اليأس والفوضى يزيدان حالات الانتحار في السويداء وسط تكتم شعبي ورسمي

«التسويات» تواصل الانتشار في ريف درعا الشرقي

اجتماع لوجهاء وأعيان في السويداء (الشرق الأوسط)
اجتماع لوجهاء وأعيان في السويداء (الشرق الأوسط)
TT

اليأس والفوضى يزيدان حالات الانتحار في السويداء وسط تكتم شعبي ورسمي

اجتماع لوجهاء وأعيان في السويداء (الشرق الأوسط)
اجتماع لوجهاء وأعيان في السويداء (الشرق الأوسط)

سجلت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا أعلى معدلات حالات الانتحار في سوريا، لأسباب مختلفة منها صعوبات الحياة التي عصفت بفئة الشباب والانفلات الأمني الكبير وانتشار السلاح، وسط تكتم الأهالي عن الأرقام الحقيقية للمنتحرين.
وقال ريان معروف مسؤول تحرير شبكة «السويداء 24» الناقلة لأخبار السويداء المحلية لـ«الشرق الأوسط»: وثقت شبكة «السويداء 24» 22 حالة انتحار منذ مطلع العام الحالي 2021 حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وسجل خلال شهرين الماضيين فقط 10 حالات انتحار، 8 منها الذكور، و2 من الإناث، وفي معظم الحالات تم الانتحار باستخدام سلاح حربي، وإحدى الحالات باستخدام قنبلة يدوية، وحالة واحدة كانت شنقاً.
ويفصح عن غالبية حالات الانتحار بأنها ناتجة عن خطأ في استخدام السلاح من قبل ذوي الضحية، وأن كثيراً من هذه الحالات لا يصرح بها بحالات انتحار، لكن تزايد عددها هو السمة الواضحة خلال الأشهر القليلة الماضية، المسجلة لدى إحصاءات محلية، وباتت تخرج تفاصيلها إلى وسائل الإعلام، وهناك حالات قد لا تسجل ولا تعلن خاصة المتعلقة بالإناث، باعتبار أنها باب للكثير من التساؤلات في المجتمع المحافظ على عاداته وتقاليده الخاصة.
وزاد أن حالات الانتحار الموثقة كلها من الفئة الناشئة التي تكون في طور تكوين الذات وبناء الشخصية، وأن هناك أعدادا كبيرة من الشباب في السويداء راغبة بالسفر ولكنها غير قادرة بسبب أنها مطلوبة للخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش، ولديها الكفاءة التعليمية، وباتت فرص العمل نادرة أو معدومة أمامهم في سوريا، وأخرى منها محتكرة خاصة فيما يتعلق بموضوع العمل في منظمات المجتمع المدني سواء المستقلة المدعومة من الخارج، أو التي شكلها النظام، وعدد هذه المنظمات بالعشرات في السويداء، وتعتمد على تشكيل الفريق أو الجماعة والمشروع بناء على محسوبيات الصداقة والقربة، ويترافق ذلك مع وجود السلاح بشكل عشوائي في المنزل، وغياب الهيئات الدينية والحكومية، إضافة أن انعكاسات سنوات الحرب وهجومات «داعش» المتكررة على السويداء التي شكلت هاجساً نفسياً كبير لدى كثيرين ولم تتعاط المنظمات المدنية والمجتمع مع حالتهم بشكل جدي تساعدهم على التخلص من العقد التي تشكلت من الخوف السابق.
واعتبر الإعلامي مقداد الجبل أن كثيراً من الأسباب التي دفعت هذه الظاهرة مؤخراً للتصاعد، «أهمها انتشار المخدرات وبشكل كبير، ما يدفع إلى ارتكاب الانتحار دون إدراك، وحدث ذلك قبل عام، حيث أقدم يافعان على الانتحار وبثا شريطا مصوراً أرسلاه لأصدقائهما قبل مفارقتهما الحياة وتبدو عليهما بشكل واضح آثار المخدرات والمشروب، إضافة إلى الضغوط الحياتية والنفسية الكبيرة، والأكثر خطورة أن المعلومات التي تصل مؤخراً عن الأشخاص المنتحرين، أن لهم سمعة حسنة وأنهم محبوبون من الأهالي، وهم أشخاص مسالمون. وهذه خسارة للمجتمع».
