جو مانشن... الديمقراطي المكروه من الديمقراطيين (تحليل إخباري)

جو مانشن السناتور الديمقراطي عن ولاية غرب فرجينيا الأميركية (رويترز)
جو مانشن السناتور الديمقراطي عن ولاية غرب فرجينيا الأميركية (رويترز)
TT

جو مانشن... الديمقراطي المكروه من الديمقراطيين (تحليل إخباري)

جو مانشن السناتور الديمقراطي عن ولاية غرب فرجينيا الأميركية (رويترز)
جو مانشن السناتور الديمقراطي عن ولاية غرب فرجينيا الأميركية (رويترز)

الاسم الأكثر تردداً في وسائل الإعلام الأميركية هذه الأيام هو جو مانشن، السيناتور الديمقراطي عن ولاية غرب فرجينيا. إنجازه هو إعاقة إقرار خطة الرئيس جو بايدن لإنفاق 150 مليار دولار في إطار برنامج الكهرباء النظيفة الذي يشكل جزءاً من مشروع الإدارة الحالية لتخصيص 3.5 تريليون دولار لإبطاء التغير المناخي.
يقوم برنامج الكهرباء النظيفة على إحلال مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والمفاعلات النووية مكان المصادر المستهلِكة للوقود الأحفوري (النفط والفحم الحجري)، وعلى فرض غرامات على الشركات التي تتمسك بالإبقاء على التكنولوجيا التقليدية الملوثة للبيئة. جو مانشن الذي يمثل واحدة من الولايات الأكثر إنتاجاً للفحم والمالك لملايين الأسهم في شركة مناجم، يقف ضد البرنامج.
جعلَ التوازن الدقيق في مجلس الشيوخ من السيناتور مانشن شخصاً بالغ الأهمية في مسار إنجاح أو إفشال خطة بايدن. فالمجلس الذي جاءت انتخابات 2018 لتوزعه بالتساوي على الجمهوريين والديمقراطيين بخمسين مقعداً لكل من الحزبين، مع الصوت الترجيحي لنائب رئيس الولايات المتحدة، لا يستطيع تمرير أي مشروع قانون ما لم يحظ بالنصف زائد واحد من الأصوات.
الديمقراطي «المعتدل» جو مانشن هو الصوت الحاسم في هذا السياق. تعاونه زميلته السيناتور عن ولاية أريزونا كيرستن سينيما، الديمقراطية أيضاً، لكن الرافضة لخطة بايدن الضخمة لأسباب تختلف عن أسباب مانشن.
وسائل الإعلام المؤيدة للجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي تُصور مانشن وسينيما كشريرين يقفان في وجه إنقاذ أميركا والفئات الأفقر فيها، وترك مجالات تكنولوجيا الطاقة المتجددة تقع بين أيدي منافسي الولايات المتحدة، خصوصاً الصين التي باشرت برامج طموحاً لإنشاء محميات شاسعة لتوليد الطاقة الشمسية. ممثلا غربي فرجينيا وأريزونا في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي هما الأقرب إلى المزاج الجمهوري، وتشير سجلات تصويتهما أثناء إدارة دونالد ترمب إلى أنهما تبنيا، بنسبتين متفاوتتين، توجهات ترمب ومشاريعه ومرشيحه، تحديداً مرشحيه إلى المحكمة العليا الذين أثاروا لغطاً واسعاً.
المصالح الانتخابية المحلية والشخصية لكل من مانشن وسينيما هي جزء من الأسباب المتداولة لتفسير ما يشبه الانشقاق الذي يمارسانه في حزبهما. في المقابل، يُرجِع كل منهما العلة في اقترابهما من موقف الحزب الجمهوري الرافض كلياً لخطط بايدن الاقتصادية، إلى رؤيتهما لعواقب الخطط وآثارها بعيدة المدى على الولايات المتحدة، مثل ارتفاع الدين العام وإطلاق عجلة التضخم وتدهور نوعية الخدمات المقدمة، ناهيك عن توسيع مؤسسات الدولة والقضاء على المنافسة وما يدخل في هذا الباب من التفسيرات.
ويقول أنصار مانشن إن رفضه لبرنامج الكهرباء النظيفة يجب أن يكون موضع إطراء وليس تشهيراً، كما يفعل تقدميو الحزب الديمقراطي. وأن السيناتور يقوم بدور مهم في إلقاء نظرة ثانية متأنية على برامج بايدن التي تعد بتحقيق الجنة على الأرض من خلال إنفاق حكومي هائل الأبعاد غير مدروسة تداعياته دراسة دقيقة بعد. يضاف إلى ذلك أن مانشن، في نظر المدافعين عنه، يؤدي دوراً مهماً في الحيلولة دون خسارة الديمقراطيين الأكثرية النيابية في الانتخابات النصفية العام المقبل. ذاك أن الأصوات الأكثر ارتفاعاً في الترويج لخطط بايدن لإعادة تأهيل البنى التحتية وتعميم التغطية الصحية لكل الأميركيين وتقييم نظام التعليم وسوى ذلك مما يتسم بالتوجه المساواتي، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية في بلد تزداد فيه بلا هوادة الفوارق بين الأغنياء والفقراء لمصلحة الأولين، يأتون – أصحاب تلك الأصوات - من ولايات يتمتع فيها الديمقراطيون بأكثرية مريحة، ولن يواجهوا في انتخابات 2022 تحديات شرسة من الجمهوريين العازمين على استعادة مواقعهم في الكونغرس. أما مانشن والآخرون من «المعتدلين» الديمقراطيين فوضعهم أصعب. فهم يخوضون معاركهم في ولايات تعد من الحصون التقليدية للجمهوريين، وكان ناخبوها قد أيدوا ترمب في الانتخابات الرئاسية في 2016.
بيد أن السؤال الذي يختفي وراء ظواهر مثل مانشن وسينيما وغيرهما من «يمين» الحزب الديمقراطي، والقدرة الهائلة على وقف سياسات حزبهما ومنعها من التحول إلى قوانين، واستطراداً إلى وقائع على الأرض، هو هل تصب هذه المعارك الداخلية في سياق إعادة صياغة الديمقراطية الأميركية التي يقال إنها تتعرض لهجوم من اليمين المتطرف الذي مثله ترمب والتيار المسؤول عن اقتحام الكونغرس في السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي؟
وهل أصبح لفرد واحد في النظام السياسي البرلماني الأميركي، سلطات تكاد توازي تلك التي يتمتع بها رئيس الولايات المتحدة؟ بل إن هذه السلطات تنجح في تطويق الخطط الرئاسية وتفرض عليها تنازلات في نواحٍ حيوية من النوع الذي قد يقضي على مستقبل الرئيس ويُفقد إدارته مبرر وجودها؟
في واقع الأمر، ليس اعتراض نواب على سياسات وقرارات أحزابهم بالأمر الجديد. لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها. وخروج نواب عن قرارات قياداتهم السياسية ظاهرة قديمة من قِدَم النظام البرلماني. بيد أن الانقسام الحاد في السياسة الحزبية الأميركية، الذي لم ينته مع نهاية عهد دونالد ترمب، يلقي أضواء إضافية على معاني الأساليب التي تتشكل الأحزاب بها وطرق اختيار نوابها، من جهة، والآثار العميقة للمصالح المحلية على الخيارات الكبرى في بلاد متنوعة طبقياً وجغرافياً وعرقياً.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».