غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

انحيازه لترمب يساهم في إعادة تشكيل صورة الحزب الجمهوري

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي
TT

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

غريغ أبوت... حاكم تكساس وأحد أبرز المساهمين في صعود اليمين الأميركي

بعد المعركة الديموغرافية التي فتحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مدعوماً باليمين الأميركي المتشدد، تحت شعار «العودة إلى أميركا العظيمة مجدداً» عام 2016، اندرجت بضعة عناوين عريضة وعميقة التأثير. وبالفعل، استنهض ترمب بنجاح مخاوف الناخب الأميركي الأبيض المسيحي من موجة الهجرة، والتزايد السكاني السريع للاتينيين والسود والآسيويين وغير المسيحيين، بينما كان مقربون منه يقولون صراحة ما معناه إنه «ما لم يتوقف مد الهجرة والتجنيس خلال سنوات قليلة ستفوت فرصة إنقاذ أميركا كما عرفناها».
وهكذا طوال عهد ترمب اعتُمد تضييق كبير على الهجرة، وحق غير البيض بالتصويت وتهميش أصوات هؤلاء أو إلغاؤها. وتبنى تياره المسيطر على الحزب الجمهوري هذه الاستراتيجية طوال السنوات الأربع من حكمه، ولا يزال يتبناها قادته وحكام الولايات المنتمون إليه، بما في ذلك إعادة رسم خرائط الدوائر الانتخابية لنسف إمكانية تأثير الصوت الأسود أو اللاتيني أو المهاجر على هيمنة الجمهوريين. ومن أبرز الحكام الذين ينفذون هذه الاستراتيجية بعناد حاكما أكبر ولايتين جمهوريتين... غريغ أبوت حاكم تكساس ورون دي سانتيس حاكم فلوريدا.

من غير المرجح أن يكون غريغ واين أبوت، حاكم ولاية تكساس الأميركية، من بين الجمهوريين الطامحين لتولي منصب الرئاسة الأميركية، في المعركة الطاحنة التي يعد لها عام 2024. إلا أن إعاقته الجسدية وخطابه المحافظ، تظهرانه أمام جمهوره شخصاً جديراً بالثقة، وقد تكونان بين العوامل التي ساعدت في صعوده السياسي. بل يرى مراقبون أنهما تساعدانه على التقدم نحو الرئاسة، على ما يشاع، في حال أحجم دونالد ترمب عن الترشح.
أبوت هو أول حاكم لتكساس وثالث حاكم لولاية أميركية يستخدم كرسياً متحركاً، بعد فرانكلن روزفلت حاكم ولاية نيويورك ورئيس الولايات المتحدة فيما بعد، وجورج والاس حاكم ألاباما وزعيمها المثير للجدل.
والقصة أنه عندما كان في الـ26 من عمره، تعرض لحادث سقوط شجرة على عموده الفقري أثناء هربه من عاصفة، ما تسبب في شلل في نصفه الأسفل. وخضع لإعادة تأهيل مكثف بعدما زرع له قضيبان صلبان في عموده الفقري، وأخذ يستخدم كرسياً متحركاً منذ ذلك الحين. ثم إنه رفع دعوى قضائية ضد صاحب المنزل وشركة خدمات الأشجار، ما أدى إلى تسوية تأمينية توفر له مدفوعات مقطوعة كل ثلاث سنوات حتى عام 2022، إلى جانب مدفوعات شهرية مدى الحياة. بل وبجري تصحيح قيمة تلك المدفوعات بشكل دائم، «لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة». واعتباراً من أغسطس (آب) 2013، كان مبلغ الدفعة الشهرية 14 ألف دولار. وقال أبوت توضيحاً إنه يعتمد على هذه الدفعات لمساعدته في دفع نفقات طبية وأخرى ذات صلة لما يقرب من ثلاثة عقود.

- بطاقة شخصية
لكن رغم الإعاقة، تمكن أبوت من بناء مسيرة شخصية ومهنية وسياسية لافتة، أوصلته إلى تولي منصب حاكم واحدة من أكبر الولايات الأميركية وأهمها. وصار بلا أدنى شك، أحد أبرز الشخصيات الإشكالية التي تلعب دوراً أساسياً في دفع الحزب الجمهوري أكثر فأكثر نحو أفكار ترمب وسياساته اليمينية المتشددة.
أبوت الذي يوصف بأنه «أحد أبرز المؤيدين المتحمسين لترمب»، كان قد دفع بأجندته السياسية المحافظة في العديد من الملفات الخلافية، على رأسها قضايا مواجهة الهجرة، والإجهاض، وحق التصويت، وحمل الأسلحة وخفض تمويل الشرطة. وهو ما دعا صحيفة «نيويورك تايمز» إلى وصفه ونائبه دان باتريك بأنهما «القوة الدافعة وراء واحدة من أصعب المنعطفات اليمينية في تاريخ ولاية تكساس الحديث»، ولا سيما بعد الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس نواب الولاية في دورته الأخيرة، لإقرار قانوني الإجهاض (الأكثر تشدداً في أميركا) وتقييد حق التصويت.
ولد أبوت يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1957 في ويتشيتا فولز بولاية تكساس، وكان والده سمساراً في البورصة ووكيل تأمين، ووالدته ربة منزل. وعندما كان لا يزال تلميذا في المدرسة الثانوية، توفي والده بشكل مأساوي بنوبة قلبية. التحق أبوت بمدرسة دنكانفيل الثانوية، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال في العلوم المالية من جامعة تكساس في مدينة أوستن عاصمة الولاية عام 1981، ثم على الإجازة في القانون عام 1984 من كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت المرموقة في ولاية تينيسي.
دينياً، أبوت كاثوليكي، وهو متزوج من سيسيليا فالين أبوت، المعلمة ومديرة المدرسة السابقة، حفيدة أحد المهاجرين المكسيكيين. ولقد تزوج غريغ وسيسيليا في مدينة سان أنطونيو بتكساس عام 1981، لتصبح زوجته بعد انتخابه حاكما لولاية تكساس، أول سيدة أولى للولاية من أصول لاتينية منذ انضمام تكساس إلى الاتحاد الأميركي. ولديهما ابنة واحدة بالتبني تدعى أودري.

