عُقدت القمة الفرنسية ــ الأفريقية الـ28، الأولى من نوعها من غير حضور قادة البلدان الإفريقية الـ54، وسط أجواء من الصراحة المستجدة والجرأة التي تحلى المتدخلون الأفارقة بها عن طريق أسئلتهم المباشرة، الصريحة وأحيانا المحرجة التي توجهوا بها الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكانت مصادر قصر الأليزيه قد كررت أن الصراحة وغياب الرقابة سيكونان السمة الأبرز في الحوار المباشر الذي شارك فيه ماكرون بعد ظهر اليوم الجمعة مع 12 شابا وشابة منهم من جاء مباشرة من أفريقيا ومنهم من الشتات وغالبيتهم لم تتردد في توجيه الإتهامات للسياسة الفرنسية التي تدعم الديكتاتوريين الأفارقة وتتعامل معهم وتجعلهم شركاء من أجل مصالح استراتيجية، اقتصادية أو تجارية رغم أنهم يدوسون على الدساتير والقوانين التي أقروها هم من أجل البقاء في مناصبهم. والبعض الآخر شدد على ضرورة أن تقدم باريس الإعتذار وطلب الصفح عما ارتكبه الإستعمار الفرنسي في القارة السوداء. وذهب متدخلون آخرون الى طلب انسحاب القوات الفرنسية من أفريقيا وإغلاق القواعد العسكرية التي تشغلها والإمتناع عن التدخل في الشؤون الإفريقية الداخلية بينما دعت متحدثة ماكرون الى التوقف عن القول إن فرنسا تتدخل «لمساعدة» الأفارقة في محاربة الإرهاب لأنها في الواقع «تساعد نفسها ولأنها ونحن شركاء».
ولأن الأسئلة وأحيانا الإتهامات التي سمعها ماكرون جاءت بصراحة متناهية، رد الأخير بأنه يريد الإجابة أيضا بالصراحة نفسها. ففي موضوع طلب الصفح أو الغفران، اعتبر ان أمرا كهذا لن يحل المشكلة رغم أنه قد يكون الحل الأسهل وأنه سبق له أن طلب الصفح من «الحركيين» الجزائريين الذين حاربوا الى جانب القوات الفرنسية بسبب المعاملة غير اللائقة التى تلقاها الذين تركوا الجزائر وانتقلوا الى فرنسا حيث وضعوا في معسكرات مسيجة بالأسلاك الشائكة وحرموا من الكثير من مقومات الحياة الكريمة. وبدلا من ذلك، اقترح الإعتراف بالمسؤولية والعمل معاً على كتابة التاريخ المشترك بحيث يكون من عمل المؤرخين من الجانبين وأن يتم نقله الى المدارس حيث يجب أن يدرس بكل شفافية.
وشدد ماكرون على أهمية أن يتحمل كل طرف تاريخه محذرا من القوى والدول التي تريد الإستفادة من إشكالية الإستعمار لتحقيق مصالحها الخاصة. لكنه امتنع عن الدخول في التفاصيل. وليس سرا أن باريس تواجه منافسة من روسيا وتركيا والصين وآخر تجلياتها ما يحصل في مالي حيث تريد السلطات التعاقد مع ميليشيات فاغنير الروسية فيما القوات الفرنسية ما زالت موجودة في هذا البلد. وفي أي حال، فإن قبول ماكرون طلب الصفح سيواجه بانتقادات عديدة في الداخل الفرنسي خصوصا من اليمين واليمين المتطرف فيما البلاد دخلت فعليا في لعبة الانتخابات الرئاسية التي ستحصل ربيع العام المقبل.
أما في موضوع التعامل مع الديكتاتوريين الأفارقة، فقد أشار ماكرون الى ما يشبه الرهان على الأجيال الجديدة التي يمكن أن تغير المعادلات بقوله للحاضرين الذين يمثلون المجتمع المدني: «أنتم ستربحون الانتخابات الديمقراطية»، لافتاً إلى أن باريس يهمها أن تكون الحكومات نابعة من انتخابات ديمقراطية وفي أفريقيا حاليا حكومات من هذا النوع تتعاون معها فرنسا وتمول مشاريع تنموية فيها. أما في الحالات المختلفة، فإن الشراكة تتم مع منظمات المجتمع المدني ولا تمر عبر الحكومات.
وتناول ماكرون حالات دول أفريقية مثل غينيا حيث حصل انقلاب عسكري وتشاد حيث ورث الكولونيل محمد ديبي الحكم عقب مقتل والده إدريس ديبي في معارك ضد متمردين في شمال البلاد وذلك بعيدا عما ينص عليه الدستور التشادي لجهة انتقال السلطة الموقتة. كذلك تحدث عن انقلابات مالي وعن الخلاف مع سلطاتها.
وشدد ماكرون على أن بلاده سارت على نهج ما كان يراه الإتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وعلى أن القوات الفرنسية موجودة في أفريقيا بناء على رغبة الدول المعنية، مؤكداً أن باريس لا تريد أن تبقي قوات لها في افريقيا الى الأبد.
من جانب آخر، وافق ماكرون على مقترح إنشاء صندوق يكون هدفه المساعدة على التحول الديمقراطي في أفريقيا. لكن الشرط الذي وضعه هو ألا يكون في يد الديبلوماسية الفرنسية بل في يد مجلس مستقل من الخبراء حتى لا يقال إنه مسخر للمصالح الفرنسية. كذلك تبنى مطلب أن تعترف فرنسا بما هو أفريقي في هويتها مشيرا الى أن هناك ما لا يقل عن سبعة ملايين فرنسي لهم علاقات عائلية مع أفريقيا وأن تاريخ فرنسا بني بالتشارك مع أفريقيا، مضيفا أن بلاده لا يمكن أن تبني سرديتها الوطنية من غير أن «تحمل ما هو أفريقي في كيانها».
الرئيس الفرنسي في مواجهة مباشرة مع ممثلي المجتمع المدني الأفريقي
حوار صريح حول مسائل حساسة مثل الديمقراطية والديكتاتوريات والتاريخ الإستعماري
الرئيس الفرنسي في مواجهة مباشرة مع ممثلي المجتمع المدني الأفريقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة