام إن الحكم صدر غيابياً، واعتبروا منشوراتها «حرية تعبير».
إلى ذلك، عبر نشطاء الحراك وحقوقيون عن صدمتهم أول من أمس لحكم السجن 5 سنوات مع السجن، ضد عضو الحراك البارز والمناضل ضد مشروع الحكومة التنقيب عن الغاز الصخري في الصحراء، محاد قاسيمي، وذلك بتهمتي «الإشادة بالإرهاب»، و«المس بالوحدة الوطنية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.