لبنان: تحضيرات «المجتمع المدني» مستمرة لخوض الانتخابات النيابية

يتوقع «تسونامي» يقلص حضور أحزاب السلطة

TT

لبنان: تحضيرات «المجتمع المدني» مستمرة لخوض الانتخابات النيابية

يتحضر «المجتمع المدني» في لبنان لخوض الانتخابات النيابية في العام المقبل 2022. وتقوم التجمعات المدنية التي أبصرت النور في حراك «17 أكتوبر (تشرين الأول)» بعمل دؤوب بهدف توحيد صفوفها لخوض الانتخابات التي قد تحمل كثيراً من المفاجآت للسلطة والأحزاب السياسية.
وتوافقت اللجنة النيابية المعنية بدراسة ملف الانتخابات على إجراء الاستحقاق على أساس القانون الانتخابي النافذ حالياً، الذي يقسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، مع صوت تفضيلي واحد، واعتماد النسبية، وعلى تقريب موعد إجراء الانتخابات من يوم الأحد في 8 مايو (أيار) 2022 إلى يوم الأحد 27 مارس (آذار) من العام 2022، أي قبل حلول شهر رمضان.
ويؤكد أحد مؤسسي مجموعة «أنا خط أحمر» وضاح الصادق لـ«الشرق الأوسط» أن «الاجتماعات التنسيقية بين المجموعات دائمة»، لكنه يشير إلى أن «لبنان ليس في حالة استقرار تسمح بأن تكون المشهدية الانتخابية جاهزة في يوم وليلة. نحن معارضة جديدة عمرها سنة واحدة ونسابق الزمن لننتقل إلى مرحلة النضوج السياسي لتشكيل الأحزاب المعارضة وخوض الانتخابات».
ولدى سؤاله عما إذا كان هناك أي نوع من الإرباك في صفوف تجمعات المجتمع المدني، يجيب: «لا يوجد إرباك. نحن نعلم ما نريد، لكننا مجموعة كبيرة من الناس ومن مختلف المناطق والأفكار، نحاول الاتفاق بشكل كامل، وهذا الأمر ليس بالسهل ولكننا نستطيع الوصول إلى 85 في المائة من التحالف الانتخابي». ويضيف: «انتهت مرحلة المساعي لتقريب وجهات النظر، والاجتماعات تحصل للتكلم في التفاصيل. وطبعاً هناك وجهات نظر مختلفة».
ويتحدث الصادق عن التحضيرات، ويقسّم التجمعات إلى 3، ويشرح بداية أن «مجموعة «نحو الوطن»، التي تملك المقومات من خلال دعم المغتربين وعدد من رجال الأعمال، شكلت الماكينة الانتخابية التي أصبحت جاهزة وكاملة وتتمتع بالخبرة، وفيها عدد كبير من الموظفين، موضحاً أن الحركات الآن بمرحلة التفاهم مع «نحو الوطن» للتوافق على السير بنفس الاتجاهات والأهداف والمبادئ، وللتأكيد أن «نحو الوطن» هي الماكينة الانتخابية، لأن المشروع السياسي سيكون من الأحزاب والمجموعات المعارضة.
من جهة ثانية، يقول الصادق إن مجموعة «كلنا إرادة» هي الجهة التي تمثل رؤية البلد والفكر، وهي التي تقدم المشروع الكامل الاقتصادي والسياسي من خلال اختصاصيين.
أما الجزء الثالث بحسبه، فهو كل المجموعات والأحزاب الموجودة، ويوضح أن «جزءاً كبيراً منها بتوافق كامل مثل «جبهة المعارضة اللبنانية» التي تنسق أيضاً مع «نداء 13 أبريل (نيسان)» بشكل كبير، ويشير إلى أن هناك بعض الأماكن التي لا تلتقي فيها تلك التجمعات والأحزاب، ويعطي مثالاً أن «جبهة المعارضة» في مكان ما لا تلتقي مع «الحزب الشيوعي»، رغم أننا نلتقي معه بأهدافنا كمحاربة الفساد والتغيير الكامل للسلطة، ولكن تختلف معه بالاقتصاد، لأننا من دعاة الاقتصاد الحر. ومع ذلك، لن يمنع الأمر من أن يكون هناك تحالف بيننا في الجنوب. وهذه هي التفاصيل التي يجري بحثها، والتي نحاول أن نكون مرنين فيها للوصول إلى تفاهم مشترك.
