انتخابات العراق... علامات «تغيير» واعدة

ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
TT
20

انتخابات العراق... علامات «تغيير» واعدة

ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)
ممثلو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال عملية فرز الأصوات (أرشيفية-ا.ف.ب)

حتى لحظة كتابة هذا التحليل الإخباري، يتساقط مرشحون من قائمة الفائزين، ليدخلها آخرون كانوا على لائحة الانتظار. مع العد والفرز لأصوات العراقيين وفحص محطات الاقتراع، يكتمل تدريجياً نصاب البرلمان الخامس في العراق.
ومع صخب الأرقام، ومراقبة الصاعدين والهابطين من مرشحي الانتخابات، لا تزال بعض المتغيرات الواعدة صامدة إلى حد كبير، منذ أن أعلنت النتائج الأولية من قبل مفوضية الانتخابات. وإن حدثت تغيرات «رقمية» في الأوزان الانتخابية بين القوى التقليدية والأحزاب الناشئة والمستقلين، فإنها لن تكون انقلاباً على ما تحقق على طول وعرض الخريطة السياسية الراهنة.
- علامة النجف
من معقل السلطة الروحية للمسلمين الشيعة في العراق والعالم، ينتزع مستقلون، بعضهم علمانيون، مقاعد تمثل سكان المدينة في البرلمان الجديد. من دوائر المدينة الثلاثة، ومن بلدات لها امتداد تاريخي وديني، تمكن نحو 6 مرشحين من الظفر بأصوات الجمهور. ففي الكوفة ومركز النجف، وضواحيها، وجدت كتلتا مقتدى الصدر ونوري المالكي منافسين شرسين اقتربوا كثيراً من المراكز المتقدمة.
ومنذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في البلاد، أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تفاعل المجتمع المدني وتجمعات شبابية مع تأثير التظاهرات بفتح قنوات حوار مفتوحة مع الفاعلين في المدينة؛ نخباً دينية وأكاديمية. ومع سقوط المئات من الضحايا نتيجة العنف الموجه ضد المتظاهرين، وجد الناشطون في النجف أنفسهم أمام موجة من التهديدات من جماعات سياسية نافذة، في نهاية المطاف تمكن هؤلاء من إدامة قوتهم الناعمة.
ودخل المجتمع النجفي في حوارات لم تتوقف بشأن «الإصلاح» السياسي والإداري، وبدت المدينة حينها تُنضجُ خيارها الانتخابي، الذي انتهى حسب النتائج إلى إضافة فاعل واعد في الحياة السياسية.
وفي الأيام الماضية، انخرط الفائزون عن النجف في اجتماعات لتنسيق المواقف والاتجاهات العامة لأدوارهم السياسية في السنوات الأربع المقبلة، فيما يتعاطون مع إمكانية التحالف مع فائزين مستقلين من مدن أخرى، لكنهم ينتظرون غربلة المستقلين المتنكرين، الذين يلتحقون تباعاً بالتحالفات الكبيرة.
- معارضة نادرة
في الدورات التشريعية السابقة، تعزز نمط نفعي من الترشح للبرلمان؛ عليك الفوز بأكبر عدد من المقاعد للظفر بحصة من الحقائب الوزارية، التي تتحول لاحقاً إلى دكاكين اقتصادية للأحزاب، يوظَفُ فيها الكوادر المتقدمة، وتنحصر في يدها العقود الاستثمارية المرتبطة بها. ومن تابع مفاوضات تشكيل الحكومات السابقة، ينتهي فرز الأصوات باحتساب الكلفة المطلوبة لنيل الوزارة بعدد محدد من المقاعد. هدف اشترط سلوكاً سياسياً يفرض على الحزب اعتبار نوابه في البرلمان رصيداً لشراء مقعد في السلطة التنفيذية.
للمرة الأولى منذ عام 2003، تنبري كتلة «امتداد» المنبثقة من الحراك الاحتجاجي لتحقيق سبق في كسر التقاليد السياسية، برفض المشاركة في الحكومة المقبلة، وحجز مقاعد المعارضة، الشاغرة في البرلمانات العراقية السابقة.
ولم يسبق لرؤساء الحكومات المتعاقبة مواجهة معارضة حقيقية في البرلمان، بينما كان الفاعلون في الحكومة يلعبون دوراً مركباً بين المشارك والمعارض في الوقت نفسه، لتحقيق مكاسب أكبر في السلطة التنفيذية. ومن خلال معطيات شهدتها الحياة السياسية في البلاد، فإن تصاعد أصوات المعارضة كان في أقل الحالات شدة مرتبطاً بنزاع على مناصب ووظائف عامة في الحكومة. ويقول نواب من حركة «امتداد»، إنهم «لن يشاركوا في الحكومة، التي ينتظرون تشكيلها لبدء عمليات الرقابة وملاحقة الفساد خلال السنوات الأربع المقبلة»، فيما يتوقعون أن يلتحق بهم نواب مستقلون لتشكيل جبهة معارضة وازنة.
- شبح الاقتتال
لم يتوقف التلويح بالحرب الأهلية، كواحد من تداعيات النتائج. الفصائل المسلحة تقول إن الأوزان الجديدة في البرلمان «مشروع خارجي لتدمير العراق»، وأن «الحشد لن يتأخر عن حماية البلد».
في شريط مصور، ظهر قائد في «الحشد الشعبي» يتحدث مع مجموعة من مقاتليه، «هذه المؤسسة تشكلت بالدم (…) وسنحميها الآن بالدم»، على هذا التصريح ينوع قادة الفصائل تلميحاتهم لاندلاع اقتتال شيعي - شيعي، وعلى ما يبدو فإنها جزء من حملة الضغط على السلطات لإعلان نتائج لا تغضب الفصائل.
في الساعات الماضية، نشرت رئاسة أركان الجيش العراقي مئات الجنود في بغداد لاحتواء ردود الأفعال من النتائج النهائية المنتظرة. والحال، أن الحكومة التي تصرف الأعمال حالياً، تحاول حماية آخر أعمالها في إجراء الانتخابات.
لكن، هل تندلع حرب أهلية؟ ما يحدث في بيروت ينشط التوقعات المخيفة في بغداد. سوى أن فتح النار قرار لم يتخذ بعد بين الخصوم الشيعة، وما يحدث هو دفع الأزمة إلى الحافة، دون السقوط، ووضع اليد على الزناد، دون ضغطه.
عملياً، الفائزان الكبيران، الخصمان الصدر والمالكي، يحرصان الآن على بدء مفاوضات على امتلاك الكتلة الأكبر، وخلال ذلك، فإن آخر ما يحتاجانه اقتتال يتورط فيه الجميع. وحسب التوجهات العامة للفاعلين الشيعة، فإنهم يكافحون لاحتواء الخاسرين بإعادة التوافق على تدوير النفوذ، وتقليل خسائر المهزومين في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول).



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.