هيكلة «الرشاقة» في إنشاء الخدمات الاستراتيجية

معالم لازمة لتحسين عمل الكوادر وكسب رضا العملاء

غلاف بناء الرشاقة
غلاف بناء الرشاقة
TT

هيكلة «الرشاقة» في إنشاء الخدمات الاستراتيجية

غلاف بناء الرشاقة
غلاف بناء الرشاقة

الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية يتطلب خريطة طريق يتم تطبيقها عبر برنامج عمل، تشمل جميع المتغيرات المتعلقة بمنظومة شركة أو حكومة ما؛ هذا ما تتحدث عنه هيكلة هوشين كانري (Hoshin Kanri) التي طورها في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، ثم انتشرت إلى الولايات المتحدة وبقية دول العالم.
نشر الكاتب الكردي العراقي المقيم في نيوزيلندا، سامان لاوه، مؤخراً كتاباً باللغة الإنجليزية، عنوانه «بناء الرشاقة في الخدمات» (Building Service Agility)، وهو يتكون من نحو 350 صفحة بمثابة تجميع لأوراق وبحوث ومشاريع قدمها الكاتب وطبقها خلال عمله في عدة شركات حكومية نيوزيلندية عبر سبع سنوات من الخبرة في مجال المواصلات العامة.
ويسعى الكاتب في ذلك الكتاب إلى توضيح الخطوات اللازمة لتطوير الخدمات، مستفيداً من تجربة هوشين كانري بصفتها هيكلة للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية عبر تحسين الخدمات بصورة مستدامة تؤدي بدورها إلى «التفوق التشغيلي» (Operational Excellence)، إذا ما انخرط فيها جميع العاملين في المنظمة (شركة أو حكومة).
ويرى الكتاب أنه من المستحيل انخراط جميع الكوادر، إذا غابت الحوافز التي تدفعهم إلى العمل كتلة واحدة في تطبيق خريطة الطريق.
ويبدأ الكتاب بسرد مجموعة من المشكلات والتحديات المتعلقة بمنافسة منظمات متشابهة، والمتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والمناخية التي تواجه الشركة المعنية باستمرار. ولهذا، نجد الكتاب يركز على ضرورة استدامة تحسين جميع مكونات التجارة الخدمية.
ويذكر المؤلف أن «المشاريع التي ساهم فيها الكاتب أدت إلى زيادة ميزانية العشرية لشركة (مواصلات أوكلاند) من ثمانية مليارات دولار نيوزيلندي إلى اثني عشر ملياراً، وبعدها إلى ستة عشر ملياراً. وساهم في زيادة الميزانية السنوية لشركة القطارات الوطنية (كيوي ريل) (KiwiRail) من مليار دولار نيوزيلندي إلى ثلاثة مليارات ونصف المليار».
ويناقش الكتاب في الفصل الأول أهمية الموضوع، والشخصيات الملمة بموضوع الكتاب. ويتطرق في الفصل الثاني إلى تعريفات لكثير من المصطلحات الموجودة في مجالات الإدارة والخدمات والتكنولوجيا، لكي يسهل على القارئ غير المختص فهم الفصول اللاحقة من دون الحاجة للاستشهاد بالمصادر الخارجية. ويعرف الفصل الثالث الخدمات بصورة مطولة، وتأثير الخدمات على اقتصاد الدول والشركات. وفي الفصل نفسه، يواصل الكاتب شرح مكونات الخدمات الحديثة.
ويناقش الفصل الرابع «نوعية الخدمات» (Service Quality) والنماذج الموجودة في إدارة الخدمات وتطويرها. ومن ثم، يتناول الكاتب ماهية وكيفية تصميم الخدمات، وهو موضوع الفصل الخامس، في ضوء «إدارة الجودة الكلية» (Total Quality Management). أما في الفصل السادس، فيركز المؤلف على أهمية الثقافة التنظيمية في التحسين المستمر، والخطوات الموصى بها لتأسيس الثقافة المقصودة. وفي سياق الفصل نفسه، يناقش الكتاب المعالم اللازمة لخلق رؤية مشتركة، وغرس أهداف التحسين بين الكوادر، وكيفية تأثير أطر التحسين النظامي على توفير التكلفة والوقت، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز رضا العملاء. وفي نهاية الفصل، يجد القراء الإجابة عن كيفية قيام قادة الأعمال بتنفيذ برامج التحسين المؤدي إلى تغيير ثقافي وتحسين أداء الأعمال.
ويمكن عد الفصل السابع جوهر الموضوع الذي يتحدث عنه الكاتب، إذ يشرح فيه آليات التحسين المستمر للخدمات، ومن ضمنها نموذج «الكايزن» (Kaizen) و«لين» (Lean). وهو يكمل هذه الأفكار في الفصل الثامن، المعنون بـ«أدوات تحليل للتحسين المستمر»، حيث يعرض مقدمات لأكثر الأدوات استخداماً في مجال السيطرة النوعية، ودعم التحسين المستمر، مركزاً على هيكلة «هوشين كانري»، وكيفية استخدامها في تطوير الاستراتيجيات وتنفيذ خريطة الطريق والمشاريع المتعلقة.
أما في الفصل التاسع (الأخير)، فيقترح منهجاً جديداً لإدارة المشاريع المتعلقة بتنفيذ مبادرات التحسين المستمر. ويعتمد هذا المنهج على مزج إدارة المشاريع عبر هيكلة «الرشاقة» (Agile) وأدوات الـ«كان-بان» (Kanban)، وإدارة مشاريع «لين» (Lean Project Management).


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.