سيناريوهات ما بعد الجائحة: الحفاظ على مكتسبات البيئة والطاقة أولوية

تسببت الإجراءات المصاحبة لوباء «كوفيد – 19» من العمل عن بُعد وإقامة الفعاليات الافتراضية في انخفاضات، تعد هي الأكبر، في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقاد ذلك الخبراء حول العالم إلى التساؤل عن تأثير التعافي من الوباء على الانبعاثات في المستقبل. هذا الأمر لا يزال أقل وضوحاً، وتحاول نمذجة جديدة أعدها الباحثون من المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية بالنمسا، وضع السيناريوهات البديلة، وكيف يمكن أن تؤثر على أهداف التخفيف من الانبعاثات. وأجرى مجموعة من باحثي المعهد المتخصصين في برنامج الطاقة والمناخ والبيئة، تقييماً من القاعدة إلى القمة للتغيرات في الطلب المرتبط بالطاقة، وقدّروا كيفية تحقيق توازن بين العودة الطبيعية لما قبل الوباء والالتزام بالأنماط الجديدة للسفر والعمل والاستهلاك والإنتاج، بما يمكن أن يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
يقول جارمو كيكسترا، المؤلف الرئيسي للدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد في 11 أكتوبر (تشرين الأول): «لا شك أن الجائحة كانت مفيدة للبيئة، لكن إذا عادت المجتمعات إلى الممارسات القديمة، فسيمحو ذلك أي تأثير إيجابي حدث. ومع ذلك، إذا استمرت بعض التغييرات في ممارسات استخدام الطاقة، فسوف تكون هناك انعكاسات إيجابية على المناخ».
ويُظهر البحث، الذي نُشر في العدد الأخير من «نيتشر إينيرجي»، أن التعافي من تداعيات الجائحة الذي يصاحبه انخفاض للطلب على الطاقة، يمكن أن يقلل الضريبة الافتراضية على جميع انبعاثات الكربون بنسبة 19 في المائة، في سيناريو يسير على الطريق الصحيح للوصول إلى هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، وسيؤدي هذا السيناريو أيضاً إلى خفض استثمارات إمدادات الطاقة حتى عام 2030 بمقدار 1.8 تريليون دولار أميركي، وتخفيف الضغط لتنفيذ تقنيات الطاقة المتجددة بسرعة. والنتيجة الرئيسية التي توصلت لها الدراسة، كما يقول أدريانو فينكا، الباحث المشارك بالدراسة، هي أن تفويت فرصة الاحتفاظ بممارسات ذات استهلاك طاقي أقل في نمط الحياة والأعمال التجارية، من شأنه أن يؤدي إلى تحول أكثر صعوبة في مجال الطاقة، وينبغي أن تتضمن سياساتنا للتعافي الاقتصادي استراتيجيات للاحتفاظ بممارسات انخفاض الطلب على الطاقة التي لوحظت أثناء الوباء، مثل التنقل منخفض الكربون في المدن وزيادة المؤتمرات عن بُعد.
ودرس الباحثون 4 سيناريوهات مختلفة، تتضمن مجموعة من الافتراضات حول التغيرات في الطلب على الطاقة في المباني والنقل وقطاعات الصناعة مع تعافي العالم من جائحة «كوفيد – 19». في سيناريو «الاستعادة»، تتم إعادة استخدام المركبات الخاصة، فضلاً عن كثافة النقل الجوي إلى مستويات ما قبل الجائحة، وينطبق الشيء نفسه على الأنشطة الصناعية وسلاسل التوريد، وكذلك ممارسات العمل والحياة المنزلية. أما في سيناريو «الاعتماد على الذات»، تظل المخاوف بشأن المخاطر الصحية أطول ويتحوّل الأفراد إلى وسائل النقل الخاصة، بينما يتخلون عن أشكال النقل المزدحم، وزيادة مساحة المكاتب والمعيشة لمواصلة التباعد الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطلب على الفولاذ سيزيد بشكل خاص بسبب إعادة تنشيط تصنيع السيارات وتشييد المباني. وفي سيناريو ثالث عنوانه «الاستخدام الذكي»، يتكيّف الأشخاص بشكل أفضل مع العمل من المنزل، وهذا يؤدي إلى استخدام المساحات المنزلية بشكل مكثّف، وانخفاض طفيف في نمو وسائل النقل الآلية، مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. في المقابل، فإن زيادة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت تزيد من النقل العام للشحن البري.
وفي السيناريو الأخير، الذي يسميه الباحثون «الدفع الأخضر»، يتم تحقيق أعلى تخفيضات في استهلاك الطاقة من خلال التغييرات في إعادة تخصيص المساحات وتقليل النقل الخاص. على سبيل المثال، يحل المشي أو ركوب الدراجات محل بعض الرحلات التي كانت تتم سابقاً بالسيارة، وتتم إعادة توظيف المكاتب الفارغة.
وخلص الباحثون إلى أنه بالمقارنة مع سيناريو «الدفع الأخضر»، فإن سيناريو «الاستعادة» سيزيد من استثمارات الطاقة المطلوبة لتحقيق هدف مناخي يبلغ 1.5 درجة مئوية بنحو 9 في المائة أو 1.8 تريليون دولار، يرجع هذا الاختلاف جزئياً إلى الحاجة إلى تعزيز وتيرة كهربة النقل ورفع مستوى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في سيناريو «الاستعادة». بينما ستكون لسيناريو «الدفع الأخضر»، الذي يدعم العمل من المنزل وعقد المؤتمرات عن بُعد لتقليل الطيران والتنقل، نتائج مفيدة للغاية لتحديات التخفيف من تغير المناخ، كما يقول كيوان الرياحي، مدير برنامج الطاقة والمناخ والبيئة التابع للمعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية بالنمسا.
ويضيف المؤلفون أنه من المهم تصميم سياسات شاملة، بما في ذلك إعادة تخصيص مساحات المكاتب وزيادة استخدام المشي أو ركوب الدراجات داخل المدن أو وسائل النقل العام عند التنقل.
يقول المؤلف المشارك تشارلي ويلسون، وهو أيضاً من جامعة إيست أنجليا في نورويتش ببريطانيا، إن «الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية يمكن أن يصبح أكثر قابلية للتحقيق، إذا تمكنا بشكل انتقائي من الحفاظ على بعض الممارسات منخفضة الكربون التي فرضتها علينا عمليات الإغلاق».