صندوق النقد يجدد «الثقة الكاملة» في مديرته

غورغييفا تكسب معركتها بعد دعم أوروبي واسع في مواجهة أميركا

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا (رويترز)
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا (رويترز)
TT

صندوق النقد يجدد «الثقة الكاملة» في مديرته

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا (رويترز)
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا (رويترز)

جدد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ثقته في المديرة العامة كريستالينا غورغييفا بعد مزاعم اتهمتها بالضغط على الباحثين للتلاعب بالبيانات الواردة في تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال» لعام 2018 لصالح الصين، أثناء وظيفتها السابقة كمديرة تنفيذية للبنك الدولي. وقال المجلس التنفيذي المكون من 24 عضوا يمثلون 190 دولة في بيان إن التحقيقات والمراجعة لم تثبت بشكل قاطع أن المديرة العامة لعبت دورا غير لائق».
وقال البيان: «بعد الاطلاع على جميع الأدلة المقدمة، يؤكد المجلس التنفيذي من جديد ثقته الكاملة في قيادة مديرة الصندوق وقدرتها على الاستمرار في تنفيذ واجباتها بفاعلية». وأضاف أنه رغم هذه النتيجة، فإن التحقيقات مستمرة حول سوء سلوك محتمل من جانب موظفي البنك الدولي.
وخلال اجتماعات مكثفة، نفت غورغييفا (البلغارية الأصل وأول شخص من دول الأسواق الناشئة يحتل منصب مدير الصندوق) ارتكاب أي مخالفات وردت في التقرير الاستقصائي الصادر عن شركة ويلمر هيل القانونية، وهو التقرير الذي اتهمها بالضغط على موظفي البنك لتعديل البيانات لتقرير ممارسة الأعمال ليظهر ترحيب الصين بالأعمال ووضعها في مكانة وترتيب أفضل. كان هذا في الوقت الذي كان البنك الدولي يحاول فيه إقناع بكين بالموافقة على زيادة رأس مال البنك.
ويعد تقرير ممارسة الأعمال السنوي من التقارير المهمة التي تظهر العقبات البيروقراطية والأنظمة التنظيمية والأعباء الضريبية لكل جولة وقدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية وفقا لهذه المعايير. وقد أدت هذه الاتهامات إلى إيقاف التصنيف وتوجيه انتقادات للصين بالتأثير على المنظمات المالية الدولية.
وقد واجهت غورغييفا ضغوطا من الإدارة الأميركية التي كانت تؤيد إقالتها من منصبها، لكن الحكومات الأوروبية ضغطت من أجل إبقائها وتجديد الثقة فيها. وبعد القرار طالبت الولايات المتحدة واليابان إجراء مراجعات أكثر عمقا للادعاءات، كما طالبت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بمزيد من الخطوات لضمان الشفافية وسلامة البيانات في صندوق النقد الدولي.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها إن يلين تحدثت مع غورغييفا يوم الاثنين حول «القضايا والمخاوف المشروعة» التي أثارها التحقيق، وطالبت صندوق النقد الدولي بالالتزام بدعم الشفافية وحماية المبلغين عن المخالفات.
وفي بيان، شكرت غورغييفا مجلس إدارة الصندوق، وقالت إنها تتفق مع القرار في أن «المزاعم لا أساس لها من الصحة»، وأن «الثقة والنزاهة هما حجر الزاوية للمنظمات الدولية التي خدمتها بإخلاص لأكثر من أربعة عقود».
وبهذا القرار أنهى البنك الدولي شوطا طويلا من الجدل حول التقرير ومدى مصداقية المؤسسات الدولية والشفافية التي تتمتع بها في مواجهة محاولات تأثير بعض الدول. وكان بول رومر الحائز على جائزة نوبل وكبير الاقتصاديين بالبنك الدولي في ذلك الوقت قد تقدم باستقالته، في أوائل عام 2018 بسبب ما سماه «الافتقار إلى النزاهة» لكبار المسؤولين التنفيذيين المسؤولين عن تقرير ممارسة أنشطة الأعمال.
وقبل ظهور تلك الاتهامات والمزاعم كانت غورغييفا قد نالت استحسانا لدورها في دفع صندوق النقد الدولي للاستجابة لمخاطر وباء (كوفيد - 19) ودورها في تأمين 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للصندوق لمواجهة العواقب الاقتصادية المدمرة للوباء، إضافة إلى دورها في حشد التمويل من أجل إنعاش اقتصاد أخضر وشامل ومواجهة عواقب التغير المناخي.
ويثير صعود الصين الاقتصادي توترات متزايدة في المؤسسة المالية التي تعد الولايات المتحدة أكبر مساهم فيها، ويحتل الأوروبيون تقليديا المناصب الأعلى، وتقرر البلدان من خلال المجلس التنفيذي كيفية مراجعة حقوق التصويت وتحسين الشفافية. ويتبقى على مديرة صندوق النقد الدولي إعادة بناء الثقة خلال الفترة المتبقية من ولايتها.
وقالت أليسيا غارسيا هيريرو، والتي عملت سابقاً في صندوق النقد الدولي إن «تعدد المخاوف الملحة التي تواجه الاقتصاد العالمي إلى جانب عدم الرغبة في تغيير القيادة قد أثرت في التفكير في هذا القرار بتجديد الثقة، وأعتقد أن مجلس الإدارة صندوق النقد يدرك أن هذا ليس الوقت المناسب للقفز إلى حصان آخر». وأضافت «قد يشعر الأوروبيون بالقلق من فقدان مقعد القيادة إذا احتاجت غورغييفا إلى ترك منصبها. من المؤكد أن الصين تجد غورغييفا صديقا مقربا نسبيا. ولدى الولايات المتحدة ما يكفي من المشاكل الداخلية وعلى الصعيد الدولي، والعالم الناشئ بحاجة إلى صندوق النقد الدولي الآن».
وقد رحبت عدة دوائر مالية واقتصادية بالقرار وقال مسؤول أوروبي، طلب عدم نشر اسمه، إن دولا من بينها فرنسا والمملكة المتحدة كانت من بين أولئك الذين يدعمون مديرة صندوق النقد الدولي لأنهم لا يرون أدلة واضحة ضدها. وقال مسؤول بوزارة المالية الفرنسية إن مراجعة تقرير وليمر هيل لم تقدم تفاصيل عن عناصر محددة لتشكك بشكل مباشر في سلوك غورغييفا، وهذا هو سبب دعم فرنسا لها.
ومنذ نشأة الصندوق، كان لفرنسا رأي كبير في تحديد من سيصبح المدير العام له. واحتل خمسة فرنسيين هذا المنصب، وحتى حينما لم تتمكن فرنسا من احتلال المنصب، فقد لعبت دوراً محورياً في تحديد من يحتله.


