جامعيون لبنانيون يعملون في «الدليفري» ومحطات الوقود

الأزمة الاقتصادية تنهك المواطنين واللاجئين

TT

جامعيون لبنانيون يعملون في «الدليفري» ومحطات الوقود

لم يعد راتب والد أدهم، الطالب الجامعي في كلية العلوم بالجامعة اللبنانية، يغطي أدنى متطلبات الحياة اليومية من مأكل ومشرب ولوازم أساسية، ما اضطر ابن الـ20 سنة إلى السعي لتأمين دخل إضافي يسمح له بمساعدة والده الغارق بالديون، ويغطي تكاليف سنته الجامعية، فكانت وظيفة «الدليفري» أو خدمة التوصيل إلى المنازل، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».
وليست هذه المهنة جديدة في لبنان، لكن المفارقة أن خريجي وطلاب الجامعات لم يلجأوا في السابق، أي قبل الأزمة الاقتصادية، إلى عمل مماثل.
وتشتد الأزمة الاقتصادية في لبنان يوماً بعد يوم، في وقت ترتفع فيه نسبة العاطلين عن العمل، حتى تجاوزت 40 في المائة من سكان البلاد، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فيما يُقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل 5 فقد وظيفته منذ خريف 2019، وأن 61 في المائة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 في المائة. ويواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ومالية منذ عقود.
ويؤكد أدهم أن «السوق اللبنانية اليوم تحتاج إلى خدمة التوصيل التي ازدادت رواجاً مع الحجر العام بزمن كورونا منذ عامين، واستمرت مع أزمة المحروقات التي حالت دون تمكن الأشخاص من الذهاب بأنفسهم لشراء حاجاتهم بعد نفاد مادة البنزين من سياراتهم».
ويعاني لبنان منذ أشهر من شح في الوقود، ما تسبب في إغلاق معظم المحطات، فيما تشهد البقية طوابير انتظار طويلة.
أدهم الذي يعمل اليوم في إحدى شركات التوصيل، كان مدرساً خصوصياً في مادة الرياضيات قبل عام 2019، وكان يعطي الدروس لثلاثة أو أربعة طلاب مرتين في الأسبوع ما كان يؤمن له حاجته الشهرية من النقود لـ«الأمور الأساسية والترفيهية أيضاً»، حسبما يقول، لكن مع بدء تفاقم الأزمة الاقتصادية وإقفال المدارس أبوابها ولجوئها إلى التعليم عن بعد فقد هذا العمل «اللائق»، على حد وصفه، خصوصاً أن المدرس الخصوصي أصبح بالنسبة إلى كثير من الأهالي نوعاً من الكماليات. ويضيف: «الظروف الراهنة لم تعد تسمح لنا بالتكبر على الأشغال التي كنا نعدها في السابق لا تتناسب مع مستوانا العلمي أو الاجتماعي... الظرف صعب جداً وتمر علينا أيام تكون جيابنا فارغة من أي نقود، وهذا الأمر الأساسي الذي دفعني إلى القبول بعمل الدليفري رغم أنني طالب في كلية علوم».
ويوضح أنه «في السابق كان المعروف عن (صبي الدليفري) أنه شخص لم يكمل تعليمه أو لا يملك مؤهلات تسمح له بالقيام بعمل آخر، أما اليوم فالمكانة الاجتماعية أصبحت من آخر أولويات الناس وأصبح شغلهم الشاغل تأمين لقمة العيش».
هي لقمة العيش نفسها التي دفعت باللبناني وسام إلى العمل في إحدى محطات الوقود بالعاصمة بيروت، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «قبل الأزمة الاقتصادية ندر رؤية لبناني يعمل في محطات الوقود إن كان في التعبئة أو غسيل السيارات، ومعظم العاملين كانوا من الجنسيات الأجنبية، لكن مع تحليق الدولار وفقدان الليرة اللبنانية قيمتها أصبح راتب العامل الأجنبي بالعملة الصعبة يساوي الملايين بالليرة اللبنانية، ما دفع أصحاب المحطات إلى اللجوء إلى عمال لبنانيين».
وبحسب وسام (36 سنة)، فإن «العمل ليس عيباً»، وهو يعمل في النهار بتوصيل البريد في أحد المستشفيات، لكن الراتب لم يعد يكفي مصاريف عائلته المكونة من أربعة أشخاص، ويقول: «بين مولد الكهرباء وشراء ماء الخدمة والبنزين أحتاج لأربعة ملايين ليرة لبنانية في الشهر، وهذا لم نؤمن الأكل والشرب! أي راتب سيكفيني؟». ويخبر أنه عندما عرض عليه العمل في محطة الوقود مساءً فكّر بينه وبين نفسه لثوانٍ أن هذا العمل لا يليق به، لكنه سرعان ما قبل بعدها، بحسبه، «لأن الشعب اللبناني وبعد ما لحق به من أزمات، لم يعد يكترث لنوع العمل، بل كل ما يعنيه أن يؤمن مداخيل إضافية لتأمين حاجاته»، يضيف.
وحال المواطنين اللبنانيين لا يختلف عن حال اللاجئين في هذا البلد، فالأزمات نفسها تنهك الجميع، وأصبح مجرّد البقاء على قيد الحياة أمراً بعيد المنال بالنسبة إلى كثير من العائلات اللبنانية واللاجئة. وتقول السورية نورا (أم أحمد) التي هربت مع أولادها إلى لبنان حيث يعمل زوجها في ورش البناء مع بداية الأزمة السورية، إن «الأحوال كانت مستورة وكان أبو أحمد يكفي حاجات البيت والأولاد من راتبه وعمله الإضافي لبعض المعارف، لكن منذ العام الماضي والأمور تتدهور حتى أجبرتني الظروف على العمل في تنظيف البيوت وشطف أدراج المباني لإعانته على مصاريف الأولاد والبيت».
وتضيف الأم لسبعة أولاد تقول لـ«الشرق الأوسط»: «اضطرينا إلى إخراج أحمد (14 سنة) ومازن (12 سنة) من المدرسة، وأيضاً ابنتي صبا (17 سنة) وفرح (16 سنة) عندما أكملتا الصف الثامن، وبقي لدي ثلاثة أولاد في المدارس ولاء (7 سنوات) والتوأم عبد الرحمن وزياد (5 سنوات)». وتضيف: «إذا استمرت الظروف على هذه الحال لا أعلم إن كنا سنستطيع تعليمهما أسوة بإخوتهما، أم لا».
وعندما طلبت إحدى الجارات من أم أحمد أن تساعدها في تعزيل وتنظيف البيت العام الماضي، لم يوافق أبو أحمد على الفور، بحسبها، وتروي كيف أنه «اشتاط غضباً وعاداها يومين كاملين»، و«كأنني قلت له إنه مقصّر أو كأنه غضب من نفسه لأنه يعجز عن تقديم ما كان يفعله في السابق»، على حد وصفها. وتضيف: «إلا أن الظروف القاهرة وطلبات الأولاد وإيجار البيت والمسؤولية أرغمت أبو أحمد على الموافقة في نهاية المطاف».



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.