الرياض... الوجهة الجديدة والفصل الجديد

تجربتي في معرض الكتاب

الرياض... الوجهة الجديدة والفصل الجديد
TT

الرياض... الوجهة الجديدة والفصل الجديد

الرياض... الوجهة الجديدة والفصل الجديد

كنتُ أظن أني سأبقى ثلاثة أيام في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي نظمته وزارة الثقافة في الفترة من 1 إلى 10 أكتوبر (تشرين الأول). لكن الخطة تغيرت، فبعد الاطلاع على برنامج دليل المعرض الذي أعدته الوزارة في 133 صفحة، كان من الواضح أن ثلاثة أو أربعة أيام لن تكون كافية لشخص يرغب في التجول بين دور النشر ويحضر فعاليات ثقافية ويستمع إلى آراء بعض الحضور من المثقفين وأصحاب دور النشر ويتوق للتعرف بشكل مباشر على الإنجاز. كان دليل برنامج فعاليات المعرض متنوعاً وطموحاً بالفعل يشتمل على نشاطات عديدة منها عرض الكتب، ومؤتمر متخصص للناشرين، وإقامة الندوات، وإلقاء المحاضرات، وتقديم الإفادات والتجارب الثقافية، وعقد الحوارات بين الجمهور وعدد من الكتاب العرب والأجانب، وتواقيع المؤلفين، والفعاليات الموسيقية وغيرها كثير.
كان هناك تنوع مدهش بالفعل على الأرض. وكان ضيف الشرف العراق العظيم، وفي العقل والخيال والقلب دجلة والفرات والنخل وسومر وآشور وأوروك وعشتار/ عشتاروت (وأنا أكتب هذه المقالة في مقهى شعبي في تاروت الهاجعة على ضفة الخليج) وبابل وبغداد ودار الحكمة والحضور الثقافي الاستثنائي والمذهل للعراق على مر العصور ونتف من التاريخ العربي الإسلامي. ليس باستطاعة أحد، والحال كذلك، أن يعيش أجواء المعرض بشكل معقول ويكوّن فكرة عملية عما يجري في ظرف ثلاثة أيام. لذلك أصبحت الأيام الثلاثة ستة أيام، وليس من سمع كمن رأى. وحتى الأيام الستة لم تكن كافية.

- الإنجاز والإبهار
الزائر للمعرض يرى بوضوح أموراً عديدة في مقدمتها أن المملكة العربية السعودية تستطيع أن تُنجز وتبهر وتختط وجهة جديدة وتفتتح فصلاً جديداً في الحياة الثقافية المجتمعية في معرض كتاب أنيق غير مسبوق في البلاد العربية والإسلامية من حيث التنوع واستخدام تقنية المعلومات والحوار مع العالم واستشراف عالم البيانات الضخمة والذكاء الصناعي. مما يتعلمه المرء من المعرض أن هناك شغفاً وحرصاً من الجمهور السعودي على اقتناء الكتاب والتفاعل مع الثقافة في تجلياتها المتنوعة، فتحية لكل امرأة ورجل وطفل زاروا المعرض وهم نحو مليون زائر حسب التقديرات الأولية.
الشكر لوزير الثقافة بدر بن عبد الله الفرحان آل سعود والعاملين في هيئة الأدب والنشر والترجمة بالوزارة على الجهود الرائعة التي صبّت تفاصيلها بالفعل في وجهة جديدة وفصل جديد من العمل في ميدان الثقافة. كل فعالية في المعرض كانت على صلة بأهداف محورية في رؤية المملكة وتخدم صميم أهداف الوزارة في تطلعاتها الحديثة. فالمعرض يخدم مكانة المملكة وصناعة الكتاب والنشر وتشجيع الإقبال على اقتناء الكتاب، ويعمل على جعل الثقافة أسلوب حياة، ويعزز ثقافة معارض الكتب، ويحتفي بالبعد المعرفي الإنساني والاقتصادي للثقافة ويعزز من قيم الحوار الإيجابي مع ثقافات وتجارب العالم ويكرس جودة الحياة على الصعيد الأهم وهو وعي وثقافة الإنسان، ويضع صناعة الكتاب والحراك الثقافي في مكانه الصحيح المنشود لكونه الأساس لأي تنمية شاملة متوازنة. ويمكن أن يُقال هذا بتأكيد، لأن الثقافة ببساطة هي رؤية للذات والعالم. شكراً للناشرين والمثقفين والكتاب المتحدثين، سعوديين وعرباً وأجانب، فالجميع شركاء في صناعة النجاح.