مقالات ذات صلة

بعثة صندوق النقد الدولي تختتم زيارتها إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج القرض

الاقتصاد  مئذنة مسجد قيد الإنشاء في القاهرة (رويترز)

بعثة صندوق النقد الدولي تختتم زيارتها إلى مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج القرض

اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى مصر وأحرزت تقدماً كبيراً في المناقشات المتعلقة بالسياسات نحو استكمال المراجعة الرابعة لبرنامج القرض، وفق الصندوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئيس سريلانكا أنورا كومارا ديساناياكي مغادراً بعد حفل افتتاح البرلمان العاشر للبلاد في البرلمان الوطني بكولومبو (أ.ف.ب)

سريلانكا تتوقّع اتفاقاً على مستوى موظفي صندوق النقد الدولي الجمعة

قال الرئيس السريلانكي أنورا كومارا ديساناياكي، أمام البرلمان الجديد، إن بلاده تتوقّع أن يعلن صندوق النقد الدولي يوم الجمعة، اتفاقاً بشأن برنامج إنقاذ البلاد.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد علم أوكراني يرفرف بالقرب من المباني التي دمرتها الضربة العسكرية الروسية بكييف في 15 فبراير 2023 (رويترز)

في اليوم الألف للحرب... أوكرانيا تحصل على دعم جديد من صندوق النقد

أعلن صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، أن موظفيه والسلطات الأوكرانية توصلوا إلى اتفاق يتيح لأوكرانيا الوصول إلى نحو 1.1 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام لمدينة الكويت (رويترز)

ارتفاع التضخم السنوي في الكويت 2.44 % خلال أكتوبر

سجل معدل الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، وهو ما يعرف بالتضخم، ارتفاعاً بنسبة 2.44 في المائة خلال شهر أكتوبر الماضي، على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد سفينة وحاويات شحن في ميناء ليانيونغو بمقاطعة جيانغسو (رويترز)

صندوق النقد الدولي يحذر من تأثير التعريفات الجمركية الانتقامية على آفاق نمو آسيا

حذر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء من أن التعريفات الجمركية الانتقامية «المتبادلة» قد تقوض الآفاق الاقتصادية لآسيا، وترفع التكاليف، وتعطل سلاسل التوريد.

«الشرق الأوسط» (سيبو )

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».