باسم خندقجي يتجاوز الصيغة النمطية لأدب السجون

في «مسك الكفاية» المهربة من الزنزانة في كبسولات

باسم خندقجي يتجاوز الصيغة النمطية لأدب السجون
TT

باسم خندقجي يتجاوز الصيغة النمطية لأدب السجون

باسم خندقجي يتجاوز الصيغة النمطية لأدب السجون

«ثمة ناحية في جنوب الجزيرة العربية خارجة عن حكم الخليفة العباسي، وقد جاءت سرية من جند الخليفة أبي جعفر المنصور لإخضاعها.. وثمة في موازاة هذا المشهد أسرة فقيرة الحال من شبوة (حضر موت)، مات عائلها قبل عشر سنوات، وراحت الأم الوفية تعمل هي وابنها الكبير في حقل لتحصيل الرزق للأسرة. وفي بؤرة السرد، ثمة فتاة جميلة هي بطلة الرواية التي تأخذها المقادير إلى حيث لم تكن تتوقع، لتصبح سيدة الظلال الحرة، على رأي الكاتب، ولتجابه ذكورية التاريخ وتنتصر عليها».
هذا التحليل لا يختصر بكل تأكيد رواية «مسك الكفاية»، أو «سيرة سيدة الظلال الحرة» لباسم خندقجي، المحكوم بثلاثة مؤبدات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قضى منها عشر سنوات وبضعة أشهر حتى الآن، وكان أصدر، في السابق، مجموعتين شعريتين: «طقوس المرة الأولى»، و«أنفاس قصيدة ليلية».. لكنه يقدم لشيء من ملامحها.
وفي تفاصيل المشهد الذي يسبق لحظة المفاجأة: فتاة ممشوقة القوام فاتنة، وأمها دائمة القلق عليها، والفتاة لا تطيق البقاء في البيت، فتذهب إلى الحقل حاملة الطعام إلى أخيها، وفي الطريق يقبض عليها أمير الجند، ويظن أنها تحمل الطعام للمتمردين على الخليفة. يدهشه جمالها، وبجملة واحدة يحكم على مسار حياتها اللاحق: «أنت ستكونين هديتي إلى مولاي الخليفة».
نحن أمام تجربة روائية لافتة للانتباه، تشير إلى عصر سبق لنا أن قرأنا عنه في كتب التاريخ، لكننا هنا أمام عالم مشخص من طموحات البشر، ومن مكائدهم ودفاعهم عن ذواتهم، ولو جاء ذلك على حساب آخرين لا ذنب لهم ولا جريرة، حيث حشد باسم خندقجي ذلك كله بسرد ممتع جميل، وبلغة فيها من الشاعرية ما يكفي، وباقتباسات من الشعر والنثر العربيين، ومن سرديات التاريخ، وبحوارات متقنة قادرة على كشف لواعج النفوس ومكنوناتها.
ووصف الأديب محمود شقير الرواية بأنها «رحلة جديرة بالكشف، وبتسليط الأضواء عليها، وبتتبعها في تفاصيلها الحميمة، وفي تجلياتها السارة وغير السارة.. إنها الرحلة التي تنطوي على تناقض غير قليل، فالمجتمع الذي يشق طريقه نحو الازدهار، ويفسح في المجال للعلم وللفلسفة وللأدب وللفنون، ظل يضطهد المرأة ويحلل سبيها، وتملكها جارية ومحظية، ولا سبيل أمام المحظية لكي تدافع عن إنسانيتها إلا بالاعتماد على معرفتها، وعلى جمالها، وعلى جملة شروط أخرى بعضها صحيح، وبعضها الآخر غير صحيح، لكي تصل إلى مبتغاها»، مؤكدا أنها رواية جديرة بالقراءة.
وكان خندقجي أهدى «مسك الكفاية» «إلى الذين لا يقوون على رجمها.. إلى الذين تختلج في قلوبهم آثارها ونزعاتها وأحلامها.. إلى الذين لا يعترفون بإخمادهم الدائم لشهوتها في نفوسهم... فمن يقوى على رجمها وجلدها من؟!».
