فلسطين تطالب الأمم المتحدة باستخدام بنودها لمحاسبة إسرائيل

«حتى يتوقف التعامل معها على أنها فوق القانون»

رياض منصور (الأمم المتحدة)
رياض منصور (الأمم المتحدة)
TT

فلسطين تطالب الأمم المتحدة باستخدام بنودها لمحاسبة إسرائيل

رياض منصور (الأمم المتحدة)
رياض منصور (الأمم المتحدة)

بعث المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، د. رياض منصور، بثلاث رسائل متطابقة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر (كينيا)، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن «خطورة الحالة في الأرض الفلسطينية المحتلة جراء الجرائم التي لا حصر لها التي تواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ارتكابها في فلسطين المحتلة». وطالب فيها باستخدام بنود المنظمة الدولية لمحاسبة إسرائيل «حتى يتوقف التعامل معها على أنها فوق القانون».
وقال منصور في المذكرة، إن حكومة إسرائيل تقوم بانتهاكات صارخة للوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس من خلال منح محكمة إسرائيلية للمتطرفين اليهود ما يسمى «الحق» في دخول المسجد الأقصى والحرم الشريف تحت حراسة قوات الاحتلال وممارسة الصلاة الصامتة هناك، ودعا مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته إزاء هذا الانتهاك للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرارات 476 و478 و2334. كما أشار منصور إلى مواصلة إسرائيل حملتها الاستيطانية غير القانونية في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، منوهاً بقرارها الأسبوع الماضي، استئناف خطط بناء 10 آلاف وحدة سكنية للمستوطنين في منطقة قلنديا شمال القدس المحتلة، هذا إلى جانب التدمير المستمر شبه اليومي لمنازل الفلسطينيين والتشريد القسري للعائلات الفلسطينية، حيث تتعرض مئات العائلات الفلسطينية لخطر الطرد في حملة تطهير عرقي صارخة بالقدس الشرقية المحتلة.
كما بين منصور في رسائله أن سياسة إطلاق قوات الاحتلال النار على السكان المدنيين أصبحت ممارسة منهجية للاحتلال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ضد السكان المدنيين، منوهاً باستشهاد ما لا يقل عن 60 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة وحدها، بالإضافة إلى استشهاد أكثر من 260 فلسطينياً، من بينهم 66 طفلاً و41 امرأة، في غزة، حتى الآن خلال هذا العام، إلى جانب إصابة آلاف آخرين، وذلك وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). ولفت منصور الانتباه العاجل إلى محنة المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم من دون تهمة، ومن بينهم كايد فسفوس منذ 84 يوماً، ومقداد القواسمة منذ 78 يوماً، وعلاء الراج منذ 58 يوماً، وهشام أبو حواش منذ 51 يوماً، ورايق بشارات منذ 45 يوماً، وشادي أبو عكر منذ 42 يوماً، مشيراً إلى أن هناك خطراً كبيراً على حياتهم، وذكر أن إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، مسؤولة عن حياة ورفاه الأسرى الفلسطينيين؛ سواء كانوا محتجزين في السجون الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية المحتلة أو في إسرائيل، الأمر الذي ينتهك حظر اتفاقية جنيف الرابعة على نقل الأسرى إلى خارج الأراضي المحتلة.
وفي الختام، شدد منصور على ضرورة ألا تكون أي دولة فوق القانون، مؤكداً ضرورة خضوع إسرائيل للمعايير الدولية نفسها، مثلها مثل كل الدول، منوهاً بأن التقاعس عن العمل وعدم المساءلة، على الرغم من وفرة الأدوات لضمان ذلك، بما في ذلك الأحكام المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، فضلاً عن الآليات الدبلوماسية والسياسية والقانونية الأخرى المتاحة على نطاق واسع للدول، سمح للقوة القائمة بالاحتلال بجني الثمار خلال الدوس على القانون. وشدد منصور على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لهذا الظلم التاريخي والقيام بذلك، وفقاً للمبادئ العالمية المنصوص عليها في القانون الدولي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.