الراحل عبد الله بن إدريس... ثمانية عقود من العمل الإعلامي والثقافي

رأس تحرير جريدة «الدعوة» وكان أول رئيس نادٍ أدبي يفتح المجال للمشاركات النسائية

عبد الله بن إدريس
عبد الله بن إدريس
TT

الراحل عبد الله بن إدريس... ثمانية عقود من العمل الإعلامي والثقافي

عبد الله بن إدريس
عبد الله بن إدريس

برحيل الأديب والشاعر والشيخ عبد الله بن إدريس، الذي ولد قبل 96 عاماً في بلدة (حرمة) بمنطقة سدير، يوم أمس (الأربعاء)، فقدت الساحة الثقافية والأدبية والإعلامية المحلية والعربية رمزاً من رموزها، حمل قلمه طيلة ثمانية عقود، وخاض في مضامير الأدب والشعر والنقد والإعلام، متكئاً على عمق ثقافي جعل مؤلفاته ودراساته الشرعية والتاريخية وإنتاجه الأدبي والفكري في باقية ذاكرة الأجيال.
أسس عبد الله بن إدريس ورأس تحرير جريدة كان لها حضورها في المشهد الصحافي والثقافي آنذاك، وهي «جريدة الدعوة»، كما دخل مجال التأليف باكراً، ويعد كتابه «شعراء نجد المعاصرون»، الذي كتبه في ستينيات القرن الماضي توثيقاً غير مسبوق لتاريخ الأدب وسط الجزيرة العربية، ورموزه الشعرية، ولم يكن الكتاب طرحاً لدواوين الشعراء وقصائدهم في هذه البقعة التي كانت رحماً للشعراء منذ عشرات القرون وإلى اليوم، بل جاء الكتاب ليقدم دراسة نقدية وفنية لشعراء سجلوا حضورهم آنذاك. وأتبع هذا المؤلف بمؤلفات شعرية وأدبية عديدة.
حفلت سيرة الراحل الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس، بالكثير من المحطات، فبعد تلقيه لدراسته الأولية في بلدته «حرمة»، توجه إلى الرياض بدافع من والده وهو ما زال يافعاً، لطلب العلم بعاصمة بلاده على يد علماء الدين فيها، وانضم لاحقاً إلى حلقة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية آنذاك، الذي وجد فيه نبوغاً مبكراً واستيعاباً لعلوم الدين وقواعد اللغة العربية، ليعينه معلماً في مدرسة الفيصلية بالرياض. وعندما افتتحت المعاهد العلمية الدينية قبل 73 عاماً، ترك وظيفة التدريس ليلتحق دراساً بالمعهد العلمي بالرياض ويحصل على شهادة المعهد التي كانت تعادل الثانوية العامة. وبعدها التحق بكلية الشرعية وحصل على شهادة البكالوريوس (الليسانس)، في علوم الشرعية ضمن أول دفعة تخرجت في الكلية قبل 76 عاماً. وقد تم ترشيحه للقضاء، لكنه اعتذر ليبقى بمجال التعليم. ثم أعيرت خدماته لرئاسة تحرير صحيفة «الدعوة» التي صدر العدد الأول منها قبل 58 عاماً في عهد الملك فيصل، كأول رئيس لتحريرها، وأضيفت إليه مهام المدير العام لمؤسسة الدعوة الإسلامية الصحافية التي تصدر عنها الجريدة، وبهذا يعد الراحل أول صحافي سعودي يجمع بين هذين العملين في عهد المؤسسات الصحافية.
وبعد مشواره في مضمار الصحافة لمدة 8 سنوات في جريدة الدعوة، عاد الراحل عبد الله بن إدريس إلى وزارة المعارف بمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب، ثم انتقل إلى جامعة الإمام في مناصب متعددة حتى تقاعده. ثم عين قبل 42 عاماً رئيساً للنادي الأدبي بالرياض، وكان الراحل أحد المؤسسين الأوائل له، واستمر في خدمة النادي لأكثر من 22 عاماً، وسجل عنه مبادرة غير مسبوقة بفتحه مجال المشاركة النسائية عبر الدائرة التلفزيونية.
كذلك حفلت سيرته بعمله في عضوية عدد من المؤسسات الثقافية، كما مثل بلاده في عدة مؤتمرات ومهرجانات شعرية دولية، ومنح أوسمة ودروع وميداليات، وكرم من قبل مؤسسات بلاده، ودول عربية.
وكان الجانب الإنساني عند الشيخ الراحل ابن إدريس حاضراً دائماً، ولعل أبرز مثال على ذلك قصيدته في زوجته عندما مرض الاثنان، فكتب قصيدة عنوانها «أأرحل قبلك أم ترحلين»، ووصفها الدكتور الراحل غازي القصيبي بقوله: «لعلها أول وأجمل قصيدة رومانسية كتبها شاعر من صحراء نجد في زوجته، في بيئة ثقافية نجدية لا يكاد الزوج فيها يسامر زوجته داخل بيته، فكيف يفعل ذلك شعراً وأمام الملأ؟!».



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.