- المثاقفة والانفتاح المتوازن
هذه هي التجربة الأولى لإقامة معرض كتاب دولي في الرياض بهذه الرؤية وهذا التنوع يشتمل على منظومات مبتكرة من الفعاليات الثقافية والفنية والحوارات واللقاءات تتزامن مع عرض نحو 1000 دار نشر من داخل السعودية وخارجها لمئات الآلاف من عناوين الكتب في شتى حقول المعرفة ولشتى الفئات العمرية. النتيجة كانت مهرجاناً معرفياً ثقافياً بامتياز يدعو المرء إلى الانغماس والمشاركة والتأمل والإفادة من الخبرات والمعلومات التي يوفرها المعرض. التهنئة للجهة التي اختارت شعار المعرض الجدير بالتأمل (وجهة جديدة.. فصل جديد)، فهذه العبارة محتشدة بالطموح والأمل، وتعبر فيما يتصل بالثقافة عن الطموحات المعرفية والثقافية التي تنطوي عليها رؤية المملكة 2030. كل شيء في المعرض كان يرمي إلى تحقيق أهداف محورية في الرؤية من حيث خدمة مكانة المملكة وتطوير الثقافة كأسلوب حياة وعمل اجتماعي واقتصادي ومعرفي، ومن ذلك الموضوع المحوري الكبير في المعرض وهو خدمة الكتاب الرقمي والورقي وصناعته وتطوير النشر في المملكة.. كانت الفعاليات الثقافية والبرامج تؤكد على المثاقفة والانفتاح المتوازن على العالم ومحاورة المبدعين وتقديم تجارب العالم في ميادين الكتابة والنشر، وكان جميلاً أن يعبر هؤلاء المبدعون والمتخصصون على المنصات وفي الحوارات الجانبية عن انطباعاتهم الإيجابية عن ثقافتنا وبلادنا وأنهم يعرفون الآن ما لم يعرفوه عن بلادنا وأهلها. وقد عبر معظمهم صراحة أنهم سيحملون كل ذلك إلى الأوساط الإعلامية والثقافية في بلدانهم. ويحق للمواطن أن يفخر بالإنجاز أخذاً في الاعتبار أن المعرض تجربة جديدة من حيث التنوع والشمول والتفاصيل الاحترافية المعمول ببعضها في أكبر معارض الكتب في العالم.

- صناعة النشر
في معارض الكتب منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادية بوجه عام وفي المعارض الحديثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص تتركز الجهود على تطوير صناعة النشر كاقتصاد وعلى حماية الحقوق الفكرية للمؤلفين، وفي هذا تتساند الأبعاد المعرفية والاقتصادية والإبداعية والقانونية. وكانت معارض الكتب ولا تزال مكاناً للقاء الناشرين بالمؤلفين وإبرام عقود النشر وحماية حقوق الإبتكار والإبداع. ويجد المتابع ذلك واضحاً وموثقاً في الأدبيات العالمية ذات الصلة التي تنشرها الجمعية الدولية للناشرين IPA والمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO. وكنتُ أرجو دعوة هذه الجهات التي تعمل بالتنسيق مع اليونسكو ومع أعداد كبيرة من الناشرين والمؤلفين في العالم إلى معرض الرياض الدولي للكتاب وإعطاءهم مساحة للحديث والتفاعل، فهو مكان لائق بهم يعكس حراك النشر والثقافة في المملكة.
إلى الجوانب المعرفية والاقتصادية والقانونية المتصلة بصناعة النشر، تعمل معارض الكتب العالمية اليوم كقوة ناعمة على أكثر من صعيد وبطرائق مختلفة. وكنتُ أرجو أن أجد شاشات في ممرات المعرض تعرض لقطات من إنجازات المملكة في الثقافة والمشروعات العملاقة في الاقتصاد والرياضة والفنون والسياحة لمزيد من التعريف بالإنسان والمكان. كان هناك مجال أكبر لحضور جهات عديدة في المعرض مثل وزارة الرياضة والسياحة والإعلام والتعليم وتقنية المعلومات ونيوم ومشروعات العلا والبحر الأحمر والقدية. ويمكن أن تقوم هذه الجهات بأعمال محددة في شراكة مع وزارة الثقافة ومع القطاع الخاص، فالمناسبة فرصة معرفية واقتصادية وإعلامية كبيرة واعدة للتعريف والإعلام والتفاعل، فقد كان المعرض بأكمله منصة تطل منها المملكة على العالم وينظر إليها العالم، وتخصيص قناة تلفزيونية ثقافية لمتابعة الفعاليات باللغة العربية والإنجليزية على الأقل. كان سيكون أمراً مفيداً.

- نحو التحسين
قامت الجهة أو الجهات الاستشارية للمعرض بجهد طيب مشكور. لكن ثمة ملاحظات ومقترحات تحسينية وتطويرية أخرى بعضها مهم، ومنعا دعوة عدد أكبر من أساتذتنا وزملائنا المثقفين والمبدعين السعوديين وتخصيص أماكن للقاء بهم على هامش الفعاليات الرسمية للمعرض. ومهما تكن هذه الملاحظات التي لا بد من وجودها في عمل عملاق، فإن ذلك لا يقلل من روعة الإنجاز وألق النجاح، لكن الطموحات كبيرة دائماً. بلادنا قادرة ومليئة بالطاقات وتستحق الأفضل دائماً. ومن المتوقع أن تتسلم الوزارة آراء ومقترحات المثقفين والمبدعين والمواطنين في البريد الإلكتروني الذي خصصته الوزارة مشكورةً لهذا الغرض.
أخيراً وليس آخراً: شكراً لوزير الثقافة على القرار الذي صدر بإعفاء دور النشر من إيجارات المساحات. جاء هذا في وقته بسبب الآثار الاقتصادية للجائحة ولطمأنة الناشرين السعوديين أن لديهم شريكاً كبيراً موثوقاً يتلمس معاناتهم ويدفع بآمالهم وطموحاتهم إلى الأمام. ولعل من المناسب الإشارة إلى التأثير الإيجابي للقرار الكريم على الزملاء الناشرين السعوديين.
بهذا المعرض تكون وزارة الثقافة قد رسمت وحددت مستوى عالياً لمواصفات معارض الرياض الدولية القادمة، واختطت بالفعل طريقاً جديداً مليئاً بالتحديات التي تشحذ الهمم. وليس من المبالغة القول إن العمل على المعرض القادم يجب أن يبدأ منذ الآن لتعزيز الإيجابيات والبناء عليها وتحاشي أي سلبيات وتركيز الجهود في مسارات وأعمال معينة تخدم الثقافة في تجلياتها وأبعادها المتنوعة.

- رئيس تحرير الموسوعة العربية العالمية الرقمية



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.