وبينما قدم الكاتب والناقد إبراهيم جوهر مداخلة نقدية في «مسك الكفاية»، تحدث فيها عن فكرة تهريب الأدب من السجون، وقال إن رواية باسم هي نطفة مهربة من السجن.. وفي حين أشارت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه تم تهريب الرواية بطريقة تهريب المناشير من داخل سجون الاحتلال في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أي عن طريق «الكبسولات»، والحديث هنا عن آلاف الكبسولات التي تم ابتلاعها من أسرى محررين وزوار للأسرى، وعلى مدار عدة سنوات.. أشار والد الأسير إلى أنها هرّبت مع أسير محرر.
وفي هذا الإطار وجدت د.ليلى غنام، محافظة رام الله والبيرة، في الرواية شكلا من أشكال التحدي للاحتلال، وتعبيرا عن صمود الأسرى، مشبهة خروج رواية «مسك الكفاية» إلى النور من داخل الزنازين بولادة «سفراء الحرية»، الذين ولدوا لآبائهم الأسرى بعد تهريب نطفهم من داخل الزنازين.
وشدد الأسير المحرر كفاح طافش على أن باسم خندقجي لا يحب اقتران اسمه كمبدع بكونه أسيرا، وبالتالي يفضل حين صدور رواية أو مجموعة شعرية له وصفه بالروائي أو الشاعر من دون استخدام «الروائي الأسير»، أو «الشاعر الأسير»، لافتا إلى أنه يسعى لوضع بصمة خاصة تغيّر الصورة النمطية حول أدب السجون في فلسطين، وأنه عمل على كتابة الرواية لأشهر متواصلة زادت على الأربعة، فيما كشف عن أن صديقه بدأ يعمل على رواية جديدة.
وأكد النبأ والد الأسير خندقجي، مشيرا إلى أنه كما هربت رواية «مسك الكفاية»، يمكن تهريب الرواية الجديدة، بل تحدث عن مجموعة شعرية جاهزة لخندقجي، منتقدا الدور الرسمي والأهلي في دعم إبداعات الأسرى على مختلف المجالات، فـ«هناك في سجون الاحتلال، مبدعون أكثر من ابني باسم، يستحقون الدعم»، لافتا إلى تقصير واضح في هذا الاتجاه، حتى من ذوي الأسرى أنفسهم.
بدوره قال الشاعر الفلسطيني خالد جمعة عن رواية خندقجي، إنه فيها «يخرج التاريخَ من علبته الحديدية، ينظفه، ويبث فيه الحياة، يؤنسنه، بعيدا عن الوقائع الجافة التي تحفل بها كتب السير الماضية، يبعث الحياة في أطراف الحكايات المدرسية التي طالما بقيت حبيسة التواريخ والأرقام والأعداد والمساحات، وبقيت كذلك حبيسة صوت السلطة التي هيمنت على الكتابة فأخرجت كل الحكايات على شاكلة من كُتبت عنهم وعلى وفق رغباتهم».
باسم، ابن الثلاثين عاما، والذي يقضي حكما ثلاثيا بالسجن المؤبد منذ عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، يمتعنا بكتابه الثالث بعد ديوانيه «طقوس المرة الأولى» و«أنفاس قصيدة ليلية»، ليثبت مرة أخرى أن الاعتقال لا يمكنه السيطرة على الروح المبدعة، بل إنه أحيانا يزيدها اشتعالا وفطنة وتأملا.
ويبقى أن نقول إن رواية «مسك الكفاية» هي الرواية الثانية لباسم خندقجي، بعد روايته الأولى التي تحمل عنوان «مذكرات رجل يساري»، وكانت صادرتها إدارة السجون عند انطلاقها للحرية مع أحد الأسرى المحررين.



«كتارا» تتوّج الفائزين بجائزة الرواية العربية

الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

«كتارا» تتوّج الفائزين بجائزة الرواية العربية

الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور خالد السليطي المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي يسلم الفائزين جائزة «كتارا» (تصوير: ميرزا الخويلدي)

توّجت مؤسسة الحي الثقافي بقطر «كتارا»، الخميس، الفائزين بجائزتها للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024.