ويشدد على أننا «كلنا لدينا هدف واحد، ونحاول تذليل الصعوبات للخروج بـ15 لائحة متحالفة في 15 دائرة، وكل دائرة سيكون عندها استقلاليتها وقرارها».
من جهته، يؤكد عضو «هيئة تنسيق الثورة» العميد المتقاعد جورج نادر لـ«الشرق الأوسط» أن «المجتمع المدني سيخرج بلائحة موحدة من 128 مرشحاً في 15 دائرة، وسيحدث (تسونامي) بوجه السلطة، وستكون النتائج غير متوقعة في الانتخابات النيابية المقبلة».
ويقول: «بالاستناد إلى ماكينات السلطة الانتخابية هناك توقعات بتغيير كبير وخسارات كبيرة في صفوف السلطة، لكن بالطبع لن تلغى السلطة السياسية الموجودة بشكل كلي ولكن أعداد نوابهم ستقل». ويشير نادر إلى وجود تنسيق دائم واجتماعات بين جميع المجموعات مع «نحو الوطن»، التي هي منصة انتخابية للجميع.
وتعرف «نحو الوطن» عن نفسها على أنها منصّة للتغيير السياسي والتجديد الاجتماعي والاقتصادي. تسعى لدفع التغيير من خلال تمكين ظهور قادة سياسيين مؤهّلين ومستقلّين وصادقين ملتزمين بخدمة المصلحة الوطنية. وفي حين يشكل الاستحقاق الانتخابي النيابي العنوان الأول لحكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، تتكشف بعض العراقيل التي قد تؤدي إلى حرمان المغترب اللبناني من ممارسة حقه بالاقتراع. ويجري الحديث في وسائل الإعلام المحلية عن توافق داخل اللجنة المعنية بدراسة ملف الانتخابات على عدم إجراء انتخابات المغتربين لأسباب لوجستية وماليّة وعلى إلغاء المادة التي تنصّ على تخصيص 6 مقاعد نيابية للمغتربين.
وفي هذا الإطار، يتخوف نادر من مضي السلطة باتخاذ هذا القرار، ويؤكد أن الحديث عن تقريب موعد الانتخابات «ليس بريئاً أبداً، بل هو لمنع المغتربين من التسجيل وإلغاء صوت المغترب الذي هو صوت حر 100 في المائة». ويضيف: «أكثر من 80 في المائة من المغتربين لن ينتخبوا السلطة، بل المجتمع المدني. وفي حال عدم إجراء انتخابات المغتربين فأنا أدعوهم إلى المجيء إلى لبنان للانتخاب. وهناك مجموعة كبيرة من المغتربين في كل القارات ستتوجه إلى لبنان في حال منعهم من التصويت في السفارات».
وعن موضوع اختيار المرشحين للمقاعد الانتخابية، يشرح نادر أنها تخضع للتنافس ولآلية، ويوضح أن المقعد الذي يتنافس عليه أكثر من مرشح، وهذا أمر يحصل بطبيعة الحال، يتم إجراء إحصاء من قبل شركات مستقلة لتبيان من هو الأوفر حظاً للفوز بالمقعد في المنطقة التي يريد الترشح فيها.
ويتابع: «الجميع يتفق على هذه الآلية، وهناك معايير للمرشحين، وقد يتنافس أكثر من مرشح على بعض المقاعد، لكن ما يحسم الاختيار هو الإحصاءات التي تقوم بها شركات مستقلة بتكليف من (نحو الوطن)، وهذه الطريقة عملية وراقية وتريح المجموعات المدنية».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».