«النووي الإيراني» في اتصال كوري جنوبي ـ أميركي

أجرى النائب الأول لوزير خارجية كوريا الجنوبية تشوي جونغ كون محادثة هاتفية مع المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي، أمس (الخميس)، لمناقشة التعاون بشأن المفاوضات لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بحسب وكالة «يونهاب».
وجدد تشوي التزام كوريا الجنوبية بتقديم الدعم اللازم لاستئناف المفاوضات «في ضوء أهمية العلاقات بين سيول وطهران»، حسبما ذكرت الوزارة في بيان صحافي. وطالب مالي بأن تستمر سيول في لعب دور «بناء» في جهود استئناف المحادثات.
وتضررت العلاقات بين إيران وكوريا الجنوبية على خلفية تجميد الأخيرة أرصدة مالية لطهران تقدّر بمليارات الدولارات، بسبب العقوبات الأميركية، لتبلغ مرحلة لوّحت فيها طهران بمقاضاة سيول ومنعت إدخال بعض من منتجاتها، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت إيران تحتل المركز الثالث بين الشركاء التجاريين لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط، قبل انسحاب الولايات المتحدة أحادياً من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني عام 2018، وإعادة فرض عقوبات صارمة على طهران طالت قطاعات عدة، من أبرزها صادرات النفط.
ويقول مسؤولون إيرانيون، إن سيول جمّدت في مصارفها، بضغط أميركي، نحو ثمانية مليارات دولار هي بدل صادرات نفطية إيرانية تعود لحقبة ما قبل العقوبات.
ويقول عضو مجلس الشورى الإيراني علي رضا سليمي لوكالة الصحافة الفرنسية «إجمالي أموالنا المجمّدة في المصارف الكورية الجنوبية يصل إلى 7.8 مليار دولار». ويضيف النائب الذي يتابع الملف عن كثب «تسلّمت سيول (الصادرات النفطية). كان عليها أن تسدد ثمنها، لكنها لم تفعل. كوريا الجنوبية ليست شريكاً تجارياً أهلاً للثقة، وتستحق أن تعاقب، ويجب أن تدفع الفوائد على هذه الأموال».
وارتكز التبادل التجاري بين البلدين إلى تصدير إيران نفطها إلى كوريا الجنوبية، واستيرادها منتجات صناعية وأجهزة كهربائية وقطع غيار للسيارات.
وبلغ حجم التبادل 12 مليار دولار في عام 2017، لكنه انخفض بشكل حاد بعد العقوبات، إلى نحو النصف في 2018، وإلى 2. 4 مليار دولار في 2019، وفق السفارة الإيرانية في سيول.
وشهدت علاقات البلدين بعض التوتر في الأشهر الماضية، خصوصاً بعد احتجاز البحرية الإيرانية ناقلة نفط كورية جنوبية في يناير (كانون الثاني)، قبل الإفراج عنها في أبريل (نيسان).
وذكّر مسؤولون إيرانيون بعد احتجاز الناقلة، بمسألة الأرصدة المجمّدة، مع تأكيدهم عدم وجود رابط بين الملفين، وأن السفينة أوقفت على خلفية تسببها بـ«تلوث بحري».
وبعد مطالبات واتصالات بشأن الأرصدة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، وفق مسؤولين إيرانيين، بدأت طهران في الآونة الأخيرة التلويح بإجراءات قضائية للمطالبة بأموالها المجمّدة، وهي جزء من مبالغ كبيرة تقول الجمهورية الإسلامية إنها محتجزة بفعل العقوبات في دول عدة.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان هذا الشهر «الضغوط الأميركية (على سيول) هي واقع، لكن لا يمكننا أن نستمر في صرف النظر عن هذه المسألة». وأشار إلى أنه ما لم تتخذ سيول إجراءات سريعة، ستجيز حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي للمصرف المركزي الإيراني، الشروع في إجراءات قضائية للمطالبة بالأرصدة المجمّدة. وأكد أمير عبد اللهيان، أنه طلب من نظيره الكوري الجنوبي تشونغ إوي - يونغ في اتصال هاتفي السماح باستخدام الأرصدة «في أقرب وقت»؛ لأنه «من غير المقبول أن ينتظر شعبنا منذ ثلاثة أعوام ونصف عام».
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الكورية الجنوبية في سيول، أنه «لا يمكن تسليم الأرصدة إلى إيران بسبب العقوبات الأميركية التي تحول دون التعاملات المالية مع طهران». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية «نقلنا المبلغ (المستحق لطهران) عن صادرات النفط إلى حساب بالوون (العملة الكورية) لصالح المصرف المركزي الإيراني. وعندما تقوم شركة كورية جنوبية بالتصدير إلى إيران، تتلقى (لقاء ذلك) مبالغ من هذا الحساب بالوون».
كما دُفع نحو 16 مليون دولار من هذا الحساب في يونيو (حزيران) الماضي، لتسديد مستحقات على إيران إلى الأمم المتحدة، وفق ما يؤكد مسؤولون كوريون جنوبيون. إلا أن خطوات كهذه تبقى غير كافية من وجهة النظر الإيرانية.
ويقول سليمي «أعطى الأميركيون الضوء الأخضر ليقوم الكوريون الجنوبيون يتزود إيران بالبضائع بدلاً من الأموال المجمّدة».
لكن المسؤول في الخارجية الكورية يشدّد على أن ذلك «غير دقيق”، مضيفاً «في الوقت الراهن، يمكن فقط سداد ثمن المستلزمات الإنسانية مثل الأدوية، من هذه الأرصدة المجمّدة».
وفي أواخر سبتمبر (أيلول)، طلب رئيسي من وزارتي المال والتجارة الإيرانيتين ضمان منع استيراد الأجهزة المنزلية المنتجة من شركتين كوريتين (يرجح أنهما «إل جي» و«سامسونغ»)، بناءً على رسالة بهذا الشأن من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الذي أعطى أولوية لتعزيز الإنتاج المحلي.
وأوضح رئيسي «استفدنا من هذه الفرصة المتاحة (غياب المنتجات الكورية الجنوبية) خلال الأعوام الماضية لتحقيق تقدم نوعي في الإنتاج المحلي للأجهزة المنزلية».
وعلى رغم العقوبات الاقتصادية، تتوافر في الأسواق الإيرانية منتجات أجنبية عديدة، ومنها التجهيزات المنزلية الكورية الجنوبية التي لا يزال بعض الإيرانيين يفضّلون شراءها، خصوصاً لجهة جودتها الذائعة الصيت عالمياً.
في متجر في حي أمين حضور بطهران الذي يضم إحدى أبرز أسواق الأدوات المنزلية، تقول مريم التي تستعد للزواج قريباً لوكالة الصحافة الفرنسية «أفضّل شراء منتجات أجنبية. نوعيتها أفضل وأسعارها لا تختلف كثيراً عن تلك المصنّعة هنا». ويؤكد البائع الشاب سجاد نزاريان، أن «أكثر من 80 في المائة من الزبائن يرغبون في شراء منتجات أجنبية». لكن إيرانيين آخرين يفضّلون شراء المنتجات المحلية.
ويوضح أمين فائزي، العامل في مجال تشغيل المعادن «أفضّل شراء المنتجات المصنوعة في إيران على تلك المستوردة، لأن (الأخيرة) أغلى ثمنا، وأريد دعم الإنتاج المحلي”. ويضيف «خلال الأعوام الماضية، وبينما كانت بلادنا خاضعة للعقوبات، تحسنت نوعية المنتجات الإيرانية. بات في إمكاني إيجاد غسالة أو تلفزيون أو براد ذات جودة ومصنّعة في إيران».