- مسيرة مهنية وسياسية
أبوت هو الحاكم الـ48 لتكساس، بدأ حياته المهنية والسياسية في وظائف فيدرالية، إذ عمل قاضياً ومدعياً عاماً في الولاية لمدة 3 سنوات، قبل أن يعينه الحاكم (آنذاك) جورج دبليو بوش، قاضياً في المحكمة العليا في تكساس من عام 1996 وحتى العام 2001، حين استقال ليعود إلى العمل في شركة خاصة، وأستاذاً مساعدا في كلية الحقوق بجامعة تكساس.
في العام 2002 تولى أبوت منصب النائب العام الخمسين للولاية حتى 5 يناير (كانون الثاني) 2015، عندما تولى منصب حاكم تكساس. وفي خطاب ألقاه عام 2013 أمام زملائه الجمهوريين، عندما سئل عما تستلزمه وظيفته كمدع عام، قال أبوت: «أذهب إلى المكتب في الصباح، وأقاضي باراك أوباما، ثم أعود إلى المنزل». وحقاً، رفع أبوت 31 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما، بما فيها الدعاوى المرفوعة ضد وكالة حماية البيئة ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وقانون الرعاية الميسرة «أوباما كير»، ووزارة التعليم وغيرها من الوزارات. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد رفع أبوت منذ توليه منصب المدعي العام في تكساس وحتى ولايته الأولى كحاكم لها، 44 دعوى قضائية ضد إدارة أوباما على الأقل، أكثر من أي ولاية أخرى خلال الفترة نفسها. وتضمنت الطعون القضائية معايير انبعاثات الكربون، وإصلاح الرعاية الصحية، وحقوق المتحولين جنسياً، وغيرها.
من جهة أخرى، بينما تشير كل الدراسات والإحصاءات السكانية إلى أن ولاية تكساس هي في طريقها نحو اليسار، في ظل التغييرات الديموغرافية التي تشهدها مع تزايد عدد السكان من غير البيض، تشدد تشريعاتها وقوانينها وتتجه نحو أقصى اليمين. ويعود السبب في ذلك لمشرعيها الذين يشكل الجمهوريون غالبيتهم، وإلى أبوت نفسه، الذي تمكن منذ توليه مناصب قيادية، من فرض أجندة يمينية متشددة، وإقرار قوانين بآليات معقدة لرفعها، لم يسبق لها مثيل. وكان آخر ما فعله، موافقته على إعادة التدقيق بأصوات بعض الدوائر الانتخابية في الولاية، تلبية لرغبة ترمب وادعاءاته بحصول تزوير، رغم عمليات تدقيق سابقة أجرتها الولاية ولم تفض إلى شيء، والسعي إلى إعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية لضمان فوز الجمهوريين في أي انتخابات مقبلة.

- قضية الهجرة
قضية الهجرة هي إحدى أبرز القضايا التي يقاتل من أجلها أبوت، المعروف بمواقفه المناهضة لها وللمهاجرين غير الشرعيين. وتشكل مواقفه علامة فارقة في المواجهة المفتوحة مع الديمقراطيين. كيف لا، وولايته الحدودية نقطة تماس أساسية بين حرس الحدود وقوافل المهاجرين.
خلال نوفمبر 2015، أعلن أبوت أن تكساس سترفض اللاجئين السوريين في أعقاب «هجوم باريس» الإرهابي الذي وقع في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي الأسبوع الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه ستجرى معاقبة «راكبي الجياد»، على معاملتهم للمهاجرين الهايتيين، وعدهم أبوت هؤلاء وظائف في الولاية. بل وأرسل أسطولاً من المركبات المملوكة من الولاية، ليصطف لأميال كحاجز على طول الحدود مع المكسيك. وقال لشبكة «فوكس نيوز» يوم الثلاثاء «ما فعلناه، هو أننا وضعنا المئات من سيارات إدارة السلامة العامة في تكساس، وأنشأنا جداراً فولاذياً، لمنع أي شخص من عبور ذلك السد... لقد استعدنا بشكل فعال السيطرة على الحدود».
وفي وقت سابق من هذا العام، وصف أبوت دخول المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون الحدود على أنه «غزو». وقال في تغريدة على «تويتر»، إن «المئات منهم مصابون بفيروس كوفيد - 19، وقد دخلوا إلى تكساس». لكن تدقيقاً لاحقا أظهر أن الذين أفرج عنهم كانوا من طالبي اللجوء ولديهم حق قانوني في البقاء في الولايات المتحدة، وأن عددهم هو 108 أشخاص فقط وليس «المئات».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، رداً على قرار إدارة بايدن وقف تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك الذي أقرته إدارة ترمب، مستخدمة بشكل جزئي أموالا تعود لوزارة الدفاع، أعلن أبوت عن خطط لبناء الجدار في ولايته، قائلاً إن الولاية ستقدم 250 مليون دولار.

