الحكومة التونسية تعلن حربها على الفساد بالتحقيق مع كبار المسؤولين

توقيف وزير سابق ونائب برلماني بشبهة «غسل أموال»

الرئيس سعيد خلال ترؤسه أول اجتماع لحكومة نجلاء بودن (أ.ف.ب)
الرئيس سعيد خلال ترؤسه أول اجتماع لحكومة نجلاء بودن (أ.ف.ب)
TT

الحكومة التونسية تعلن حربها على الفساد بالتحقيق مع كبار المسؤولين

الرئيس سعيد خلال ترؤسه أول اجتماع لحكومة نجلاء بودن (أ.ف.ب)
الرئيس سعيد خلال ترؤسه أول اجتماع لحكومة نجلاء بودن (أ.ف.ب)

في إطار الحرب التي أعلنتها الحكومة التونسية، بقيادة الرئيسة نجلاء بودن، على الفساد والمتورطين في خيانة الأمانة، أكد جابر الغنيمي، المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بمدينة سيدي بوزيد التونسية (وسط)، فتح تحقيقات موسعة مع مسؤولين في المندوبية الجهوية للشباب والرياضة بولاية (محافظة) سيدي بوزيد، بسبب وجود شبهات بتورطهم في ارتكاب جرائم فساد إداري ومالي. وقال إن التحقيقات تشمل حتى الآن 11 متهماً بالاعتداء على الأشخاص والممتلكات والاحتيال، والحجز والاستيلاء على الأموال العامة.
وأوضح الغنيمي أن هناك قضايا فساد أخرى لا تزال قيد التحقيق والتدقيق، الذي تجريه الوحدات الأمنية والجهاز القضائي، من بينها قضية حصول مئات العمال على رواتب وهمية. فيما يتواصل التحقيق مع مسؤولين آخرين لتحديد المتورطين في ممارسة الفساد الإداري والمالي.
وقالت مصادر حقوقية إن من بين المتهمين في هذا الملف وزيرة الشباب والرياضة السابقة، اعتباراً إلى أن تلك الإدارة التي تحوم حولها شبهات فساد كانت تخضع لتسييرها، وبالتالي فإنها تتحمل المسؤولية السياسية عما كان يحدث في دهاليزها. كما تم الاستماع لعدد من المسؤولين، من بينهم مدير ديوان وزيرة الشباب والرياضة السابقة، ومندوب جهوي سابق للشباب، وعدد آخر من كوادر هذه المؤسسة العمومية، علاوة على بعض العمال بهدف تحديد المسؤوليات وحصر التجاوزات.
على صعيد متصل، قررت النيابة العامة بالقطب الاقتصادي والمالي، أمس، الاحتفاظ بمهدي بن غربية، رجل الأعمال والوزير الأسبق والنائب المجمدة عضويته.
وقالت إن القرار جاء بناء على شبهات ارتكابه جرائم جبائية وغسل أموال، مشيرة إلى تكليف الفرقة المركزية لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بتعميق البحث في هذه الاتهامات.
وكان بن غربية قد أكد أنه يواجه مجموعة من التهم الخطيرة، في مقدمتها الاتجار في العملات الأجنبية، وتهريب الأدوية، والاتجار بالأعضاء، فضلاً عن اتهامات أخلاقية. لكنه اتهم بعض المدونين على شبكات التواصل بتنظيم حملة تشويه كبيرة ضده، ومحاولة ابتزازه من قبل عصابة لها أذرع في الدولة، على حد قوله.
من ناحية أخرى، ندد الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بـ«استمرار الاستهانة بتاريخية الحوار الوطني، الذي نظم سنة 2013، والذي نالت تونس بفضله جائزة نوبل للسلام»، وذكر بنجاحه في إنقاذ تونس من السقوط في الاحتراب والتطاحن، وإنقاذ مبادئ الجمهورية.
واعتبر نور الدين الطبوبي، رئيس اتحاد الشغل، أن الإصلاح السياسي «مسألة حيوية لتجاوز حالة الشلل، التي سببها النظام السياسي الحالي في تونس»، مضيفاً أن إصلاح النظام السياسي «مهمة مجتمعية تشاركية، وليست حكراً على أحد مهما كانت شرعيته»، في إشارة إلى الرئيس قيس سعيد. كما دعا الطبوبي إلى حوار سياسي شامل وحقيقي.
يذكر أن اتحاد الشغل أصدر بياناً ندد فيه بما اعتبره «استمرار التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي التونسي». وانتقد «تمسح بعض الأشخاص المرتبطين باللوبيات، وببعض الأطراف السياسية، على عتبات السفارات والدول، وتحريضها ضد تونس بدعوى الدفاع عن الديمقراطية»، وهو موقف فهم على أنه مساندة لرد فعل رئيس الجمهورية حول تصريحات المنصف المرزوقي، الرئيس الأسبق، وافتخاره بالسعي لإفشال القمة الفرنكفونية التي كانت مبرمجة الشهر المقبل في تونس.
كما حذر اتحاد الشغل من استمرار الوضع الاستثنائي، داعياً إلى تحديد آجال قريبة لإنهائه، والعودة إلى السير الطبيعي لمؤسسات الدولة. وحذر من تغول النزعة الفردية في اتخاذ القرار، ومواصلة تجاهل مبدأ التشاركية، باعتبارها أفضل السبل لإرساء انتقال ديمقراطي حقيقي، بعيداً عن تغليب القوة أو نزعات التصادم، التي يشحن لها البعض، أو إعطاء الفرصة للتدخلات الخارجية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».