خلافات حادة بين الصدر و«الإطار التنسيقي» تقوّي مواقف الأكراد والسنّة

مظاهرة لأنصار «الحشد» رفضاً لنتائج الانتخابات  في نينوى أول من أمس (أ.ف.ب)
مظاهرة لأنصار «الحشد» رفضاً لنتائج الانتخابات في نينوى أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

خلافات حادة بين الصدر و«الإطار التنسيقي» تقوّي مواقف الأكراد والسنّة

مظاهرة لأنصار «الحشد» رفضاً لنتائج الانتخابات  في نينوى أول من أمس (أ.ف.ب)
مظاهرة لأنصار «الحشد» رفضاً لنتائج الانتخابات في نينوى أول من أمس (أ.ف.ب)

رغم أن جميع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات العراقية على اختلاف أوزانها شرعت بتشكيل وفود للتفاوض من أجل تشكيل الحكومة، فإن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري هو الوحيد الذي لم يعلن عن تشكيل لجنة. وبينما أظهرت النتائج التي لا تزال أولية تفاوتاً في نسب الفائزين لدى المكونات الرئيسية الثلاث (الشيعة والسنة والكرد) فإن الطريق إلى تشكيل الحكومة بدأ خطواته الأولى برغم انتظار الجميع اليوم السبت أوغداً الأحد لإعلان النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في العاشر من الشهر الحالي.
النتائج الأولية للانتخابات أظهرت فوزاً كبيراً للكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، بينما مُني تحالف الفتح بخسارة قاسية لم تستوعبها قياداته بعد. لكنه بالقدر الذي ربما جعل الصدر يفرح لهذه الخسارة لأبرز خصم له في الساحة الشيعية، فإن المفاجأة التي سوف تشكل له قلقاً خلال الفترة المقبلة هي الصعود الذي بدا غير متوقع لائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. فالمالكي الذي حصد 37 صوتاً ليكون الثاني بين الكتل الشيعية، بينما حظي كل من زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم وزعيم ائتلاف النصر ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بخسارة ثقيلة، يبحث الآن إمكانية منافسة الصدر على الكتلة الأكبر.
وطبقاً للتصريحات الصادرة عن المقربين للمالكي، فإنهم شرعوا في تفاهمات مع القوى الأخرى من أجل تشكيل الكتلة الأكبر، حيث لا يزال التفسير المطاط لها من قبل المحكمة الاتحادية موضع جدل ونقاش.
العرب السنة والكرد برغم أن موقفهم التفاوضي أصبح قوياً أمام الكتل الشيعية التي باتت تشهد انقسامات وخلافات حادة، فإن أوزانهم شهدت هي الأخرى تفاوتاً يمكن أن يسهل في النهاية إمكانية حسم منصبي رئيسي الجمهورية والبرلمان خلال جولات تشكيل الحكومة. فعلى صعيد الكتل السنية، فاز حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان المنتهية ولايته، بالمرتبة الأولى بحصوله على 41 مقعداً، فيما لم ينل تحالف عزم بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر سوى 14 مقعداً. هذا التفاوت سوف يقوي موقف الحلبوسي على صعيد إمكانية عودته لرئاسة البرلمان ثانية بالقياس إلى طموح «عزم» في تولي هذا المنصب. لكن كل الشخصيات السنية التي رشحها الخنجر لتحل محل الحلبوسي في رئاسة البرلمان المقبل خسرت الانتخابات باستثناء محمود المشهداني، رئيس البرلمان الأسبق، مقابل خسارة كل من خالد العبيدي وسليم الجبوري وسلمان الجميلي وقاسم الفهداوي وصلاح الجبوري. وفي هذا السياق، فإن موقف الحلبوسي التفاوضي أصبح أقوى على صعيد التفاهم على منصب رئاسة البرلمان الذي هو من حصة العرب السنة سواء جرت المفاوضات مع الصدر وكتلته المتصدرة أو المالكي الساعي إلى تخطي الصدر بتشكيل كتلة أكبر.
كردياً، لا يختلف الأمر كثيراً لا سيما بعد النتائج التي حققها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، حيث جاء بالمرتبة الأولى كردياً بواقع 32 مقعداً. وبينما جرت في السابق تفاهمات بين بارزاني والتيار الصدري، فإن تفاهمات مماثلة كانت جرت وكلها قبل الانتخابات بين المالكي وبارزاني عقب زيارة قام بها الأول إلى أربيل. إلا أنه وطبقاً لما يراه المراقبون السياسيون المتابعون للشأن العراقي، فإنه في الوقت الذي يمكن أن يخضع التفاهم بين الصدر وبارزاني لتأثيرات داخلية وإقليمية من بينها مواقف الصدر الحادة من مسألة التطبيع مع إسرائيل، لا سيما بعد مؤتمر أربيل الأخير الذي دعا إلى التطبيع مع إسرائيل، فإن أجواء عدم الثقة بين بارزاني والمالكي انطلاقاً من التجارب السابقة بينهما لا تزال قائمة إلى حد كبير. مع ذلك فإنه في الوقت الذي يمكن أن يفاوض بارزاني على حصص وزارية مع المالكي أو الصدر لكنه قد لا ينسحب على منصب رئاسة الجمهورية بسبب إصرار الاتحاد الوطني الكردستاني على ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح لولاية ثانية.
إلى ذلك، أكد كل من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، أهمية المضي في التعامل مع الطعون المسجلة على سير العملية الانتخابية وفق الطرق القانونية. وقال صالح وزيدان، في بيان مشترك، أمس، إن «الاحتكام إلى الشعب هو مبدأ أساسي ودستوري باعتباره مصدر شرعية الحُكم، وإن الانتخابات هي استحقاق وطني ومسار ديمقراطي سلمي للرجوع إلى المواطنين وخياراتهم، وضرورة تحقيق ثقة العراقيين بالعملية الانتخابية لتكون معبرة عن إرادتهم الحقيقية».
وحول الاعتراضات القائمة على سير العملية الانتخابية، قال البيان: «نؤكد أنها مقبولة ضمن السياق القانوني، وأن التعامل معها يكون وفق الدستور والقانون ليكون الفيصل، ونؤكد دعمنا لمفوضية الانتخابات والهيئة القضائية المُختصة لمتابعة هذا الملف والحرص والجدية التامة بالنظر في الشكاوى والطعون المقدمة كافة على العملية الانتخابية بمهنية عالية وبمسؤولية وحيادية تامة». ودعا البيان «جميع الأطراف إلى موقف وطني مسؤول يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنب أي تصعيد قد يمسّ السلم والأمن المجتمعيين».
كما أكد البيان «ضرورة تضافر الجهود لتلبية الاستحقاقات الوطنية التي تنتظر البلد بتشكيل مجلس نواب يُعبر عن إرادة الشعب ويستجيب لتطلعاته في الإصلاح والتنمية، ويعملُ على تشكيل حكومة فاعلة تحمي المصالح العليا للبلد بترسيخ دولة مقتدرة تُحقق تطلعات الشعب نحو مستقبل أفضل».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.