- حقوق التصويت
من جهة ثانية، جعل أبوت ذريعة «نزاهة الانتخابات» أولوية تشريعية بعد محاولات ترمب الفاشلة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 الرئاسية. فخلال عام 2018 ضغط من أجل شطب ما يقرب من 100 ألف ناخب مسجل من قوائم الناخبين في تكساس. وادعى مسؤولو تكساس في البداية أن الناخبين المرشحين لشطبهم ليسوا مواطنين أميركيين. لكن الأمر ألغي في أبريل (نيسان) بعدما طعنت جماعات حقوق التصويت في الشطب المقترح. واعترف المسؤولون في مكتب وزير خارجية تكساس، بأن عشرات الآلاف من الناخبين الشرعيين (المواطنون المتجنسون) وضعت علامة خاطئة عليهم لإبعادهم. أبوت زعم أنه لم يلعب أي دور في شطب الناخبين، لكن رسائل البريد الإلكتروني الصادرة في يونيو 2019، أظهرت أنه كان القوة الدافعة وراء ذلك. وفي سبتمبر (أيلول) 2020، في إطار التضييق على حق التصويت أصدر أبوت إعلاناً ينص على أنه لا يمكن أن يكون لكل مقاطعة في تكساس سوى موقع واحد حيث يمكن للناخبين إسقاط بطاقات اقتراعهم المبكر. وبرر ذلك بذريعة منع «التصويت غير القانوني» لكنه لم يذكر أي أمثلة على تزوير الناخبين.

- جائحة «كوفيد ـ 19»
وإبان جائحة كوفيد - 19، أصدر أبوت أمراً بالبقاء في المنزل لمدة شهر تنتهي في الأول من مايو (أيار) 2020. وكان هذا من أقصر أوامر البقاء في المنزل التي نفذها أي حاكم. ومنذ إعادة فتح الولاية، انتشر الفيروس وحطمت تكساس رقمها القياسي من حيث عدد حالات الإصابة في يوم واحد. ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان تصدي أبوت للجائحة متناقضاً. إذ قال إن على السكان البقاء في منازلهم بينما تكساس مفتوحة للعمل. وقال إن ارتداء أقنعة الوجه ضروري، لكنه رفض إصدار تفويض ملزم على مستوى الولاية. ومع تصاعد عدد الإصابات، تعرض للانتقادات من الحزبين، لكنه واصل سياساته المتناقضة فأصدر قرارات بفتح المطاعم والمحال بشكل كامل، ومنع الحكومات المحلية من استخدام أقنعة الوجه. وفي أبريل الماضي، وقع أمرا تنفيذيا يمنع إدارات الولاية والشركات التي تحصل على تمويل عام من المطالبة بإثبات التطعيم ضد الفيروس. كما وقع في وقت لاحق على مشروع قانون لمعاقبة الشركات التي تطلب من العملاء الحصول على دليل على التلقيح ومنعها من الحصول على الخدمات. وبعد شهر، أصدر أمراً تنفيذياً يحظر فرض الأقنعة في المدارس العامة والهيئات الحكومية، مع غرامة تصل إلى ألف دولار لمن لا يلتزم. وفي 17 أغسطس (آب) الماضي، أعلن مكتب أبوت أنه أصيب بالفيروس رغم تطعيمه بالكامل منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكنه «بصحة جيدة ولا يعاني من أي أعراض».
وخلال العاصفة الشتوية التي ضربت ولاية تكساس هذا العام وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن ملايين السكان، وجه أبوت انتقادات لـ«الطاقة الخضراء»، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح، لمصلحة استخدام الوقود الأحفوري. لكن وزارة الطاقة في الولاية ردت بشكل فوري على ادعاءاته قائلة، إن «معظم الأعطال جاءت من الفشل في تجهيز أنظمة توليد الطاقة في فصل الشتاء، بما في ذلك الأنابيب التي تنقل الوقود الأحفوري. وأوضحت أن «تكساس تعمل بالغاز، بينما توفر مولدات الرياح والطاقة الشمسية حوالي 10 في المائة فقط خلال أشهر الشتاء». واتهم أبوت بمحاباة شركات النفط العملاقة في ولاية تكساس، التي تعتبر مهد صناعة النفط العالمية، وساهمت عطاءاتها في انتخابه مرات عدة.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.