دمشق تتوقع {مزيداً من التطبيع»... وإدارة بايدن تدير وجهها

الأسد وزوجته لدى إدلائهما بصوتيهما في انتخابات 26 مايو الماضي (رويترز)
الأسد وزوجته لدى إدلائهما بصوتيهما في انتخابات 26 مايو الماضي (رويترز)
TT

دمشق تتوقع {مزيداً من التطبيع»... وإدارة بايدن تدير وجهها

الأسد وزوجته لدى إدلائهما بصوتيهما في انتخابات 26 مايو الماضي (رويترز)
الأسد وزوجته لدى إدلائهما بصوتيهما في انتخابات 26 مايو الماضي (رويترز)

رغم أن الغرب لا يزال يتحاشى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد ويحمله مسؤولية سنوات الحرب الأهلية القاسية العشر في بلاده، بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولاً تعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن العلاقات مع الرئيس السوري بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، حسب تقرير لـ«رويترز» من بيروت.
وأسفرت انتخابات شهدتها سوريا في مايو (أيار) الماضي عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين، لكن هذا لم يفعل شيئاً لإخراجه من عزلته بين الدول الغربية، غير أن قادة عرباً بدأوا يتقبلون حقيقة استمرار قبضته القوية على السلطة في بلاده.
وأدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان بما صاحبه من فوضى والتركيز على الصين، إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: «ما لم نفعله ولن نفعله هو إبداء أي دعم لجهود التطبيع أو رد الاعتبار للديكتاتور الغاشم بشار الأسد أو رفع عقوبة واحدة عن سوريا أو تغيير موقفنا في معارضة إعادة إعمار سوريا إلى أن يحدث تقدم لا رجعة فيه صوب حل سياسي».
من جهته، قال وزير خارجية فيصل المقداد في مقابلة مع صحيفة «الوطن» السورية أول من أمس: «أنا متفائل بأن نبدأ حوارات أكثر عمقاً وأكثر فائدة لجميع شعوبنا، وهنالك إدراك أكثر من جميع الأطراف بأن الأوضاع الحالية لا تفيد أحداً، وبأن المخططات الغربية تهددنا جميعاً، ولا تريد الخير لنا»، لافتاً إلى أن لقاءاته الأخيرة شملت تسعة وزراء خارجية عرب وكلهم أكدوا أنهم «يشعرون بأن غياب سوريا عن الجامعة العربية أضر بالعمل العربي المشترك وأن سوريا يجب أن تكون ضمن الجسم العربي اليوم قبل الغد والغد قبل بعد غد وبعد غد قبل اليوم الذي يليه».
وتلوح في الأفق أيضاً اعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا، فتركيا ودعمها لفصائل في أنحاء المنطقة، بما في ذلك شريط في شمال سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، تمثل مصدر قلق للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.
غير أنه في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق - إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن اتصالاً بالأسد هذا الشهر للمرة الأولى منذ عشر سنوات - ستظل السياسة الأميركية عاملاً مربكاً. فواشنطن تقول إن سياستها تجاه سوريا تقتضي تنفيذ انتقال سياسي نص عليه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي. ولا تزال العقوبات الأميركية التي تستهدف دمشق، والتي تم تشديدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، تمثل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة.
غير أن محللين يقولون إن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون إلى أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى «قانون قيصر» الذي بدأ سريانه العام الماضي بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وبعد أن كانت إدارة ترمب تحذر الدول العربية من التعامل مع دمشق بدأت هذه الدول تلح في التقارب معها من جديد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية: «حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما».
ويمثل ذلك تحولاً عن السنوات الأولى للصراع التي عُلقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.

هدم الحواجز
أدى الصراع، الذي بدأ قبل عقد من الزمان وتصاعد بعد أن كان في مهده انتفاضة شعبية على حكم الأسد خلال الربيع العربي، إلى مقتل مئات الآلاف ونزوح نصف سكان سوريا عن ديارهم وأرغم الملايين على اللجوء إلى دول مجاورة وأوروبا.
ولا يزال للمعارضة المناوئة للأسد موطئ قدم في الشمال بدعم من تركيا بينما تسيطر قوات بقيادة أكراد سوريا على الشرق والشمال الشرقي وتدعمها الولايات المتحدة. ورغم أن الصراع لا يزال غير محسوم، فقد استعاد الأسد السيطرة على معظم الأراضي السورية بفضل روسيا وإيران اللتين كانتا أكثر التزاماً ببقائه من التزام واشنطن بعزله، حتى عندما تم إطلاق أسلحة كيماوية على مناطق المعارضة.
وأكد الأردن مراراً أنه يريد تحسين العلاقات مع سوريا. ولم يرد متحدث باسم الحكومة الأردنية على الفور على طلب للتعليق على مسار العلاقات مع دمشق مستقبلاً. وأعيد بالكامل فتح الحدود بين سوريا والأردن أمام حركة التجارة في الشهر الماضي وكانت عمان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بموافقة أميركية فيما يبدو.
وقال المحلل السياسي سميح المعايطة الوزير الأردني السابق لتلفزيون «المملكة» التابع للدولة: «عندما يكسر الأردن الحواجز ويقيم علاقات وبهذه الوتيرة فإن دولاً أخرى ستحذو حذوه»، فيما قال جيم جيفري المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا في عهد ترمب: «أنا واثق تمام الثقة بأن الأردنيين يشعرون بأن الولايات المتحدة لن تعاقبهم». وأضاف «يتردد كلام كثير بين وسائل الإعلام وأصدقاء في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تفرض عقوبات بهمة ونشاط على الأسد بموجب قانون قيصر أو غيره».
وانعكس هذا الجو في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي حيث التقى وزيرا الخارجية المصري والسوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وفي معرض إكسبو 2020 دبي حيث بحث وزيرا الاقتصاد السوري والإماراتي تنشيط مجلس الأعمال بين البلدين.



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».