وفاز في فئة «الروايات العربية المنشورة» كلّ من: علاء حليحل (فلسطين) عن روايته «سبع رسائل إلى أم كلثوم»، ومحمد طَرزي (لبنان) عن روايته «ميكروفون كاتم صوت»، ويوسف حسين (مصر) عن روايته «بيادق ونيشان». وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار أميركي، مع ترجمة الروايات الفائزة إلى اللغة الإنجليزية.

وفي فئة الروايات «غير المنشورة» فاز كل من: قويدر ميموني (الجزائر) عن روايته «إل كامينو دي لا مويرتي»، وليزا خضر (سوريا) عن روايتها «حائط الفضيحة»، وياسين كنيمن (المغرب) عن روايته «ع ب ث»، وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار، مع طباعة الأعمال الفائزة وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

وفاز في فئة «الدراسات التي تُعنى بالبحث والنقد الروائي»، 3 نقاد، وهم: الدكتور بلقاسم عيساني (الجزائر) عن دراسته «الفكر الروائي»، والدكتور بوشعيب الساوري (المغرب) عن دراسته «تخييل الهوية في الرواية العربية»، والدكتور هاشم ميرغني (السودان) عن دراسته «الروايةُ مسرحاً لجدل الهُويَّات وإعادة انبنائها»، وتبلغ قيمة كل جائزة 30 ألف دولار، مع طبع الدراسات ونشرها وتسويقها.

أما في فئة «رواية الفتيان» ففاز كل من: أبو بكر حمّادي (الجزائر) عن روايته «أنا أدعى ليبرا»، وشيماء جمال الدين (مصر) عن روايتها «بيتُ ريما»، وعلاء الجابر (العراق) عن روايته «أرض البرتقال والزيتون»، وتبلغ قيمة كل جائزة 15 ألف دولار لكل فائز، مع طباعتها ونشرها. وعن «الرواية التاريخية غير المنشورة» فاز ضياء جبيلي (العراق) عن روايته «السرد الدري في ما لم يروهِ الطبري - ثورة الزنج». وفازت في «الرواية القطرية المنشورة» الدكتورة كلثم جبر الكواري عن روايتها «فريج بن درهم».

وجرى الإعلان عن الجوائز بحضور وزراء وسفراء وممثلي بعثات دبلوماسية، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين والإعلاميين وجمهور غفير من المهتمين بالشأن الثقافي.

وقال الدكتور خالد السليطي، المدير العام لـ«كتارا»، خلال كلمته أمام الحفل، إن الجائزة، التي أطلقتها المؤسسة عام 2014، تهدف إلى «ترسيخ حضور الروايات العربية المتميزة عربياً وعالمياً، وتشجيع وتقدير الروائيين العرب المبدعين؛ لتحفيزهم على المضي قدماً نحو آفاق أرحب للإبداع والتميز»، مضيفاً: «مدينة الرواية (كتارا) تحتفل اليوم بالأسبوع العالمي للرواية، الذي كان للمؤسسة إسهام في اعتماده من قبل (اليونسكو) خلال الفترة بين 13 و20 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام»

السليطي يتحدث عن جائزة «كتارا» وجهود المؤسسة لدعم الرواية العربية (تصوير: ميرزا الخويلدي)

وتابع: «كما نحتفل بمرور 10 سنوات على إطلاق الجائزة التي استطاعت خلال عقد من الزمان الوصول بالرواية العربية إلى فضاءات جديدة، عبر معالجة كثير من الإشكالات التي كانت تحدّ من انتشارها، ومن بينها صعوبات النشر والترجمة إلى لغات أخرى غير (العربية)»، مبيناً أن «مبادراتها العديدة أتاحت الربط بين الرواية والترجمة والدراما والفن التشكيلي، وأسهمت في ظهور مواهب أدبية واعدة استفادت من فرص نشر وتسويق الروايات الفائزة وترجمتها للغتين الإنجليزية والفرنسية».

