«السلطة» ترفض الموقف الأميركي في مجلس حقوق الإنسان

TT

«السلطة» ترفض الموقف الأميركي في مجلس حقوق الإنسان

أعربت وزارة الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية، عن استغرابها من تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، التي أبدى فيها المعارضة الشديدة لما سماه «تركيز مجلس حقوق الإنسان غير المتناسب على إسرائيل».
وقالت الخارجية في بيان لها، أمس (الجمعة)، إن برايس تجاهل حقيقة أن الذي فرض على مجلس حقوق الإنسان في جنيف اعتماد بند خاص على جدول أعماله الدائم، له علاقة بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، هو استمرار إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة الأميركية الأولى، في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل منهجيّ ويوميّ وعلى مدار أكثر من 54 عاماً من الاحتلال الشمولي لأرض دولة فلسطين.
وأضافت أن «مَن يتابع انتهاكات الاحتلال اليومية بحق شعبنا، لا يمكنه إلا أن يدين تلك الإجراءات، ويصرّ على إبقاء البند الخاص ضد إسرائيل على جدول أعمال المجلس». وأوضحت: «كنا ننتظر من الإدارة الأميركية أن تكون مبدئية مع تصريحاتها وصادقة مع تعهداتها، وأن تشمل فلسطين في ثوابتها لصالح حقوق الإنسان، وألا تستثني إسرائيل من الإدانة بوصفها الدولة الأولى في العالم التي تحتفظ بأبشع سجل إجرامي بحق الإنسان الفلسطيني، وتستمر بارتكاب الجرائم بحقه، غير أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تَعتبر، وتُغمض أعينها عن رؤية الحقيقة».
ورأت أن «تصريحات برايس تنمّ عن جهل كبير أو تجاهل أفظع لرؤية واقع الاحتلال والاعتراف بجرائمه، كأن هذا الموقف يحمي إسرائيل من المساءلة ويعفيها من المحاسبة، ويستثنيها من قائمة الدولة التي تنتهك مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي واتفاقيات جنيف الدولية». ودعت الخارجية برايس لزيارة فلسطين للاطلاع على واقع الاحتلال على حقيقته، من أجل أن يكون أكثر التزاماً بما تدّعيه إدارته من التزام بحقوق الإنسان عالمياً.
كانت الضفة الغربية قد شهدت، أمس أيضاً، وكما في كل يوم جمعة، عدة مسيرات تم قمعها من قوات الاحتلال. وبدأت هذه الاعتداءات، في ساعات الفجر، بمناورات عسكرية في أطراف بلدة يعبد وقرية كفيرت غربي جنين. وذكر شهود عيان أن قوات الاحتلال نشرت فرق مشاة بين كروم الزيتون، وداهمت خلال المناورات، منزل المواطن نهاد داود الكيلاني في قرية كفيرت، وشنت حملة تمشيط واسعة في الأراضي الزراعية مستخدمة سيارات إسعاف وآليات عسكرية. ومنذ ساعات الصباح كثفت قوات الاحتلال من وجودها العسكري في محيط يعبد وقراها المجاورة.
وفي كفر قدوم، أُصيب شابان بجروح والعشرات بحالات اختناق، جراء قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي، المسيرة الأسبوعية السلمية المناهضة للاستيطان. وقال منسق المقاومة الشعبية بالقرية مراد شتيوي، إن قوات الاحتلال هاجمت المشاركين في المسيرة، وأطلقت تجاههم الأعيرة النارية وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى إصابة شابين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والعشرات بحالات اختناق. وأضاف أن قوات الاحتلال أغلقت إحدى الطرق الفرعية المؤدية للقرية بالسواتر الترابية، بهدف إعاقة وصول المزارعين إلى حقول الزيتون.
وأُصيب أربعة مواطنين بجروح ورضوض، في اعتداء للمستوطنين على قاطفي الزيتون في قرية ياسوف شرق سلفيت، وسط حماية الجنود. وأفاد المزارع يوسف حمودة، بأن نحو 30 مستوطناً من مستوطنة «رحاليم» المقامة على أراضي قرية ياسوف، هاجموا المزارعين بالحجارة في أثناء قطفهم ثمار الزيتون، ما أدى إلى إصابته بالرأس، وزوجته خولة عصايرة في القدم، ونجله صهيب برضوض في ظهره. وأضاف أن المستوطنين حطموا زجاج مركبته، ورشوا غاز الفلفل على وجه المواطنة جمانة سليمان وسرقوا هاتفها المحمول وعلب دواء، إضافة إلى سرقة ثمار الزيتون والسلالم والمفارش. وأشار إلى أن المنطقة تُعرف بالقرنة، وتتعرض بشكل مستمر لاعتداءات الاحتلال ومستوطني «راحيل» بهدف تهجير المواطنين وتفريغهم من أراضيهم.
من ناحيته، حذّر محافظ سلفيت عبد الله كميل، من خطورة الاعتداءات التي تجري يومياً بحق المزارعين في ذروة موسم الزيتون، برعاية حكومة الاحتلال، وأداتها التنفيذية جماعات المستوطنين المتطرفين التي تتمادى في مسلسل الهجمات التي تشنها في مختلف البلدات والقرى في سلفيت. ودعا إلى تحرك فوري وعاجل على جميع المستويات المحلية والدولية للجم هذه الاعتداءات والممارسات الهمجية المتكررة.
واقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس (الجمعة)، بلدة بدو، شمال غربي القدس المحتلة. وأفاد شهود عيان بأن مواجهات اندلعت بين المواطنين وقوات الاحتلال في منطقة الكروم من البلدة، أطلقت خلالها الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز، باتجاههم. ولم يُبلَّغ عن إصابات.
وشهدت بلدتا بيتا وبيت دجن قضاء نابلس، مسيرات ومواجهات مع قوات الاحتلال في أعقاب انتهاء صلاة الجمعة، ووصول عشرات المشاركين إلى محيط البؤر الاستيطانية المحيطة بالبلدتين. وجاءت المواجهات رغم انتشار آليات الاحتلال، حيث شرعت الجرافات العسكرية بإغلاق الطرق المؤدية إلى بؤرة «افتيار» المقامة على جبل صبيح، ببلدة بيت، وعلى السفوح الشرقية لبلدة بيت دجن شرقي نابلس.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.