ميقاتي يسعى لقطع الطريق على إصابة حكومته بعطل دائم

وزير العدل يتنقل بين المقرات الرئاسية محاولاً تقريب وجهات النظر

TT

ميقاتي يسعى لقطع الطريق على إصابة حكومته بعطل دائم

قال مصدر وزاري إن تعذُّر التوصُّل إلى صيغة لتسوية النزاع حول المسار الذي بلغه التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت أدى إلى تعليق جلسات مجلس الوزراء إلى حين التفاهم على صيغة لإطفاء الحريق السياسي الذي اندلع بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين وزراء «الثنائي الشيعي» وتيار «المردة»، وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن وزير العدل هنري خوري يتولى إعداد صيغة تلو أخرى، لعله يتمكن من تسويق تسوية تحظى بتأييد أطراف النزاع.
ولفت المصدر الوزاري إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يواكب المهمة التي أوكلها إلى وزير العدل الذي يتنقل بين المقرات الرئاسية، في محاولة لتقريب وجهات النظر لإعادة الروح إلى مجلس الوزراء الذي عُلّقت جلساته بعد جلسة أول من أمس التي بودلت فيها التهديدات، واضطر وزراء «الثنائي الشيعي» و«المردة» للانسحاب قبل أن يرفع عون الجلسة، وهذا ما أصروا على تسجيله في محضر الجلسة.
وأكد أن الصيغ الجوّالة التي يتولى وزير العدل تسويقها ما زالت موضع أخذ وردّ، رغم أن ميقاتي يقوم بجهد فوق العادة لقطع الطريق على احتمال إصابة حكومته بعطل دائم لا يمكن مداواته والإبقاء عليه كعطل موقت يؤمن له العلاج السياسي.
لكن في المقابل هناك من يقول، نقلاً عن مرجع سياسي، إن الحريق السياسي الذي التهم جلسة مجلس الوزراء سيترك بصماته على الطاولة بعد أن بلغ الاستنفار ذروته بدخول «حزب الله» من الباب الواسع ولأول مرة على خط الصدام مع حليفه الاستراتيجي رئيس الجمهورية، وهذا ما فاجأ تياره السياسي الذي كان يحاول توظيف التحقيق في انفجار المرفأ للثأر من خصومه، وأبرزهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، لانعدام الكيمياء السياسية بينهما وبين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ورأى المرجع السياسي - الذي فضّل عدم ذكر اسمه، كما يقول المصدر - أن الحكومة الميقاتية أصيبت بعطل قبل ولادتها عندما سُمح للوزراء المرشحين لتولي حقائب فيها بالتوجُّه إلى دارة باسيل بقصد التعارف عليه بناء على طلب عون وعدم ممانعة ميقاتي، مع أن باسيل يدّعي أن لا علاقة له بالحكومة وأن تياره السياسي ليس ممثلاً فيها وأنه بالنسبة إلى تشكيل الحكومة يقف خلف رئيس الجمهورية، وقال إنه انكشف على حقيقته عندما أصرّ على لقاء الوزراء، وربما هذا ما أراده ميقاتي لحشر عون، وصولاً لإلصاق التهمة بصهره بأنه يقوم مقام رئاسة الجمهورية.
وسأل المرجع السياسي؛ لنفترض أن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار انطلق في مسار التحقيق من نقطة تدعو للاستغراب، وهذا الأمر لا جدال فيه، لكن لا يحق لـ«حزب الله» أن يطالب بكفّ يده واستبداله بقاضٍ آخر، مع أن الفرصة كانت متاحة لبيطار لتصويب مسار التحقيقات التي باشر فيها لإبعاد الشبهة عن اتهامه بالاستنسابية والانتقائية.
كما سأل؛ أين كان عون عندما هدّد مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا القاضي البيطار؟ ولماذا لم يتدخّل للعودة بمسار التحقيق إلى مسلكه الطبيعي والمتوازن، الذي لن يتحقق إلا بمساءلته عن الأسباب التي حالت دون تدخّله للتخلص من نيترات الأمونيوم، بعد أن أُعلم بوجودها قبل أسبوعين من انفجارها، متذرّعاً بعدم صلاحيته بالتدخُّل، رغم أن تدخّله كان وراء تعطيل تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، ما اضطره للاعتذار عن تشكيلها؟ واعتبر المرجع السياسي أنه ليس في موقع الدفاع عن «حزب الله» أو عون، خصوصاً أن الحزب هو من عطّل انتخابات رئاسة الجمهورية ولم يُفرج عنها إلا بعد أن ضمن انتخاب عون رئيساً، وها هو اليوم يدفع الثمن السياسي برغم أن عون وفّر له الغطاء السياسي ولم يحرّك ساكناً حيال استيراده للمازوت الإيراني عبر خطوط التهريب التي تربط سوريا بلبنان، إضافة إلى أنه كان أول من أخلّ بتعهّده في خطاب القسم بإدراج الاستراتيجية الدفاعية كأول بند على جدول أعماله.