وعدّ السلطي اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، المؤسسة «مدينة الرواية»، تتويجاً لجهود «كتارا» المستمرة «في دعم تقدم وتطوير الرواية العربية باعتبارها صاحبة المكانة الأولى في أدبنا الحديث»، متعهّداً باستمرار دعمهم للرواية والروائيين العرب عبر برامج وأنشطة المؤسسة، التي تتضمن ورش عمل لتعليم فنون الكتابة الإبداعية، لمختلف الفئات العمرية، وتنمية التجربة الإبداعية بمواصلة إصدار دورية «سرديات» تعنى بتقويم مسيرة الرواية من خلال المناهج النقدية الحديثة.

وشهد الحفل الافتتاحي عزف «سيمفونية الرواية»، وهي تجربة موسيقية من تصور وإشراف الدكتور ناصر سهيم، وثمرة تعاون بين «كتارا» و«أوركسترا قطر الفلهارمونية»، حيث استمتع الحضور بالمزج المبتكر بين سحر الموسيقى الأوركسترالية والسرد المشوق في الرواية، الذي يعد شهادة على قوة التناغم والإمكانات اللامحدودة لمكونات الفن.

1697 مشاركة

وشهدت الدورة العاشرة لعام 2024 مشاركة 1697 عملاً، شملت 886 رواية غير منشورة، و437 رواية منشورة صدرت عام 2023، و177 رواية فتيان غير منشورة، و91 دراسة نقدية غير منشورة، بالإضافة إلى 7 روايات قطرية منشورة، و99 رواية تاريخية غير منشورة.

وجرى إعلان القائمة الطويلة التي تضم 18 عملاً من بين الأعمال المشاركة، وتشمل مختلف فئات الروايات. وضمّت روائيين من 17 دولة عربية، تصدرتها مصر بـ26 رواية ودراسة نقدية، تلتها المغرب بـ19، ثم سوريا بـ9 روايات، والأردن بـ8 روايات ودراسات نقدية، والعراق بـ5 .

فعاليات ثقافية

وشهد «مهرجان كتارا للرواية العربية» في نسخته العاشرة ندوات حوارية وفكرية، من بينها ندوة «الرواية والمجتمع»، وتحدث فيها الكاتبان؛ السوداني أيمن خير، والآريتري هاشم محمود، وأيضاً ندوة ثانية عن «الرواية العربية وشبكات التواصل» شارك فيها الروائي فيصل الأنصاري، الحائز على «جائزة كتارا للرواية العربية» عام 2021 عن «فئة اليافعين»، والروائية أسيل سامي، وندوة «الرواية والاغتراب... الكتابة في الغربة والغربة في المكان»، شاركت فيها السينمائية والروائية السويدية (من أصل عراقي) ميسلون فاخر، والروائي والإعلامي السوري عبد الله مكسور.

وشارك في ندوة «أدبيات علمية حديثة في دراسات الأديان»، الباحث في «مركز الدوحة لحوار الأديان» سيكو مارفا توري، والباحث في الحضارة الإسلامية مختار خواجة، والباحثة هند الحمادي. كذلك شارك في ندوة «الرواية القطرية وعلاقتها بالنقد العربي» الروائي القطري الدكتور أحمد عبد الملك، والباحث الدكتور مرزوق بشير، والروائية الدكتورة هدى النعيمي، بإدارة الكاتب الكويتي الدكتور فهد الهندال. وتحدث في ندوة «الرواية العربية في ظل الذكاء الاصطناعي» الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والسوداني أمير تاج السر، والمصري إبراهيم عبد المجيد، وأدارتها الدكتورة أسماء فرنان.

واختارت جائزة كتارا للرواية العربية، في دورتها العاشرة، المؤرخ والصحافي والأديب المغربي التهامي الوزاني (1903 - 1972) شخصية العام، باعتباره يمثّل «تجلياً متميزاً للمثقف الشامل».