لبنان ينام على «هدنة» وخوف من اليوم التالي

عناصر من الجيش اللبناني في منطقة الاشتباكات أمس (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني في منطقة الاشتباكات أمس (رويترز)
TT

لبنان ينام على «هدنة» وخوف من اليوم التالي

عناصر من الجيش اللبناني في منطقة الاشتباكات أمس (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني في منطقة الاشتباكات أمس (رويترز)

أضافت الاشتباكات التي حصلت في منطقة الطيونة في ضاحية بيروت الجنوبية الشرقية، ثقوبا جديدة في المبنى الذي شهد الحرب الأهلية في العام 1975. الثقوب التي تكاسل سكان المبنى عن سدها بعد نهاية الحرب في العام 1990 باتت شاهدا لحرب انقضت ولـ«حرب صغيرة» شهدتها المنطقة أمس، معطية بعض اللمحات عما ينتظر البلاد في حال استمرت الأمور على مسارها الحالي.
العجيب أن المنطقة نفسها شهدت بداية الحرب الأهلية في لبنان، عندما تعرض موكب فلسطيني لإطلاق النار لدى مروره في المحلة، وتكرر أمس مع تعرض موكب المتظاهرين لإطلاق رصاص مجهول، تلاه إطلاق نار مقابل على ثلاثة أبنية تقف عند خط التماس القديم – الجديد، بكثافة نارية كبيرة عجز أمامها الجيش اللبناني عن التدخل، واستلزم وقتا واتصالات للسيطرة على الموقف.
وكرست اشتباكات الأمس رمزية منطقتي عين الرمانة المسيحية والشياح الشيعية، حيث تحولت المنطقة إلى ساحة حرب دامت ساعات وأرهقت ذاكرة كبار السن الذين سبقوا أن عاشوا تلك الحروب في المنطقتين المتقابلتين. ويقول، أبو جورج، صاحب متجر صغير في عين الرمانة، بينما كان يقفل متجره على عجل عند احتدام إطلاق الرصاص: «اعتقدنا أننا دفنا الحرب إلى غير رجعة، لكنها عائدة» ويضيف «هذه ليست مشكلة عابرة، إنها تمهيد لحرب جديدة، وسندافع عن أنفسنا مرة جديدة ولن نسمح لهم بانتهاك مناطقنا». يتدخل جار له، قائلا: «قاومنا كل الحملات التي هدفت لإزالة وجودنا، وهذه لا تختلف عن سواها منذ أيام العثمانيين».
شوارع عين الرمانة كانت شبه خالية خلال الاشتباكات. الجيش اللبناني عزل المنطقة، وأقام نقاط مراقبة متنقلة لمنع الاحتكاكات المحتملة مع «جيران المنطقة»، خصوصا أن ثمة تاريخا بينهما في كل مرة، حاول محتجون شيعة المرور بدراجاتهم النارية وتصدى لهم شبان المنطقة. الموضوع تكرر كثيرا منذ العام 2005، وفي كل مرة يتحول إلى كابوس أمني للجيش اللبناني الذي اضطر أخيرا لإقامة نقاط ثابتة وثكنات على خط التماس القديم المعروف بـ«محور صنين»، الذي يبعد مئات الأمتار عن موقع حادثة الأمس.
وبعد انتهاء الاشتباكات، شهدت المنطقة حركة نزوح لمن يمتلك منزلا خارجها، تحسبا لتجدد الاشتباكات ليلا. يكرر أحد السكان مثلا لبنانيا قديما: «لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة (كوابيس)». سأعود إلى قريتي في كسروان لبضعة أيام وبعدها نرى. مضيفا بحسرة «شبعنا، يقتلوننا ويتقاتلون بنا، ثم ننتخبهم مجددا».
في الجهة المقابلة، كانت أحياء الشياح أكثر ازدحاماً. الشياح تضم حضورا طائفيا مختلفا عن عين الرمانة، لكنهما تجتمعان معا على لعنة الفقر. الضاحيتان الفقيرتان تشكلان خزانا بشريا لأحزاب خاضت الحرب سابقا، «القوات اللبنانية» من الجهة المسيحية وحركة «أمل» من الجهة الشيعية.
لكن ما يختلف هو غياب الحضور الأمني الرسمي. الجيش اكتفى بالتمركز عند خط التماس القديم، فيما جابت دراجات نارية الشوارع تحمل مسلحين يتنقلون في الأحياء دون هدف واضح. صورة الاستنفار العسكري في المنطقة كانت طاغية، فيما وصل إلى المنطقة مئات الشبان بسلاح غير ظاهر كانوا يتجمعون أمام بعض المباني وينقسمون إلى مجموعات صغيرة من نحو 20 شخصا.
كثافة النيران التي أطلقت نحو مباني عين الرمانة كانت كبيرة، رافقتها بعض القذائف الصاروخية التي انفجر معظمها في الهواء محدثا ضجيجا مخيفا، فيما كانت الطلقات المقابلة قليلة ومتفرقة من قناصة يحاول الجيش تحديد هوياتهم، كما أكد مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط». وأوضح المصدر أن الجيش ضغط بشدة لوقف الاشتباكات، لكنه لم يكن قادرا على وقف الرصاص الذي خرج من مصادر كثيرة، فيما أشار بعض الشبان إلى أن بعض مطلقي النار كانوا يقومون بـ«عملهم» تحت أنظار الجنود في بعض الأحيان، من دون قدرة للوصول إليهم لكثافة النار المستعملة.
ويقول مرجع أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش يمسك الآن زمام المبادرة في المنطقة التي شهدت الاشتباكات، لكن الخوف الأساسي هو من استغلال البعض الأمر للقيام بشيء مشابه في مناطق أخرى، أي منطقة تماس شيعية مسيحية، ككفرشيما والحدث والفنار في شرق بيروت، أو في البقاع (شرق البلاد).
وعليه، سينام اللبنانيون ومعهم القلق لليوم التالي، فيما سيسهر العسكر من دون ضمانة بعدم تكرار المأساة.



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».