وقال إنه يخشى من أن يذهب التحقيق في انفجار المرفأ ضحية صراع بين عون وحليفه «حزب الله»، وأن يكون الثمن استبدال القاضي البيطار بقاضٍ آخر، مع أنه كان في وسعه أن يتبع التوازن في ادعائه على فريق سياسي، قد يكون من لون واحد دون فريق آخر، فيما التيار السياسي المحسوب على عون يبدي استعداده للدخول في عمليات مقايضة لرفع العقوبات الأميركية عن باسيل لإعادة تعويمه سياسياً ليكون في عداد المرشحين لرئاسة الجمهورية.
وفي هذا السياق، يسأل مصدر سياسي إذا كان موسم تبادل المنافع السياسية بين عون - باسيل وحليفهما «حزب الله» قد انتهى على مشارف دخول الولاية الرئاسية في سنتها الأخيرة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال ما خلصت إليه الخلوة التي عقدها «التيار الوطني» بمناسبة حلول ذكرى 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990 التي كانت وراء إخراج عون من قصر بعبدا، وتحديداً لجهة دعوته إلى إعادة النظر في تحالفاته مع القوى السياسية، وما إذا كان يُدرج اسم حليفه الوحيد أي «حزب الله» على لائحة من يستهدفهم بدعوته للنظر في تحالفاته.
ويقول المصدر إن ملف التحقيق في انفجار المرفأ أُدخل في بازار الانتخابات النيابية وبات يهدد الحكومة الميقاتية من الداخل بعد أن تلقّت صفعة فاجأتها من «أهل البيت» وتحديداً عون و «حزب الله»، استدعت ترحيل الجلسة بعد أن توزّعت على خطوط تماس سياسية، رغم أن ميقاتي سعى لتبريد الأجواء، لكن النار السياسية كانت أسرع اشتعالاً في نقل الاشتباك إلى الشارع الذي انقسم إلى شارعين أو أكثر.
ويتوقف المصدر نفسه أمام المهادنة القائمة بين عون وبين حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» اللذين يحصران حملاتهما السياسية بفريق معين دون انتقاد لعون وتياره السياسي، كما كان يحصل في السابق، ويقول إنهما قررا التعاطي مع ملف التحقيق، من زاوية قطع الطريق على باسيل ليزايد عليهما شعبوياً في الشارع المسيحي مع دخول البلد في حمى التحضير لخوض الانتخابات النيابية. لذلك - كما يقول المصدر - فإن التحالفات السياسية على مشارف بدء الموسم الانتخابي ستكون خاضعة لإعادة خلط الأوراق، بشكل يتجاوز التقديرات التي كانت قائمة قبل الانفجار السياسي على طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً أنه أدى إلى نشوب خلاف بين «حزب الله» وعون، وهذا هو الجديد الذي سيدفع بهما إلى إعادة النظر في حساباتهما السياسية، لأن خلاف عون مع بري ليس بجديد ويفوق عمره السنوات الخمس التي أمضاها عون في سدة الرئاسة الأولى.
ويبقى الغموض يحاصر التحالفات السياسية، خصوصاً أن تيار «المستقبل» يتجنّب الكشف عن أوراقه التحالفية، فيما يصرّ الحزب «التقدمي الاشتراكي» على تأكيد تحالفه مع الحريري، واصفاً إياه - كما تقول مصادره - إن التحالف محسوم، برغم أن التواصل بين «التقدمي» و «المستقبل» يمر حالياً في تقنين لم يسبق أن بلغه.
ويعتقد المصدر السياسي أن «التقدمي» يحاول التمايز حيال الخلاف الذي انفجر داخل مجلس الوزراء، ويؤكد أن علاقته بـ«حزب الله» يغلب عليها الفتور، وتتخللها تغريدات لجنبلاط، يغمز فيها من قناته، وصولاً إلى إيران، فيما الأفق مسدود أمام قيام أي تعاون بين «المستقبل» و«حزب الله».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».