وقال أحد الباحثين الاجتماعين من السويداء لـ«الشرق الأوسط» إن معظم حالات الانتحار التي سجلت مؤخراً في السويداء كانت بسبب تراجع الشعور بالمستقبل المنشود والضغوطات المستمرة والفقر المتصاعد، أو حالات تعرضت لصدمة عاطفية، والواقع الاقتصادي المتردي، وأخرى متعلقة بالمشكلات العائلية والانفلات الأمني وانتشار السلاح وغياب المحاسبة، وأضاف معظم الحالات بعد التواصل مع أصدقاء ومقربين منهم، كانت بسبب ضغوط نفسية ناجمة عن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي. وعلى سبيل المثال في إحدى حالات الانتحار كتب أحدهم ورقة لزوجته يطلب منها أن تهتم بالأولاد، بعد أن خسر مبلغا مالياً كبيراً وأصبح مديونا وغير قادر على سداد ديونه. وشخص آخر أفلس وانتحر. وهناك عوامل أخرى كانتشار المخدرات خصوصا بين فئة الشباب، وانتشار السلاح بشكل عشوائي وسهولة وصوله لكافة أفراد المجتمع، فكل بيت اليوم فيه سلاح وهو في متناول الأطفال حتى.
وزاد أنه مع ارتفاع معدل حالات الانتحار في السويداء لا بد للمجتمع في السويداء أن يدق ناقوس الخطر في التعاطي مع الظاهرة بشكل جدي، والبحث عن حلول حقيقية تشمل الناحية الأمنية والتوعية الاجتماعية والدينية واستهداف الفئات الشبابية في المجتمع بشكل خاص.
وفي عام 2019 أصدر الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، بيانا موجها لأبناء الطائفة بشكل عام وفي السويداء بشكل خاص، يوضح موقف الرئاسة الروحية للطائفة من حالات الانتحار المتزايدة في محافظة السويداء، معتبراً أن «أشد وأشنع القتل، وأبغضهُ، الانتحار»، داعياً في بيانه أبناء الطائفة وخاصة جيل الشباب، إلى عدم الابتعاد عن القيم والعادات المعروفية الحميدة المتوارثة، وعدم الانزلاق إلى عالم الأوهام والقشور الزائفة، وإباحة المحرمات واتباع الشهوات، دون وعي ودون رادع زمني أو ديني كابح.
وشدد الرئيس الروحي لطائفة الموحدين بالابتعاد كلياً عن الانتحار واصفاً إياها بالجريمة النكراء، والكُفر بمسبباتها، ومناهضتها والابتعاد عن كل من يقرب إليها.
في درعا المجاورة للسويداء دخلت قوات من النظام السوري والشرطة العسكرية الروسية إلى بلدات صيدا والنعيمة وكحيل يوم الأربعاء، وأجرت عملية انتشار بحضور وجهاء البلدات وقوات محلية من أبناء المنطقة متطوعة لدى جهاز الأمن العسكري، وأجرت عملية تفتيش سريعة لبعض المنازل والمزارع المحيطة، وذلك بعد أن وافقت هذه المناطق على تطبيق اتفاق التسوية الجديدة، وأجرى المطلوبون المدنيون والعسكريون والراغبون عملية التسوية وتسليم السلاح الخفيف والمتوسط في مركز التسويات بمدينة صيدا شرق درعا خلال الأيام القليلة الماضية.
وأفادت مصادر بأن الخريطة الروسية سوف تتوسع شرق درعا وتصل مناطق جديدة مثل المسيفرة والكرك والحراك والغارية الشرقية والغربية، بعد أن ينتهي تطبيقها في بلدات المتاعية والجيزة بريف درعا الشرقي التي دخلتها اللجنة الأمنية التابعة للنظام والشرطة الروسية يوم الأربعاء وأحدث مركز للتسويات وتسليم السلاح، بعد التوصل لاتفاق مع وجهاء وأعيان المنطقة.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.